العمل الزراعي: الإغلاق يكبّد صغار المزارعين خسائر فادحة

على الرغم من حقيقة أن المنتجات الزراعية تندرج في نطاق السلع الأساسية المعفاة من قيود الحركة في ظل الإجراءات المتبعة للحد من انتشار الجائحة، إلا أن الأسواق المركزية في رام الله وقلقيلية ونابلس وطولكرم تأثرت بشكل كبير بالإغلاق الكلي والجزئي، وقد تجلى هذا التأثير في شكل حجم الطلب والعرض على السلع الزراعية وذلك نتيجة الإغلاق في المحافظات الشمالية الذي أثر سلبًا على استهلاك المنتجات الزراعية نتيجة إغلاق كافة محلات التجزئة وعدم السماح لتجار التجزئة بالوصول إلى الأسواق المركزية (الحِسب)، ناهيك عن التشديد في الإغلاق على المواطنين أو المستهلكين.

ويظهر ذلك جليًا في محافظة نابلس، بالأخص منطقة فروش بيت دجن والنصارية ومناطق الأغوار الوسطى، التي يزرع فيها 700 دونم من الدفيئات الزراعية 90% منها مزروعة بمحصول البندورة و10% مزروعة بمحصول الخيار ومحاصيل أخرى، حيث يعتمد المزارعون في تسويق منتجاتهم الزراعية في تلك المناطق على تسويقها من خلال التجار إلى الأسواق المركزية، ف 80 % منها يُسوّق في الحسب المركزية في نابلس وبيتا و20% منها يسوق خارج المحافظة أو مع تجار التجزئة، وقد انخفضت القدرة الاستيعابية لحسبة نابلس المركزية، من 80% للمنتجات المحلية و20% من الفاكهة المستوردة، إلى 20% من الإنتاج المحلي و5% من المستوردة.

أما في محافظة طولكرم والتي تعتبر من المحافظات المنتجة للخضروات بشكل كبير حيث تنتج تقريبًا 1000 طن من محصول البندورة، وأكثر من 2000 طن من الخيار، وما يقارب 200 طن من الفلفل الحلو والحار و10 طن من الفاصولياء ....الخ ، فخلال الشهر الحالي وفي ظل إغلاق الحسبة المركزية التي تستوعب في الوضع الطبيعي 50% من المنتجات الزراعية في المحافظة 30% منها يتم تسويقها إلى داخل الخط الأخضر و20 % في الحسب الأخرى، فقد تسببت الاجراءات الحالية كالإغلاق الكلي أو الجزئي، إلى ترك المزارعين لمحاصيلهم في الأرض دون قطاف أو بأحسن الأحوال تسويق جزء من المحصول بنسب قليلة بشكل محلي.

والحال ذاته ينطبق على المزارعين في محافظة قلقيلية الذين يعانون من إغلاق الأسواق المحلية نتيجة الإغلاق الشامل الذي فرض على البلاد، حيث تنتج المحافظة 2400 طن من الليمون والذي من المفترض أن يتم تصديره إلى الأردن الشقيق، ولكن نتيجة لإغلاق المعابر وإغلاق الحسبة المركزية في المحافظة وعدم السماح لفلسطيني الداخل من الوصول إلى المحافظة جعل مصير 280 دونم من البندورة، 100 دونم من الخيار، و120 دونم من الفاصولياء والخيار والكوسا أن تبقى في أرضها دون حصاد أو بيعت بأسعار متدنية لا تغطي تكاليف الإنتاج.
وفي محافظة رام الله والتي تعتبر من المحافظات المستهلكة للمنتجات الزراعية في الضفة الغربية القادمة من الحسب المركزية في المحافظات الشمالية، فقد أغلقت أبواب المحافظة الآن أمام كافة المنتجات الزراعية نتيجة استمرار الإغلاق المشدد.

مع أهمية الاجراءات التي تقوم بها الحكومة الفلسطينية للحد من انتشار فيروس كورونا إلا أنها أظهرت نتائج سلبية ومعيقات واضحة يتحملها صغار المزارعين الفلسطينيين، الذين يعتمدون بشكل كامل على سلسلة الإنتاج التقليدية المتمثلة في النقل والحسب المركزية بشكل كبير. والوضع المالي الحالي للحكومة الفلسطينية أظهر عجزها وعدم قدرتها على تغطية هذه الخسائر التي يتكبدها صغار المزارعين والمنتجين، حيث لجأ صغار المزارعين في كافة المحافظات إلى تأخير فترة حصاد منتجاتهم كبديل عن تكبد الخسائر من تكاليف حصاد وتعبئة وتغليف، وأجور نقل للحسبة المركزية وآخر المطاف بيعها بأسعار متدنية جدًا لا تغطي تكاليف ما بعد الحصاد.

لقد انخفضت الأسعار بنسبة 70%، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان يباع صندوق الكوسا (15 كغم) بـخمسين شيكل والآن وفي ظل الظروف الحالية يصل إلى 15 - 20 شيكل في الأسواق المركزية وذلك نظرًا لقلة الطلب من قبل تجار التجزئة على شراء كميات بسبب الاغلاقات وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين.

إن بقاء المحاصيل الزراعية في أرضها دون قطاف له أثر كبير لا تحمد عقباه لحساسية المنتجات الزراعية، ولعدم توفر البنية التحتية لمعاملات ما بعد الحصاد، الذي يؤدي إلى زيادة التكاليف الإنتاجية وبالتالي تقليل الأرباح وزيادة الخسائر والتسبب بانخفاض جودة المحاصيل وتكبد أثمان المياه ومدخلات الإنتاج الزراعية الأخرى.

ومن هنا فإن اتحاد لجان العمل الزراعي وحركة طريق الفلاحين - فلسطين يطالبان أصحاب القرار إلى وضع اجراءات تأخذ بعين الاعتبار أهمية القطاع الزراعي في صمود واستدامة سبل عيش صغار المزارعين الفلسطينيين. كذلك أن يتم تخصيص موازنة من الحكومة الفلسطينية لدعم صغار المزارعين المتضررين بسبب الإغلاقات واستمرار الجائحة، وأن تتم إعادة النظر بالإغلاقات والجدوى منها في ظل استمرار تزايد عدد الإصابات وعدم توفر اللقاح لتطعيم مواطنينا وعلى رأسهم الطواقم الطبية وكبار السن ومزارعينا وفلاحينا. حيث يظهر جلياً أن الإجراءات التي تم اتخاذاها على مدار عام وإجراءات الإغلاق الشامل للبلاد مؤخراً، أدى إلى تدهور واضح في القطاع الاقتصادي الفلسطيني بشكل عام، والقطاع الزراعي بشكل خاص، وهو القطاع الذي يساهم بنسبة 4.6% من إجمالي الناتج المحلي، ويساهم بنسبة 15% من إجمالي صادرات فلسطين إلى دول الخارج، بالإضافة إلى مُساهمة الزراعة في تشغيل الأيدي العاملة الفلسطينيّة؛ إذ تصل نسبة العمالة الزراعيّة حوالي 13.4%، وبالتالي فإنَّ الزراعة تُمثل مصدراً أساسياً من مصادر الدخل الفلسطينيّ، كما تمثل طريقاً أساسياً نحو سيادتنا على مواردنا الطبيعية وبالتالي سيداتنا الغذائية. أضف إلى ذلك قدرة الزراعة على تحقيق نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي، وكذلك تطوير القطاعات الأخرى، ولا تقف أهمية الزراعة على المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وإنَّما تتعداها إلى حماية الأرض من المصادرة والتوسع الاستيطاني.

 

اشترك في القائمة البريدية