يحتفي العالم في الثاني عشر من آب/أغسطس باليوم العالمي للشباب، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1999 ليكون منصة لتمكين أصوات الشباب وتسليط الضوء على حقوقهم وتطلعاتهم نحو السلام والتنمية المستدامة. لكن في قطاع غزة، يكتسب هذا اليوم معنى أخر، حيث يعيش الشباب الفلسطيني تحت واقع الإبادة الجماعية والحصار والجوع والقصف والضغط النفسي المستمر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، مما أفقدهم حقهم في التعليم والعمل، ويقيد قدرتهم على الحلم بمستقبل آمن ومستقر.
في ظل استمرار النزوح القسري الذي أجبر مئات الآلاف من الشباب وأسرهم على ترك بيوتهم، يواجه هؤلاء الشباب تحديات جسيمة في تأمين المأوى لأفراد أسرهم وتأمين الماء والغذاء لتحقيق الأمن الغذائي، حيث تتفاقم أزمة المجاعة وسوء التغذية بشكل مأساوي في ظل استمرار الحصار وشح المساعدات، وقد ترافق ذلك مع انتشار الأمراض مع انعدام للخدمات الصحية الكافية مما فاقم من معاناتهم. كما يعاني العديد من الشباب من بتر بالأطراف أو إعاقات دائمة جراء تعرضهم للإصابة نتيجة القصف أو الرصاص الحي، بالإضافة إلى تعرضهم لأزمات نفسية حادة نتيجة فقدان الشهداء وانعدام سبل العيش الكريم وزيادة التحديات الملقاة على عاتقهم، مما أثر بشكل كبير على صحتهم النفسية وحجم من قدرتهم على التحمل والمساهمة في بناء مجتمعهم.
منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، يتعرض قطاع غزة لحرب همجية غير مسبوقة، ووفقا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية، تجاوز عدد الشهداء 60,000، شكل الشباب (15-29 عاماً) منهم نحو 24%، أي قرابة 14,000 شاب وشابة من الشهداء، فيما أصيب عشرات الآلاف من المدنيين، بينهم ما يقارب 6,500 حالة بتر في الأطراف، حيث إن نسب الإصابة مرتفعة جدا كانت بين الفئة العمرية الشابة (20-39 عاماً) والتي تمثل عماد القوة الاقتصادية والتمكين الاجتماعي. كما وصلت معدلات البطالة بين الشباب إلى حدود غير مسبوقة حيث أصبح 79.7% من الشباب عاطلين عن العمل وفاقدي العمل، وتفاقمت المأساة مع تفشي المجاعة والأمراض وسوء التغذية، كما سقط مئات الشهداء أثناء محاولاتهم الحصول على المساعدات الإغاثية.
ورغم هذه الكارثة الكبيرة، ما يزال يثبت الشباب الغزي أنهم ليسوا ضحايا وأرقام فقط، بل هم محركات وصنّاع التغيير، يبادرون من قلب الألم إلى تأسيس مساحات تعليمية في المخيمات، وتنظيم أنشطة مجتمعية لمختلف الفئات، واستخدام وسائط الإعلام الرقمي لإيصال صوتهم وأصوات الفلسطينيين إلى العالم، مطالبين بحقوقهم بكرامة العيش وحرية الوطن ومستقبل واعد يستحق الحياة.
ومن هذا المنطلق، يوجّه قطاع الشباب في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية المطالب التالية:
- على المجتمع الدولي والوكالات الأممية والمنظمات الدولية تحمّل مسؤولياتهم والضغط الفوري على سلطات الاحتلال لوقف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
- دعوة المؤسسات الفلسطينية الرسمية والمنظمات الأهلية وصنّاع القرار لإشراك الشباب في صياغة السياسات العامة بما يعكس تطلعاتهم وأحلامهم.
- العمل على ضمان مشاركة الشباب، بمن فيهم المصابون وذوو الإعاقة والعاطلون عن العمل، في خطط إعادة الإعمار الوطنية.
- إطلاق برامج إنعاش اقتصادي وصناديق دعم للشباب، تشمل التدريب المهني وفرص العمل المدعومة.
- إشراك الشباب في اتخاذ القرارات الإنسانية عبر لجان مستقلة بإشراف المجتمع المدني والمنظمات الأهلية.
- توفير منصات ولجان شبابية للعمل الطوعي والمبادرات المجتمعية.
- تطوير برامج الصحة النفسية والتمكين الاجتماعي والاقتصادي الموجهة للشباب.
- تشكيل تحالف وطني لتفعيل قرار مجلس الأمن 2250، يضمن تمثيل الشباب بنسبة لا تقل عن 30% في مختلف المستويات.
- إنشاء أمانة وطنية للتنسيق بين الشباب والحكومة والمجتمع المدني لتحديد الأولويات وتنفيذ نموذج تمكين شبابي فعّال.
ختاماً، يؤكد قطاع الشباب في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أن جرح الشباب في قطاع غزة هو جرح الإنسانية جمعاء، وأن استعادة الكرامة الإنسانية تتطلب تحركاً دولياً عاجلاً لوقف الإبادة، ودعماً حقيقياً لحقوق وتمكين الشباب الفلسطيني في مختلف المجالات، استناداً إلى قدراتهم ومهاراتهم وطاقاتهم، ليكونوا شركاء فاعلين في بناء مستقبل مشرق في المجتمع الفلسطيني.