يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات جريمة القصف المركبة والمزدوجة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد مجمع ناصر الطبي في خان يونس، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 20 مواطنًا، بينهم خمسة صحفيين وطبيب وعامل في الدفاع المدني، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة. استهداف مبنى الاستقبال والطوارئ في أكبر مستشفى جنوبي قطاع غزة، ثم معاودة القصف لاستهداف الصحفيين أثناء التغطية، وطواقم الإسعاف والدفاع المدني خلال محاولاتهم إنقاذ الضحايا، يجسد نهجًا متكرراً لإيقاع أكبر عدد من الخسائر البشرية، ومنع عمليات الإنقاذ والإغاثة. هذه الجريمة تمثل جوهر الإبادة الجماعية المستمرة التي تنفذها إسرائيل بحق الفلسطينيين بكل فئاتهم المختلفة في القطاع منذ ما يقارب العامين.
ووفق إفادات شهود عيان والمعلومات التي جمعها طاقم المركز، عند حوالي الساعة 10:10 صباحاً من يوم الاثنين الموافق 25/8/2025، هاجمت طائرة مسيرة اسرائيلية سلالم الطابق الرابع لمبنى الحوادث والطوارئ في مجمع ناصر الطبي أثناء تواجد الصحفي حسام عطية المصري، 49 عاما، مصور وكالة رويترز، الذي عادة ما يصور منه كونه مكانا مرتفعا، ما أدى إلى مقتله وإصابة آخرين. إثر ذلك هرع إلى مكان الاستهداف عدد من الصحفيين وطواقم الدفاع المدني، وهم يرتدون ستراتهم الخاصة بعملهم، للتصوير والإنقاذ، وبعد لحظات قصفت قوات الاحتلال المتجمعين بقذيفة بشكل مباشر مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى إلى 20 مواطنًا، وفق وزارة الصحة، منهم 5 صحفيين، وطبيب من طلبة الامتياز وأحد أفراد الدفاع المدني والبقية من المدنيين. والصحفيون هم: إضافة إلى المصري، مريم رياض محمد ابو فرحانة (ابو دقة)، 33 عاما، وتعمل في اندبندنت العربية وAP، ومحمد صابر ابراهيم سلامة مصور للجزيرة، ومعاذ محمد أبو طه وهو صحفي حر، وحمد سلامة سليمان ابو عزيز، 28 عاما، وهو صحفي حر. والطبيب هو محمد محمود اسماعيل الحبيبي، 24 عاما، والعامل بالدفاع المدني عماد عبد الحكيم علي الشاعر، 35 عاما. كما أصيب عدد من المواطنين، منهم صحفيون وعاملون في الدفاع المدني.
وفي إفادته لطاقم المركز، أفاد الصحفي إبراهيم محمد خليل قنن:
“كنت أمام الباب الشرقي لمجمع ناصر الطبي أستعد للخروج على الهواء مباشرة في قناة الغد وفجأة سمعت صوت انفجار عنيف جدا من طائرة مسيرة استهدفت الزميل حسام المصري الذي يعمل مصورا لرويتر، والذي يقوم بالتصوير على سلالم (الدرج) الطابق الرابع لمبني قسم الاستقبال (مبنى الحوادث والطوارئ)، والمكان معروف أن الصحفيين يقومون بالتصوير والتوثيق من أعلاه، فهرع الصحفيون ورجال الدفاع المدني والاطباء والممرضين إلى المكان لإنقاذ المصابين والشهداء، وأنا كنت قد دخلت على الهواء وأنقل الحدث، وبعد دقائق قليلة استهدفتهم طائرة مسيرة بشكل مباشر في جريمة إعدام واضحة، ما أدى إلى استشهاد 5 صحفيين أحدهم استشهد لاحقا، واحد رجال الدفاع المدني، وآخرين.”
وأفاد يامن عبد القادر صالح ابو سليمان من الدفاع المدني لطاقم المركز:
“استهدفت طائرة مسيرة اسرائيلية سلالم الطابق الرابع لمبنى الحوادث والطوارئ في مجمع ناصر الطبي القريب من مقرنا. وبطبيعة الحال توجهت طواقمنا إلى المكان وبدأت بمباشرة عملها وإجلاء المصابين والشهداء، إلا أنه وأثناء قيام عناصرنا بعملها استهدفتهم طائرة مسيرة إسرائيلية ما ادى إلى وقوع شهداء وإصابات في صفوف عناصرنا استشهد فيها السائق في الدفاع المدني عماد عبد الحكيم علي الشاعر، 35 عاما، وأصيب 6 آخرون واستشهد أيضا 5 صحفيين وعدد من المواطنين.”
يؤكد المركز إن ادعاء جيش الاحتلال أنه هاجم محيط المستشفى1 مناف للحقيقة؛ إذ أن القصف استهدف بشكل مباشر الجزء العلوي من مبنى الاستقبال والطوارئ في المستشفى، وعاود القصف تجاه طواقم الإنقاذ والصحفيين بشكل مباشر، ما يؤكد وجود تعمد في هذا الاستهداف والقتل.
ووثق مقطع فيديو2 متداول الاستهداف الثاني، مجموعة من المواطنين والدفاع المدني والصحفيين يبحثون عن ضحايا ويوثقون الحدث، عندما جرى استهدافهم بشكل مباشر بقذيفة ما أوقعهم جميعا بين قتيل وجريح متداول على الإنترنت لحظة قصف المستشفى.
وتمثل هذه الجريمة نموذجًا صارخًا لنمط متكرر في ارتكاب جرائم مركبة متعدّدة الأركان. فقد شمل القصف استهداف مرفق طبي محمي بموجب القانون الدولي، وقتل طبيب أثناء مزاولته عمله، واغتيال صحفيين خلال أداء مهامهم المهنية، والاعتداء على مرضى في لحظة إسعافهم وإخلائهم، فضلًا عن قتل وإصابة عناصر من الدفاع المدني أثناء إنقاذ الضحايا. هذا النمط يعبّر عن سياسة متعمدة تستهدف أشخاصًا وأعيانًا يتمتعون بحماية خاصة، ويشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، في إطار جريمة أوسع للإبادة الجماعية بحق سكان قطاع غزة.
جدير بالذكر أن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 1591 من الطواقم الطبية و123 من الدفاع المدني و245 من الصحفيين خلال أقل من 23 شهرًا من عدوانها العسكري المستمر على قطاع غزة.
يؤكد المركز أن استهداف الصحفيين جاء بهدف الاستفراد بالضحية وتغييب نقل وقائع الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد المدنيات والمدنيين في قطاع غزة. ولذلك نطالب المجتمع الدولي بإدانة استهداف العاملين بالصحافة بشكل علني، والضغط على دولة الاحتلال لوقف استهدافهم بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيات والمدنيين بمن فيهم الصحفيات والصحفيين في قطاع غزة.
كما يؤكد المركز أن القتل العمد والممنهج للصحفيين والمسعفين وطواقم الإنقاذ يعد جزءاً من جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة، وهي جريمة حرب تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. كما يعد حرمانًا تعسفيًّا من الحياة وفقًا للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويستوجب مساءلة مرتكبيه.
ويؤكد المركز أن استمرار فشل منظومة العدالة الدولية في مساءلة قادة الاحتلال ومحاسبتها على جرائمها شجعها على ارتكاب المزيد من الانتهاكات والجرائم بحق الصحفيين والطواقم الطبية والأعيان المدنية دون رادع.
وإزاء ذلك، يطالب المركز المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال لوقف استهداف الصحفيين بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيين بما فيهم للصحفيات والصحفيين في قطاع غزة، وتفعيل أدوات الضغط على سلطات الاحتلال بوقف جرائمها والامتثال لقواعد القانون الدولي.