الاغاثة الطبية: ظلال العمى في غزة ومعاناة ذوي الإعاقة البصرية بين الحرب والإنكار

في زوايا غزة، حيث تصطدم حياة الإنسان مع الألم والمعاناة، تحكي قصة اعتدال شهوان، امرأة في الـ57 من عمرها، نازحة من خانيونس تعاني ضعفًا بصريًا منذ الولادة. رغم محدودية بصرها، عاشت اعتدال حياة طبيعية، تعمل، تتزوج، وتواجه تحديات الحياة بشجاعة. لكن الحرب التي ضربت القطاع في 2023 قلبت حياتها رأسًا على عقب. فقد بصرها بنسبة 90%، وانهارت كل الوسائل التي كانت تساعدها على العيش باستقلالية. فقدت بيتها، أدويتها، وحتى هاتفها المساعد، لتصبح معاناة فقدان البصر أسوأ مع فترات النزوح المتكررة وقلة الغذاء، وسط ظروف إنسانية خانقة.

كانت اعتدال تعيش متعايشة مع ضعف بصري جزئي لا يمنعها من إنجاز مهامها اليومية، فكانت تعتمد على عصا المشي وهاتف ذكي به تطبيقات خاصة تسهل عليها التنقل والتواصل. لكن عندما دكت القنابل بيوتها في دير البلح، بدأت عذاباتها الحقيقية. لم يعد بإمكانها الحصول على أدوية العيون أو الفيتامينات اللازمة، وتوقفت المؤسسات الخاصة بالدعم عن العمل. باتت تحتاج إلى مرافق دائم في كل خطوة، وهو ما لم تكن بحاجة إليه من قبل. مع عشرين تجربة نزوح خلال 22 شهراً، سلبت الحرب منها استقلاليتها، ودفعتها إلى العيش في خوف دائم من فقدان المزيد.

سوء التغذية ونقص فيتامين "أ" الذي يعزز صحة العينين، زاد من تدهور حالتها الصحية، مما جعل الاعتناء بها أصعب في ظل عدم توفر الرعاية الصحية الأساسية، في واقع يزداد قتامة على عينيها.

نادر بشير، دكتور في إدارة الأعمال ورئيس رابطة الخريجين المعاقين بصريًا في غزة، ولد كفيفًا ومنذ عام 2006 وهو يناضل دفاعًا عن حقوق ذوي الإعاقة البصرية. يؤكد نادر أن هذه الفئة من بين الأكثر تهميشًا في المجتمع، وأن حرب الإبادة الأخيرة زادت من معاناتهم بشكل لم يسبق له مثيل.

يقول نادر: "لا توجد حقوق دولية أو إنسانية تحمي ذوي الإعاقة البصرية خلال الحروب. لا توجد ممرات آمنة أو مخيمات ملائمة، ولا أدوية ولا أدوات مساعدة يتم إدخالها إلى غزة منذ ستة أشهر، مما يجعل حياتنا أكثر صعوبة ويزيد من فقداننا للبصر والقدرة على الاعتماد على النفس."

يشير نادر إلى أن القصف المتكرر دمر المنازل التي تضم ذوي الإعاقة، ولم تستجب أي جهة لتوفير الحماية أو الخطط اللازمة لمواجهة الكوارث، مما جعل وضعهم أكثر هشاشة.

معاناة يصعب توصيفها

قال مصطفى عابد، مدير برنامج التأهيل في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية بقطاع غزة، إن الوضع الإنساني في القطاع يصعب عليه حتى توصيف حجم المعاناة التي يعانيها الأشخاص ذوو الإعاقة البصرية، خاصة مع تفاقم الظروف منذ اندلاع حرب 2023.

وأوضح عابد أن ذوي الإعاقة البصرية في غزة كانوا يواجهون تحديات كبيرة قبل الحرب، بسبب ندرة الخدمات وتأهيل محدود يقتصر على خمسة مؤسسات فقط، معظمها يتركز في مدينة غزة، وهو ما يضع جزءًا كبيرًا من هؤلاء خارج دائرة الخدمات الأساسية.

ومع اندلاع الحرب، ازداد الوضع سوءًا، حيث أجبر أكثر من 5500 شخص على مواجهة إعاقة بصرية جديدة، منهم 1500 كفيف بسبب القصف وتدمير المنازل، بينما يعاني 4000 آخرون من مشاكل في الرؤية ويحتاجون لتدخل عاجل. وتشكل الإناث 52.5% من ذوي الإعاقة البصرية، فيما يمثل الأطفال أقل من 18 سنة 14% من هذه الفئة.

أضاف عابد: "مع الحروب تزداد الأعداد، وتتفجر المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية، وسط نقص حاد في الفحوصات الطبية، المعينات البصرية، والأدوية، بالإضافة إلى غياب ممرات آمنة ومراكز إيواء مهيأة لهم."

وأشار إلى أن الحرب عطلت العملية التعليمية لنحو 300 طالب كفيف، حرمتهم من حقهم في التعليم الملائم، مشددًا على ضرورة توفير مناهج تعليمية مكبرة وأجهزة ناطقة تسهل التعلم.

وذكر أن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2006) التي صدقت عليها فلسطين عام 2014، تشكل إطارًا قانونيًا هامًا، لكنه لم يطبق بشكل فعال بسبب الحصار والتدمير.

وقال عابد إن جمعيته تسعى منذ 1997 لتقديم خدمات التأهيل المجتمعي، ودعم الطلبة، وتوفير الأجهزة، لكن الحرب فرضت قيودًا كبيرة. "نحن نتابع الحالات في مراكز الإيواء ونحاول توفير الأدوية والخدمات الصحية، لكن الدمار المستمر يزيد من صعوبة عملنا."

وأشار إلى أبرز الاحتياجات التي تتطلب استجابة عاجلة:

  • توفير فحوصات طبية دقيقة وأجهزة متخصصة.
  • تأمين النظارات والمعينات البصرية.
  • تطوير مناهج تعليمية مهيأة لذوي الإعاقة.
  • إنشاء مراكز إيواء ومخيمات خاصة ملائمة.
  • توفير ممرات آمنة وأجهزة مساعدة كالهواتف النقالة والعصي.
  • برامج تأهيل نفسي وبصري وتعزيز الاعتماد على الذات.
  • دعم تمكين اقتصادي واجتماعي.

وأكد أن استمرار هذه المعاناة بدون تدخل دولي ومحلي يعرض حياة آلاف الأشخاص للخطر، قائلاً: "الواقع المأساوي لذوي الإعاقة البصرية يحتاج إلى تضامن عالمي وفوري."

تصريحات دولية

منظمة الصحة العالمية (WHO):
"تشير تقاريرنا إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة، وخاصة ذوي الإعاقة البصرية، هم من الفئات الأكثر تضررًا في النزاعات المسلحة، حيث تتعرض حقوقهم الأساسية للخطر، ويعانون من محدودية وصولهم إلى الخدمات الصحية والتعليمية، مما يستدعي توفير دعم خاص لهم في جميع الأوقات."

مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR):
"الحروب تزيد من هشاشة الأشخاص ذوي الإعاقة، وتضعف قدرتهم على النجاة والتكيف. يجب توفير ممرات آمنة وخدمات مخصصة خلال حالات النزوح، إضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي لهم."

لجنة حقوق الإنسان الفلسطينية:
"تدين اللجنة بشدة تدهور أوضاع ذوي الإعاقة في قطاع غزة، وتدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حماية حقوقهم وتأمين احتياجاتهم الأساسية، خاصة في أوقات الحروب والحصار."

 

 

اشترك في القائمة البريدية