أعلنت الأمم المتحدة وعبر الهيئة الدولية المسئولة عن رصد الجوع عالمياً التابعة لها (IPC)، اليوم الجمعة الموافق 22/8/2025، عن تفشي المجاعة في غزة، وذلك من خلال بيان مشترك جمع كل من منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الأغذية والزراعة، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة، وأكدت فيه أن أكثر من نصف مليون شخص في غزة عالقون في مجاعة.
هذا ويشمل إعلان المجاعة محافظة غزة، التي تضم مدينة غزة وثلاث بلدات مجاورة وعدداً من مخيمات اللاجئين، ويقطنها نحو نصف مليون نسمة يعيشون ظروفاً كارثية، تتسم بالجوع والعوز والموت. ويأتي هذا الإعلان بعد أن كان التصنيف المرحلي قد حذر سابقاً من أن المجاعة وشيكة في بعض مناطق القطاع.
ويؤكد البيان أن معايير إعلان المجاعة الثلاثة قد تم استيفاؤها، ألا وهي، أن تواجه 20 بالمئة على الأقل من الأسر نقصاً حاداً في الغذاء، وأن يعاني 30 بالمئة على الأقل من الأطفال من سوء تغذية حاد، وأن يتوفى شخصين يومياً من كل 10 آلاف شخص بسبب الجوع.[1] في حين تتوقع الإحاطة أن تمتد المجاعة إلى محافظتي دير البلح وخان يونس بحلول نهاية سبتمبر، بينما يواجه أكثر من 1.07 مليون شخص في غزة وهم نصف السكان، مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي.
وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، ثمين الخيطان، هذا الوضع نتيجة مباشرة لسياسة الحكومة الإسرائيلية في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، مؤكداً أن كميات المساعدات التي دخلت القطاع في الأسابيع الأخيرة أقل بكثير مما هو مطلوب لتفادي انتشار المجاعة، وأشار إلى استمرار تسجيل وفيات مرتبطة بالجوع، بينها أطفال، في وقت كثف الجيش الإسرائيلي هجماته في شمال القطاع وأصدر أوامر نزوح جديدة للفلسطينيين نحو منطقة المواصي، رغم استمرار القصف وسوء الأوضاع هناك، بحيث يفتقر مئات الآلاف من النازحين في المواصي إلى الغذاء والماء والكهرباء والمأوى. وأن الوصول إلى المساعدات قد يكون مميتاً، موضحاً أن بيانات الأمم المتحدة تشير إلى مقتل 1857 فلسطينياً منذ 27 مايو أثناء محاولتهم الحصول على الطعام، معظمهم برصاص الجيش الإسرائيلي قرب مواقع مؤسسة غزة الإنسانية أو على طرق مرور الشاحنات.
من جانبه صرح وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، أن المجاعة في غزة كان من الممكن تفاديها بالكامل لو لم تمنع الأمم المتحدة بشكل ممنهج من إدخال المساعدات الغذائية، غير أن المساعدات الغذائية تتكدس عند الحدود بسبب العرقلة الممنهجة الممارسة من إسرائيل.
هذا وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي في استخدام التجويع كسلاح وتمنع وتعرقل دخول المواد الغذائية بشكل يسمح لسكان قطاع غزة من الحصول على الحد الأدنى من الغذاء المناسب لإبقائهم على قيد الحياة، وعسكرت عمليات توزيع المساعدات وجعلتها أداة للقتل، وتواصل وبشكل ممنهج تدمر البنية التحتية لمصادر الغذاء والمياه كالأراضي الزراعية ومصادر الإنتاج الغذائي وآبار المياه.
وبحسب المعلومات الميدانية، بلغ إجمالي الشاحنات التي دخلت قطاع غزة على مدار (22 يوماً) 1,937 شاحنة مساعدات فقط من أصل الكمية المفترضة والبالغة 13,200 شاحنة مساعدات، أي أن ما دخل أقل من 15% من الاحتياجات الفعلية، وهذه الكميات تعرضت للنهب والسرقة، حيث يمنع الاحتلال إدخال شاحنات المساعدات بكميات كافية، في حين يحتاج القطاع يومياً أكثر من 600 شاحنة مساعدات مختلفة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات 2.4 مليون إنسان، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية بفعل الحرب والإبادة المستمرة.
وشهد نحو 86 % من الأراضي المزروعة بالمحاصيل الدائمة في غزة (نحو 130 من أصل 150 كيلومتراً مربعاً) تراجعاً كبيراً في سلامتها وكثافتها في شهر تموز/يوليو 2025، وهو ما يمثل زيادة قدرها 3 % بالمقارنة مع شهر نيسان/أبريل 2025، وهذا التراجع نتيجة للأثر الذي خلفته أنشطة جيش الاحتلال من تجريف وقصف الجوي ومدفعي وأوامر الإخلاء المتكررة.
من جانبها، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن مجموع وفيات الجوع وسوء التغذية بلغ 271 حالة، من بينهم 112 طفلاً.
مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يثمن إعلان الأمم المتحدة عن تفشي المجاعة في غزة رسمياً، فإنه يؤكد في الوقت ذاته أن هذه المجاعة هي من فعل البشر وليست جراء الجفاف أو تقلبات المناخ أو أية كوارث طبيعية أخرى، وهي كوارث يصعب التنبؤ بها في بعض الأحيان، ولكن أن يحدث التجويع بشكل ممنهج وبوسائل متعددة مثل منع وصول المساعدات وتدمير مصادر الغذاء والمياه على مدار 22 شهراً على مرأى ومسمع من العالم أجمع دون تحرك يضع المجتمع الدولي في خانة المسئولية.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه المركز على أهمية هذا الإعلان، فإنه يشدد على ضرورة وأهمية اتباعها بخطوات ملموسة من قبل المجتمع الدولي لتدارك الكارثة والعمل الجاد على وقف هذا الشكل والأشكال الأخرى من الإبادة الجماعية المستمرة، فالمجاعة متفشية بالفعل منذ وقت طويل وأن الإعلان اليوم يؤكد على ما أكده المركز منذ فترة طويلة.
وعليه، يستنكر المركز ويدين بشدة استمرار استخدام إسرائيل التجويع كسلاح، والتظاهر بالسماح بإدخال المساعدات واستخدام التضليل الإعلامي للإبقاء على حالة التجويع، وتوفير الغطاء لعصابات السطو على المساعدات الإنسانية واستهداف مجموعات حماية المساعدات، وإشاعة الفوضى والعوز بين السكان، وإمعانها في منع دخول الغوث الإنساني، وهندسة وعسكرة تقديم المساعدات، بما يضاعف من تفشي المجاعة بين الفلسطينيين ويمتهن كرامتهم، ويعرضهم للقتل والإصابة، والموت جوعاً.
ويطالب المركز المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ خطوات فعالة وفورية لوقف الإبادة الجماعية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون قيود، وتعزيز دور وكالات الأمم المتحدة في توزيعها، وإجبار سلطات الاحتلال على الوقف الفوري لكل أشكال الجرائم بحق المدنيين ومناطق تجمعهم، لا سيما منتظري المساعدات الإنسانية، ووقف آلية توزيع المساعدات الإسرائيلية الأمريكية غير الإنسانية، ورفع الحصار الإسرائيلي الكامل عن قطاع غزة، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومنتظم، وملاحقة مساءلة مرتكبي الإبادة الجماعية.
ويذكر المركز مرة أخرى، على أن بينات الشجب والقلق لن تطعم جائعاً، ولابد من خطوات ملموسة تجبر دولة الاحتلال التي تجوع المدنيين على وقف إبادتها فوراً.
[1] مقال توضيحي، الأمم المتحدة