المركز الفلسطيني: قتل المزارعين في خانيونس وتدمير مركز الإيواء في دير البلح يؤكد أنه لا مكان آمن في قطاع غزة

في الوقت الذي تسعى فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى تهجير سكان محافظة غزة والنازحين فيها، المقدر عددهم بنحو مليون إنسان، إلى وسط قطاع غزة وجنوبه، في إطار خطتها المعلنة لإحكام السيطرة على المحافظة وتدميرها، تمعن تلك القوات في جرائم القتل واستهداف مقومات البقاء والتدمير الواسع في المناطق المراد تهجير السكان إليها؛ ما يدلل على أن دولة الاحتلال تعمل بشكل ممنهج على تدمير سبل الحياة في إطار جريمة الإبادة الجماعية وتمهيدًا لتهجير الفلسطينيين قسرًا خارج بلدهم.

ففي جريمة تدلل على سعي الاحتلال الإسرائيلي لتكريس التجويع وحرمان السكان من أي إنتاج زراعي محلي، قتلت قوات الاحتلال خمسة مزارعين خلال عملهم في أرض زراعية غربي خان يونس.

ووفق الإفادات والمعلومات التي جمعها طاقم المركز، عند حوالي الساعة 08:30 من صباح يوم الخميس الموافق 21/8/2025، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجموعة مزارعين كانوا يقومون بأعمال الزراعة شمال غربي حي الأمل بخان يونس، حيث هاجمتهم بالقصف المدفعي والطائرات المسيرة (كواد كابتر). أسفر ذلك عن مقتل خمسة منهم، وهم: محمد مروان أحمد الأسطل (40 عامًا)، وسليمان جمال درويش الأسطل (28 عامًا)، وشقيقه محمد جمال درويش الأسطل (38 عامًا)، وموسى عبد الله السلال أحمد الأسطل (32 عامًا)، ومحمود نايف مصطفى الأسطل (49 عامًا).

وتأتي هذه الجريمة امتدادًا لسلسلة جرائم قتل ارتكبتها قوات الاحتلال ضد عشرات المزارعين والصيادين خلال عملهم، بعد أن عملت تلك القوات طوال الأشهر الماضية على قصف وتدمير أكثر من 90% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة وأخرجتها من الخدمة، لتحرم سكان القطاع من السلة الغذائية من الخضروات.

وأفاد المزارع أحمد محمد الأسطل لطاقم المركز بما يلي:

“بينما كنت أنا ومجموعة مزارعين، عددنا حوالي 30 مزارعًا، نعمل في دفيئات زراعية غربي خان يونس، إذا بطائرة كواد كابتر إسرائيلية بدأت تطلق النار علينا، وطائرات مسيرة تحوم فوقنا، فانبطحنا أرضًا للاحتماء من طائرة الكواد كابتر التي أطلقت النار باتجاهنا، واستمر ذلك 15 دقيقة، توقف بعدها إطلاق النار وهدأت المنطقة، فاعتقدنا أنها مثل المرات السابقة، أن الوضع هدأ، فعدنا إلى العمل. ومرت حوالي 15 دقيقة أخرى، فإذا بقذائف المدفعية تتساقط علينا، والشظايا تتناثر في كل مكان، فخرجنا جريًا هاربين من مكان عملنا باتجاه الغرب، ونحن نجري ألقت طائرة الكواد قنبلة علينا، وصار المزارعون يقولون إن هناك خمسة مزارعين منا سقطوا على الأرض، إلا أننا واصلنا الجري وابتعدنا حوالي 500 م عن المكان. بعد حوالي 15 دقيقة توقفت القذائف وغادرت طائرة الكواد كابتر، فعدنا، وتوقفت أنا على بوابة الأرض خوفًا من عودة إطلاق النار، ودخل عدد منا ومعهم سيارة تندر، وانتشلوا الشهداء وجميعهم من أبناء عائلتي، ونقلوهم إلى مستشفى مجمع ناصر الطبي”.

وفي جريمة أخرى تعكس إصرار الاحتلال على تدمير حتى مخيمات النزوح المؤقتة التي أقامها النازحون وسط قطاع غزة، دون أي مبرر سوى فرض ظروف معيشية قاسية يستحيل معها البقاء والاستقرار.

ووفق المعلومات التي جمعها طاقم المركز، عند حوالي الساعة 09:40 من صباح يوم الخميس نفسه، قصفت طائرة مسيّرة إسرائيلية بصاروخ مركز إيواء “المناصرة”، الواقع في منتصف الشارع المؤدي إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح بالمحافظة الوسطى. وقبل الاستهداف بدقائق، تلقى عدد من المقيمين في المركز اتصالات تحذيرية بضرورة إخلائه عاجلًا تمهيدًا لقصفه. وبعد نحو 5 دقائق، شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات متتالية بأكثر من ثلاثة صواريخ على المركز، ما أدى إلى تدميره بالكامل بما فيه من خيام ومحتويات، وخلّف حفرة بعمق يقدّر بنحو 10 أمتار، وإصابة نحو 10 مواطنين بجراح طفيفة. يُشار إلى أن مركز الإيواء كان يحتضن ما يقارب 170 أسرة، يبلغ عدد أفرادها نحو 1100 نازح، معظمهم من النساء والأطفال، والذين باتوا جميعًا بلا مأوى بعد تدميره. كما طالت أضرار جسيمة مبنى كلية الدعوة الإسلامية الملاصق للمكان من الناحية الشرقية، والذي كان يؤوي أيضًا عددًا من العائلات النازحة.

وأفاد أحد النازحين لطاقم المركز، والذي يقيم في إحدى الغرف داخل مبنى كلية الدعوة الإسلامية المحاذية لمركز إيواء المناصرة من الجهة الشرقية، أن عددًا من النازحين في مركز الإيواء ومبنى الكلية تلقوا اتصالات هاتفية من الجيش الإسرائيلي تطالبهم بإخلاء المكان خلال عشر دقائق تمهيدًا لقصف مركز الإيواء. وبعد خمس دقائق فقط، أطلقت طائرة استطلاع إسرائيلية صاروخًا استهدف منطقة خالية بين المركز والكلية، أعقبه بعد دقائق قصف جوي مكثف بعدة صواريخ استهدفت مركز الإيواء مباشرة، ما أدى إلى تدميره الكامل واحتراق جميع الخيام والغرف بما تحويه من ممتلكات، كما تضررت بشكل بالغ الكلية التي تأوي عشرات العائلات النازحة. كما أصيب عدد من المواطنين بجراح طفيفة، في حين لم يتمكن النازحون من إخلاء أغراضهم بسبب ضيق الوقت، إذ اقتصرت محاولاتهم على النجاة بأرواحهم. وبذلك وجدت عشرات العائلات نفسها بلا مأوى.

ويأتي قتل المزارعين، وتدمير مخيم الإيواء، قبيل نشر الناطق باسم جيش الاحتلال محادثة عبر الهاتف مع مسؤول في وزارة الصحة يطالب فيها بوضع خطط لنقل معدات المستشفيات شمالي وادي غزة، إلى جنوب قطاع غزة1، في إطار خطة الاحتلال المعلنة لاستكمال السيطرة العسكرية على محافظة غزة تمهيدًا لتهجير سكانها وتدميرها على غرار ما حدث سابقا في رفح وخانيونس وشمال غزة.

يجدد المركز تحذيره بأن خطة الاحتلال المعلنة تمثل مرحلة جديدة من محاولات إسرائيل الممنهجة للتطهير العرقي لشمال غزة، بهدف إفراغ المنطقة قسريًا من سكانها وضمها وإنشاء مستوطنات إسرائيلية غير قانونية. وإذا ما نُفذت، فإنها ستؤدي حتمًا إلى وقوع عمليات قتل جماعي واعتقالات وتعذيب وتجويع وتشريد مئات الآلاف من المدنيين، بمن فيهم الأطفال وذوو الإعاقة والفئات الأكثر ضعفًا.

ويؤكد المركز أنه لا يوجد أي مكان آمن في كل قطاع غزة، وأن قوات الاحتلال تطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى أماكن محددة جنوب قطاع غزة أو وسطه، وتنفذ غارات مكثفة عليهم هناك بهدف القتل والتدمير.

ويعيد التذكير أنه بعد 23 شهرًا من القتل الجماعي والدمار والتجويع والحصار والنزوح المتكرر، يعيش المدنيون الفلسطينيون في جميع أنحاء القطاع حالة من الانهيار الشامل، جسديًا ونفسيًا، يكافحون يوميًا للبقاء على قيد الحياة، محرومين من الحد الأدنى من مقومات الحياة. إنهم يعيشون في ظروف كارثية بلا مأوى، بلا غذاء، بلا كهرباء، بلا مياه نظيفة، وبلا علاج، ولا يجدون مكانًا آمنًا يلجؤون إليه. وبعد ما يقارب عامين، لم تعد القدرة على الصمود ممكنة أمام هذا الهجوم والإبادة الجماعية المستمرة.

يجدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان موقفه بأن هذه ليست خطة “لاحتلال غزة”، لأنه يقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، وهو ما أكدته مؤخرًا محكمة العدل الدولية، بل هي محاولة جديدة للتطهير العرقي، لإفراغ سكان المحافظات الشمالية ومدينة غزة قسريًا، بعد فشل إسرائيل في تنفيذ ما عُرف بـ خطة الجنرالات العام الماضي.

على المجتمع الدولي التحرك فورًا لوضع حد للإبادة الجماعية المستمرة، بما في ذلك فرض حظر فوري على الأسلحة، والضغط على إسرائيل لإيقاف هجومها المخطط على مدينة غزة، وهجماتها على مختلف أرجاء قطاع غزة. مطلوب بشكل فوري حماية المدنيين وتنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة ضد المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الجرائم وإصدار المزيد منها لضمان تحقيق المساءلة والعدالة.


  1. الناطق باسم جيش الاحتلال، الصفحة الرسمية على اكس، 21/8/2025. الرابط ↩︎

اشترك في القائمة البريدية