المركز الفلسطيني والإغاثة الطبية يعقدان مؤتمراً بعنوان: “الحق في الصحة في قطاع غزة.. بين الواقع والمأمول”

 

نظمت جمعية الإغاثة الطبية بالشراكة مع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مؤتمراً بعنوان:” الحق في الصحة في قطاع غزة- ما بين الواقع والمأمول”.  وقد هدف المؤتمر إلى تعزيز الحق في الصحة والوصول للخدمات الطبية في قطاع غزة، وجاء بمشاركة مجموعة من المختصين، يمثلون القطاع الصحي الحكومي والأهلي، المنظمات الدولية، مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها منظمات حقوق الإنسان، المرضى وذويهم وممثلي وسائل الإعلام.  ويأتي المؤتمر ضمن مشروع حقوق الإنسان وآليات تطوير الحق في الصحة، الممول من الاتحاد الأوروبي. 

افتتح الدكتور رياض الزعنون، رئيس مجلس إدارة المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أعمال المؤتمر، مشيراً إلى أنه يأتي تتويجاً لجهود كل من المركز  الفلسطيني لحقوق الانسان والإغاثة الطبية ومساهمتهما تعزيز واحترام الحق في الصحة في قطاع غزة.  وأضاف د. الزعنون أن هذا المؤتمر يقدم صورة متكاملة عن الأوضاع الصحية في القطاع المحاصر منذ 16 عاماً، ويستعرض كافة التحديات التي تواجه عمل المرافق الصحية أمام تقديم خدماتها بشكل أفضل للمواطنين في قطاع غزة.

وفي كلمته الافتتاحية، أكد الدكتور عائد ياغي، مدير جمعية الإغاثة الطبية في محافظات غزة، على أهمية انعقاد المؤتمر، مشدداً على ضرورة تهيئة جميع الظروف لتمكين المواطنين في قطاع غزة من حقهم في الصحة.  وأضاف د. ياغي أن القانون الدولي يُلزم الاحتلال الإسرائيلي بحماية صحة الفلسطينيين وضمان توفير الخدمات الصحية دون تمييز.  ودعا د. ياغي في ختام كلمته المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية لضرورة التحرك والوقوف أمام مسؤولياتها الأخلاقية، والعمل على توفير الحماية للشعب الفلسطيني الأعزل، كذلك تقديم الحماية للطواقم الطبية العاملة في الميدان.

وقدمت السيدة ماريا فيلاسكو، نائب ممثل الاتحاد الأوروبي، في كلمتها استعراضاً للأوضاع الصحية المتدهورة في قطاع غزة، مؤكدةً أن الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل على تعزيز وحماية الحق في الصحة من خلال شركائه في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وجمعية الإغاثة الطبية.   وقالت فيلاسكو أن الاتحاد الأوروبي يؤمن بأن الخدمات الصحية حق من حقوق الإنسان، ويقوم بتقديم المساعدات لمستشفيات القدس ومن جهتها تقدم الخدمات للمرضى القادمين في قطاع غزة.   وأشارت أن الاتحاد الأوربي يتابع بقلق معاناة المرضى الناتجة عن نقص الأدوية والأجهزة الطبية، والقيود الإسرائيلية على سفرهم للعلاج خارج قطاع غزة، والتي أسفرت عن وفاه 9 مرضى، من ضمنهم 3 أطفال.

وقائع الجلسة الأولى

تناولت الجلسة الأولى “الأوضاع الصحية في قطاع غزة”، أدار أعمالها د. رأفت المجدلاوي، مدير جمعية العودة الصحية والمجتمعية.

قدم د. يحي عابد، أستاذ الصحة العامة في جامعة القدس، عرضاً شاملاً عن الوضع الصحي في قطاع غزة، تضمن كافة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي تدلل على تدهور كافة الخدمات التي تساهم في تعزيز الحق في الصحة في قطاع غزة، حيث شمل العرض الأزمات التي عصفت بالقطاع الصحي، والتي كان أبرزها: الأعمال العدوانية الإسرائيلية، وأزمة الطاقة، وجائحة كورونا، واستمرار العجز في الكوادر الطبية المتخصص، وحالة النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، كذلك الأجهزة الطبية الأساسية والمتخصصة.  وأكد د. عابد أن المنظومة الصحية تعاني من الافتقار للموارد المالية والبشرية، وضعفاً في تطبيق القوانين والأنظمة على رأسها قانون الصحة العامة الفلسطيني.  وأوصى د. عابد بضرورة اعتماد هيئة مستقلة لجودة الخدمات الصحية، من مهامها الرصد والتقييم للخدمات الطبية، والوصول إلى نظام رعاية أولية وثانوية فعال صحياً، يلبي الحقوق الصحية للمواطنين، وتديره طواقم مؤهلة وفق معايير جودة الصحة.  

وتخلل الجلسة الأولى، عرض فيديو قصير يسلط الضوء على معاناة مرضى التليف الكيسي أعده المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وقدم الفيديو صورة متكاملة لمعاناة هؤلاء المرضى مع نقص الكادر الطبي المتخصص في تشخيص المرض منذ الولادة، وصولاً إلى التحديات التي يواجهها المرضى التي كان أبرزها النقص المزمن في الأدوية. ووفق الفيديو توفي 12 مريضا ً من مرضى التليف الكيسي خلال العام 2022، ما يعكس أهمية الاهتمام بهؤلاء المرضى والعمل على حماية حقهم في توفير العلاج المناسب، والحصول على الرعاية الدائمة.

وقدمت د. سجا فتيحة من جمعية الإغاثة الطبية، مداخلة في أهمية معالجة المحددات الاجتماعية للصحة في قطاع غزة، واستعرضت فيها إحصائيات تنامي ظاهرة الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وضعف الاهتمام بالسلامة المهنية، وتأثير الانقسام السياسي على قطاعات الصحة والتعليم، بالإضافة إلى الممارسات الإسرائيلية خلال الأعمال العدوانية على قطاع غزة وأثرها على حقوق المواطنين في السكن.   ودعت فتيحة صانعي القرار والسياسات وأصحاب المصلحة على اتخاذ المزيد من الإجراءات لتحسين مجالات الصحة والتعليم، والسكن، والسياسات الاجتماعية، والسياسية.

 واستعرض الدكتور حسن زيادة من برنامج غزة للصحة النفسية، ورقة بعنوان “الحق في الصحة النفسية في قطاع غزة “، متحدثاً عن تأثير الحصار الإسرائيلي، وانتشار الفقر وارتفاع معدل البطالة في غزة على زيادة الضغط النفسي عند السكان.  وقال زيادة أن هذه العوامل أدت إلى استمرار الضغط النفسي وتدهور في جودة الحياة للمواطنين في قطاع غزة، مشيراً إلى أن جودة الحياة في قطاع غزة بعيدةً عن المعايير المقبولة دوليًا.  وأوضح زيادة أن الضغوطات والإضرابات النفسية تأخذ شكل معاناة وألم جسدي أحيانًا، يترجم ذلك بالإحباطات الحياتية المستمرة التي تؤدي إلى حالات اكتئاب صعبة وحتى الانتحار.  وأضاف زيادة أن المجتمع في غزة يعاني حالة صدمة وإرهاقٍ متواصلة، سببها الإغلاق والتقييدات التي تفرضها إسرائيل على الحركة من وإلى غزة، ويتأثر بها الجميع دون استثناء، مؤكداً أن الشعور السائد بين سكان قطاع غزة هو العجز وانعدام الأمل، وهذا الوضع لم يأتِ من عدم، بل هو نتاج عملية مخططة تهدف إلى أضعاف حصانة الفرد والمجتمع في غزة.

وقائع الجلسة الثانية

تناولت الجلسة الثانية ” معيقات الوصول إلى الخدمات الصحية في الأرض الفلسطينية المحتلة”، وأدارت أعمالها الأستاذة ابتسام زقوت، مديرة وحدة البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

وتطرق الدكتور محمد لافي، مدير المناصرة في منظمة الصحة العالمية، في كلمته إلى معيقات الوصول للخدمات الصحية في الأرض الفلسطينية المحتلة، مشيراً إلى أن قرابة 800 مريضاً توفوا منذ العام 2008 نتيجة عرقلة سلطات الاحتلال سفرهم وتقيد حركتهم إلى أماكن العلاج  خارج قطاع غزة.  وقدم د.لافي استعراضاً لسلسة الإجراءات التي يمر بها مرضى القطاع خلال رحلة تلقيهم للعلاج، وأبرز المعيقات التي تواجههم، كما ذكر عدة أمثلة لتجارب مؤلمة لأطفال حرموا من العلاج بسبب الإجراءات الروتينية لآليات تحويل المرضى والقيود الإسرائيلية المفروضة على سفرهم.

كما وقدم د. بسام زقوت من الإغاثة الطبية الفلسطينية، ورقة حول حقوق الفئات المهمشة من ذوي احتياجات الرعاية الصحية الخاصة في الأزمات طويلة الأمد، في إطار مراجعة إطار الحق في الصحة.  وأكد د. زقوت أن المنظومة الطبية في قطاع غزة خاضعة للحاجة ولا تلبي الحقوق الصحية الأساسية للفئات الهشة كالأشخاص ذوي الإعاقة، وأصحاب المرض المزمن والأمراض الوراثية كالتلاسيميا والهيموفيليا.   ودعا د. زقوت إلى اشتمال التأمين الصحي لجميع الخدمات الصحية المقدمة لهذه الفئات كونها تعاني من المرض وهي نفسها غالباً من تعاني من الفقر، ويؤدي نقص الأدوية والمستلزمات الطبية إلى خطر كبير على حياتهم.

وتخلل الجلسة الثانية، عرض فيديو قصير حول معاناة مرضى قطاع غزة من القيود الإسرائيلية على حركتهم لأماكن العلاج خارج قطاع غزة، وأظهر الفيديو تجربة مريضة من معيقات السفر لتلقي العلاج في مستشفيات الضفة الغربية بما فيها مستشفيات القدس المحتلة.

واستعرض  الأستاذ أيمن لبد، الباحث في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تقريراً أعده المركز سلط فيه الضوء على معاناة المرضى نتيجة القيود الإسرائيلية على سفرهم، حيث استعرض لبد  جهود المركز في رصد المعيقات التي يضعها الاحتلال أمام سفر المرضى، مؤكداً  أن دولة الاحتلال تتحمل بموجب القانون الدولي عدة مسئوليات تجاه سكان قطاع غزة، ومن ضمنها السماح للمرضى بالسفر لتلقي العلاج خارج قطاع غزة.  وأضاف لبد أن السلطات الإسرائيلية عرقلت سفر 6796 من مرضى القطاع المحولين للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية والقدس المحتلة أو إسرائيل خلال العام 2022، وذلك من أصل 20364 طلب تصريح للعلاج أي ما نسبته 33.3% من إجمالي الطلبات المقدمة.

من جهته قدم الدكتور رأفت حمدونة المختص في شؤون الأسرى ورقة بعنوان ” سياسة الاستهتار والإهمال الطبي بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية “.  واستعرض د. حمدونة الانتهاكات الصحية بحق الأسرى الفلسطينيين، مؤكداً أنه لا يتوفر في السجون الإسرائيلية الحد الأدنى من الخدمات الصحية، فيما ترفض وتماطل إسرائيل بإدخال أطباء فلسطينيين لمتابعة أوضاع الأسرى الصحية.  وأضاف د. حمدونة أن الأطباء في السجون هم عسكريون يخدمون مصلحة الاحتلال في انتزاع الاعترافات بالقوة من الأسرى، كما يمارسون أقسى أنواع الانتهاكات بحرمان الأسرى من أدويتهم والفحوصات الدورية، والمماطلة في علاجهم حتى تتفاقم حالتهم الصحية.  وذكر د. حمدونة أن سلطات الاحتلال تجاهلت كل الدعوات والمناشدات لإنقاذ حياة الأسرى المرضى والتي كان آخرهم الأسير ناصر حميد.

وفي اختتام أعمال المؤتمر فُتح نقاش موسع، وقدم المتحدثون والحضور عدد من التوصيات أهمها:

  • دعوة المجتمع الدولي إلى الضغط على السلطات الإسرائيلية وإجبارها على التوقف في استخدام سياسة العقوبات الجماعية التي تفرضها على سكان قطاع غزة، ومن بينها السماح بتوريد كافة الاحتياجات الطبية وإزالة القيود على سفر المرضى للعلاج خارج قطاع غزة.
  • دعوة إدارتي وزارة الصحة في رام الله وغزة بضرورة التنسيق بينهما من أجل توفير جميع الأصناف الدوائية والمستلزمات الطبية الأساسية، والعمل على مضاعفة الجهود وزيادة النفقات المالية المخصصة للقطاع الصحي، بغرض شراء الأدوية وكافة المعدات والأجهزة الطبية اللازمة لتوطين الخدمات الصحية في مستشفيات قطاع غزة.
  • دعوة السلطة الفلسطينية إلى تطوير منظومة صحية وطنية متناسقة تلبي الرغبات الصحية لكافة الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية على نحو سواء، وتوطين الخدمات الصحية، وزيادة النفقات التشغيلية، إضافةً إلى العمل على اعتماد سياسية دوائية تضمن توافر العلاج لجميع المواطنين، وتوفير كافة المعدات الطبية في المرافق الصحية الحكومية.
  • إلزام سلطات الاحتلال بالعمل وفق الاتفاقيات والمواثيق الدولية وخاصة في قضية الرعاية الطبية للأسرى وتقدم العلاجات اللازمة لهم.

 

 

اشترك في القائمة البريدية