رام الله : نظم مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" بالتعاون مع إتحاد المقاولين الفلسطينيين وبدعم من برنامج سواسية المشترك لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) – دورة تدريبية متخصصة حول التحكيم في عقود المقاولات والإنشاءات، وذلك ضمن جهوده لتعزيز الوسائل البديلة لحل النزاعات في فلسطين، وبناء قدرات الفاعلين في هذا القطاع الحيوي.
استهدفت الدورة مجموعة من المحكمين والمحكمات العاملين والمهتمين بمجال المقاولات والإنشاءات، من مختلف محافظات الضفة الغربية، بما في ذلك المقاولون والمهندسون، وأصحاب الخبرة القانونية في عقود البناء. وامتدت الدورة لثلاثة أيام تدريبية مكثفة، تضمنت مزيجاً من الجلسات النظرية والتطبيقات العملية، قدمها عدد من المدربين من الخبراء المختصين في التحكيم الهندسي، وقانون العقود، وقواعد وإجراءات التحكيم الوطني والدولي.
وتناولت الدورة محاور متعددة، من أبرزها: الإطار القانوني للتحكيم في فلسطين، خصوصاً قانون التحكيم رقم (3) لسنة 2000؛ المبادئ العامة للعقود الهندسية وعقود المقاولات؛ آليات صياغة شرط التحكيم في العقود؛ مراحل وإجراءات التحكيم؛ دور المحكم في تسوية النزاعات؛ وأخلاقيات مهنة التحكيم. كما تم استعراض نماذج عملية لقضايا تحكيمية واقعية ذات صلة بقطاع البناء والإنشاءات، بما مكّن المشاركين من اكتساب مهارات تحليل النزاعات وصياغة قرارات التحكيم.
وتأتي هذه الدورة ضمن رؤية مركز "شمس" الهادفة إلى تعزيز بيئة النزاهة والشفافية والعدالة في آليات تسوية النزاعات خارج نطاق القضاء الرسمي، ورفع الوعي القانوني والمهني في أوساط المقاولين والمهندسين والمشتغلين في القطاع الخاص، وبالأخص النساء، لدعم حضورهن في مجالات التحكيم الهندسي. كما تعكس هذه المبادرة اهتمام المركز بترسيخ ثقافة التحكيم كخيار فعّال، سريع، وذي تكلفة أقل مقارنة بالتقاضي التقليدي، لا سيما في القطاعات الحيوية المرتبطة بالتنمية المستدامة.
كما هدف التدريب إلى بناء قدرات المحكمين وتطوير مهاراتهم القانونية والمهنية من خلال التركيز على الإجراءات العملية للتحكيم منذ لحظة تقديم الطلب وحتى إصدار الحكم وتنفيذه، مرورًا بتشكيل هيئة التحكيم، وإدارة الجلسات، والتعامل مع الأدلة والخبرات الفنية، وأيضاً التركيز على النزاعات الناشئة عن عقود الفيديك، بما تتضمنه من ترتيبات دقيقة لتسوية الخلافات وآليات تحكيم دولية تنسجم مع الممارسات العالمية. حيث إن قطاع المقاولات والإنشاءات، بما يحمله من تعقيدات فنية وتعاقدية، وبحجم المشاريع الضخمة الذي يتضمنها، فهو من أكثر القطاعات حاجة للتحكيم، ولذلك، فإن وجود محكمين مؤهلين وواعين لطبيعة هذا القطاع هو ضمانة أساسية لتحقيق العدالة التعاقدية، وضمان استقرار العلاقة بين أطراف المشروع
من جانبها أكدت المديرة التنفيذية لمركز "شمس" أمل الفقيه على أهمية التدريب وأهمية تعزيز الوسائل البديلة لحل النزاعات من أجل من عبء المحاكم، والإسهام في تعزيز السلم الأهلي، وحماية التماسك الاجتماعي. والذي هو جزء من رسالة مركز "شمس" الأوسع في تعزيز حقوق الإنسان، وتوسيع آفاق الوصول إلى العدالة لجميع المواطنين، لا سيما الفئات المهمشة، وجزء من عمله الدؤوب في نشر المعرفة والوعي المجتمعي حول طبيعة وأهمية الوسائل البديلة لحل النزاعات، من خلال إنتاج برامج إذاعية، وتنظيم جلسات توعية، ولقاءات حوارية تستهدف شرائح متنوعة من المجتمع من أجل خلق بيئة مجتمعية تؤمن بهذه الوسائل وتُقبل عليها كأدوات عادلة وفعالة لحل الخلافات.
وشكرت بدورها برنامج سواسية 3 المشترك على دعمهم المتواصل، ودورهم المحوري في تعزيز الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، وحرصهم على تمكين مؤسسات المجتمع المدني من أداء دورها في هذا المجال الحيوي، وشكرت إتحاد المقاولين الفلسطينيين، على تعاونهم الكريم، وانفتاحهم الدائم على كل ما من شأنه تطوير بيئة التحكيم في عقود المقاولات والإنشاءات، ودورهم في إنجاح هذا التدريب من خلال ترشيح نخبة من المحكمين الميدانيين ذوي الكفاءة والخبرة.
من جانبه قال المحامي سيمون ريدلي مدير برنامج سواسية 3 المشترك ، أن البرنامج هدفه الرئيس الدعوة إلى سيادة القانون كما أنه يركز على الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى العدالة ، مشدداً على أهمية التوعية من أجل تعزيز الوصول إلى العدالة من خلال التحكيم والوساطة، وأن الأهمية تكبر خاصة في التعاقدات التجارية والتعاقدات التي تتعلق بالعائلة وخاصة فيما يخص الأطفال والمرأة. شاكراً مركز "شمس" على جهوده وفعاليته على هذا الصعيد ، وذلك في سياق التوعية ونشر ثقافة اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات، وأهمية التدريب لنقل المعرفة ومساعدة الناس في الوصول إلى العدالة.
بدوره قال رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين الدكتور أحمد القاضي أن أهمية التدريب تكمن في ظل الحاجة الوطنية إلى تطوير أدوات بديلة لحل النزاعات، خاصة مع تعقيد الإجراءات القضائية التقليدية وتزايد النزاعات ذات الطابع التجاري والاستثمار، مسلطاً الضوء على الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، وما يتعرض له أكثر من مليوني إنسان من حصار وتجويع وقصف ممنهج، وإبادة جماعية على أن الحديث عن العدالة في مثل هذا السياق ليس ترفاً، بل ضرورة أخلاقية ووطنية، وأن ما يجري في هذه الورشة من بناء وعي قانوني هو جزء من المعركة ذاتها وبناء مؤسسات وطنية عادلة، قادرة على حماية الإنسان وكرامته، وقادرة على مساءلة الظلم، أياً كان شكله.
ومؤكداً أن التحكيم لم يعد خياراً هامشياً أو وسيلة تكميلية لحل النزاعات، بل أصبح ركناً أصيلاً من أركان منظومة العدالة الحديثة، لما يوفره من سرعة وفعالية ومرونة، وقدرة على تقديم حلول عادلة في إطار قانوني متخصص ومحايد، وأن مثل هذا التدريب هو انطلاقة لتأسيس لمسار أعمق، هدفه بناء ثقافة تحكيمية فلسطينية تستند إلى المعايير الدولية، دون أن تغفل عن خصوصية سياقنا الوطني، بما يحمله من تحديات قانونية وسياسية واقتصادية، تتطلب أدوات أكثر كفاءة واستقلالية لحل النزاعات، خاصة في ظل بطء إجراءات التقاضي العادي، واتساع رقعة النزاعات ذات الطابع التجاري أو الاستثماري.
في ختام الدورة التدريبية أوصى المشاركون ، بضرورة تطوير معايير موحدة لإجراءات التحكيم. كما شددوا على أهمية إدماج مناهج التحكيم ضمن البرامج التعليمية في الجامعات والمعاهد التقنية، خاصة في كليات القانون والهندسة والاقتصاد، لضمان تأهيل جيل مهني قادر على التعامل مع قضايا التحكيم بفاعلية وكفاءة، وربط الجانب النظري بالممارسة العملية.
وفي السياق ذاته، دعا المشاركون إلى إطلاق حملات وطنية شاملة للتوعية بأهمية التحكيم، تستهدف مختلف فئات المجتمع، من مطورين عقاريين ومقاولين إلى مؤسسات حكومية وأفراد، وذلك لتصحيح المفاهيم المغلوطة وإبراز مزاياه المتعلقة بالسرعة والسرية والكفاءة. وأكدوا على أهمية تشجيع البلديات والمؤسسات الرسمية على تضمين شرط التحكيم في العقود العامة، لما لذلك من دور في الحد من التكدس القضائي، وتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة المشاريع.
كما طالب المشاركون بإعداد دليل وطني مبسط يوضح الإجراءات القانونية والإدارية والفنية في عقود المقاولات. كما شددوا على ضرورة تعزيز التعاون مع الهيئات الإقليمية والدولية، والانضمام إلى شبكات التحكيم الدولية، والمشاركة في المؤتمرات القانونية لتكريس حضور فلسطيني فاعل. كما وأكد المشاركون على أهمية مأسسة العلاقة بين القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، من خلال شراكات مستدامة تعزز بيئة تحكيمية عادلة، وتسهم في تحسين مناخ الاستثمار والحوكمة في فلسطين.