ورقة موقف حول حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي والعمل الصحافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة


تشكل حرية الرأي والتعبير وجملة الحقوق المرتبطة بها حقاً من حقوق الإنسان الأساسية، كونها من الحقوق التمكينية التي يرتبط باحترامها وإعمالها حماية طيف واسع من حقوق الإنسان الأخرى، بل هي السبيل الوحيد لمكافحة الفساد بأشكاله المختلفة، وهي الأداة التي يمكن من خلالها تصويب الأداء العام، وإتاحة الفرصة للجمهور للوصول إلى المعلومات المرتبطة بأوجه حياتهم كافة.


ويجد مبدأ تكاملية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة تجسيده الخلَّاق في العلاقة الوطيدة بين الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية الوصول إلى المعلومات ونشرها وإشاعتها وبين جملة حقوق الإنسان الأخرى، كالحق في الحياة والحق في التعليم والسكن وعدم التعرض للاعتقال التعسفي أو للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية والمهينة ...الخ.


وتعاظمت أهمية حرية الرأي والتعبير وحرية الوصول إلى المعلومات ونشرها وإشاعتها منذ العقد الأخير في القرن العشرين وإلى يوم الناس هذا، مدفوعة بحجم التطورات الهائلة التي شهدتها البشرية فيما يتعلق بشيوع الهواتف الذكية وانتشار خدمات الانترنت لتصبح في متناول الجميع، ناهيكم عن الازدياد المهول في عدد قنوات البث الفضائي التلفزيونية والتي تغطي أرجاء المعمورة. وأصبح من الصعب على الدول عزل نفسها، وأصبح من السهولة بمكان أن نشاهد ما يجري في أي مكان في العالم يبعد عنا عشرات آلاف الأميال لحظة حدوثه.


كما أسهمت الأجهزة الذكية من هواتف وغيرها في خلق ما يطلق عليه اليوم الإعلام الاجتماعي، الذي يخرج عن رقابة وسيطرة الدول، ويتيح إمكانيات تفوق في تأثيرها وانتشارها تلك التي تتوفر لوسائل الإعلام التقليدية، بحيث أتاحت لكل إنسان منبره الخاص والحر الذي يستطيع من خلاله نشر المعلومات والتعبير عن أرائه بحرية تجاه الأحداث والتطورات.


وعليه فقد شكلت حرية الرأي والتعبير الأساس المتين ليصبح الإعلام سلطة رابعة، تراقب عمل وأداء بقية السلطات الثلاث، وتكشف عن مواطن الخلل والقصور، أو الانحرافات في الأداء سواء تعلق بالفساد أو الاستبداد.


وربما يكتسب الحق في حرية الرأي والتعبير أهمية استثنائية بالنسبة للشعب الفلسطيني، الذي يخوض معركة الحرية والاستقلال ومعركة الكرامة الوطنية، حيث تشكل منطلقاً لفضح ممارسات الاحتلال التي تمثل انتهاكات جسيمة ومنظمة لقواعد القانون الدولي أو ما يعرف بجرائم الحرب. وشكلت وسائل التواصل الاجتماعي أحد الأدوات الفاعلة التي يستخدمها الفلسطينيون وأنصارهم في فضح هذه الممارسات وتوعية الشعوب حول العالم بحقيقة ما يجري في هذه المنطقة من العالم في ظل عدم اهتمام وسائل الإعلام الغربية في نشر معلومات موضوعية حول حقيقة ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.


كما تمتد الأهمية للوضع الداخلي واستمرار الانقسام الذي تحول إلى صراع بين الأطراف المتنافسة على السلطة في فلسطين، وأصبحت الحريات والحقوق تنتهك مدفوعة بهذا الصراع، بل الأمر تجاوز الانتهاكات المباشرة إلى خلق حالة من التخويف والترهيب، الأمر الذي يقلل من إحساس الفلسطيني بحريته وكرامته، ويحيله من إنسان ثائر يسعى لانتزاع حقوقه وكرامته المهدورة، إلى إنسان ضعيف يسهل تطويعه، ما يسهل مهمة الاحتلال في الحد من نضالات الفلسطينيين المشروعة في مواجهة سياساته العنصرية وجرائمه المتنوعة.


وعليه وبالنظر لأهمية حرية الرأي والتعبير في الحالة الفلسطينية، ولاسيما في ظل تغييب الانتخابات كأحد أهم أدوات الديمقراطية في تداول السلطة سلمياً وكونها السبيل الأهم لتفعيل المحاسبة الشعبية بل ولتبيان موقف الجمهور من أداء المتصارعين على السلطة داخلياً تصبح أهمية حرية الرأي والتعبير استثنائية في التعبير عن رضى الناس، وهو مصدر المشروعية السياسية الأساسي.


إن حماية الحق في حرية الرأي والتعبير وتكريسه، تتطلب أولاً اتخاذ تدابير تشريعية من شأنها توفير حماية قانونية تحد من قدرة الحكومات والسلطات المختلفة من قمع الآراء المعارضة، وفي الوقت نفسه تضع مجموعة من المعايير التي تحول دون تحول الحرية إلى نقيضها، ليتحول التعبير، بدلاً من كونه وسيلة للتصويب والتطوير والترقي، إلى وسيلة لبث البغضاء والكراهية والحض على العنف.


ويشير مركز الميزان أنه إلى جانب غيره من المؤسسات المتخصصة في مجال حقوق الإنسان، وتلك المتخصصة في مجال الصحافة بذلا جهداً كبيراً في توعية الصحافيين ولاسيما الخريجين والمزاولين الجدد والمدونين بمحددات القانون لأن الوعي بالقانون هو جدار الحماية الأول لهم، وهذا بالرغم من عدم احترام وتطبيق مبدأ سيادة القانون أو مبدأ الفصل بين السلطات.


وعليه وفي ظل التطورات التي تشهدها الساحة الفلسطينية بين الحين والآخر حيث تتزايد الانتهاكات الموجهة ضد حرية الرأي والتعبير بأشكاله المختلفة من قبل السلطات الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، في مخالفة للقانون الفلسطيني. كما شاعت الملاحقات للمواطنين على خلفية تعبيرهم على وسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك محاكمة صحفيين واستدعائهم والتحقيق معهم بل واعتقال العشرات على خلفية الرأي.


مركز الميزان لحقوق الإنسان ينشر هذه الورقة التي تعبر عن الحماية التي يضمنها القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون المحلي الفلسطيني للحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والعمل الصحافي على النحو الآتي:




أولاً/ حماية الحق في الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي وحرية الإعلام في القانون الدولي لحقوق الإنسان:


يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[1]، الوثيقة الأولى التي حمت الحق في حرية التعبير عن الرأي وحرية العمل الصحفي ووضعت دعائمه، كما أسست لما تلاها من اتفاقيات وإعلانات حقوق الإنسان المختلفة. وربما لم يورد الإعلان نصاً صريحاً يتحدث فيه عن العمل الصحفي وحريته أو عن حرية الصحافة، ولكنه أرسى القواعد التي بدونها لا يمكن الحديث عن صحافة حرة، أو عن حرية عمل الصحفيين. وتعتبر المادة رقم (19) من الإعلان من أهم المواد التي جمعت هذه القواعد، حيث يرد في نص المادة رقم (19) أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".


والمتأمل في نص هذه المادة يقف على حقيقة أنها لم تقتصر على حرية تعبير الأفراد عن رأيهم، بل على حقهم في اعتناق آراءهم دون مضايقة، وهذا يعطي ضمانات لحق كل إنسان في تبني الأفكار والآراء التي يعتقد بصحتها وصوابيتها، وهنا يظهر إطلاق الحرية للإنسان في تكوين رأيه وأفكاره بشكل مستقل عن السلطة وعن السائد في المجتمع.



كما تتجاوز هذه المادة الحق في التعبير عن الرأي وتكوين الأفكار، لتمتد إلى الحق في البحث عن المعلومات والأخبار (تلمسها) وكذلك الأفكار، وهي تؤسس للحق في الوصول إلى المعلومات، وهو حق يعد من القواعد التي تعتبر أساساً لحرية الصحافة والعمل الصحفي، لأن فرض قيود أو منع وصول الإنسان إلى المعلومات يسهم في تعقيد عمل الصحافة ويجعلنا نتحدث عن صحافة أخرى غير الصحافة الحرة التي تسهم في تطوير المجتمعات، بل ويذهب البعض إلى أن تقييد حق الوصول إلى المعلومات يحول الصحافة والصحفيين إن وجدوا إلى أبواق للنظام السياسي القائم، الذي يمنحهم ما شاء من معلومات ويحظر عليهم الوصول إلى غيرها. وتضيف المادة نفسها حقاً آخراً يعتبر جوهر حرية العمل الصحفي، إذ أنها تدعو للتساؤل عن قيمة المعلومات التي قد يصل إليها الصحفي، إن لم يكن بمقدوره أن ينقلها للآخرين. وتفتح المادة الباب واسعاً أمام أشكال النشر المختلفة والتي أصبح يعج بها العالم، فالنشر وفقاً لنص المادة "بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود" يعتبر نصاً جامعاً، فأية وسيلة متوفرة لنقل المعلومات ونشرها هي متاحة ويحق للإنسان أن يستخدمها في نقل أفكاره. ويُلاحظ أن وسائل النشر كانت محدودة زمن صدور الإعلان، ولكنه ضَمِنَ الحق في استخدام الوسائل التي لم تكن موجودة في حينه باستخدام هذا النص الجامع.



وجاء العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[2] ليؤكد في المادة (19) المبادئ الواردة في الإعلان العالمي نفسها. ويعتبر إصرار العهد على استخدام رقم المادة نفسه إشارة واضحة إلى أثر الإعلان ودوره كمؤسس. والمتفحص لنص المادة في العهد لا يجد فروقاً جوهرية من حيث الحريات التي أتاحتها المادة نفسها في الإعلان، وما يجده لا يعدو كونه تأكيداً وتوضيحاً لما ورد فيها، هذا بالإضافة إلى بعض الضوابط، التي يرجع بعضها إلى الطبيعة الإلزامية التي يتمتع بها العهد من الناحية القانونية. فمثلاً تضيف الفقرة الثانية من المادة (19) من العهد إطاراً عاماً لأشكال النشر "على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها" ويعاود التأكيد على أية وسيلة يختارها، وهنا يعتقد أن الإضافة تجاوزت ضمان حرية العمل الصحفي إلى إتاحة فرصة نقل الأفكار عن طريق المصنفات الفنية، والقالب الفني كلمة تجمع أشكال الفن كافة. وعليه فقد أضاف العهد إطاراً أوسع لوسائل النشر، مع محافظته وتأكيده على أية "وسيلة أخرى يختارها".



وبالنظر إلى الطبيعة الإلزامية للعهد، ووجود آليات لمراقبة مدى احترام الدول لالتزاماتها بموجبه، وفي الوقت نفسه ما ظهر من خلال التجربة العملية من سوء استغلال الحرية المتاحة، الأمر الذي دفع باتجاه وضع ضوابط من شأنها أن تحمي الصحفي وأن تحمي سمعة الآخرين وتحافظ على الآداب العامة والأمن، ويؤكد العهد في المادة نفسها على "شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية" ويحدد مفهوم الضرورة والهدف من الضوابط التي تحد من الحرية في "احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".



وفي السياق نفسه، ضمان ألا تتحول حرية الصحافة إلى محرض على الترويج للحرب والتحريض عليها أو على الكراهية والتمييز، يؤكد العهد على أن إطلاق الحرية يجب أن يرافقه ضوابط، وإلا تحول الأمر إلى فوضى عارمة، وانقلبت المقاصد إلى نقيضها حيث تؤكد المادة (20) من العهد على "تحظر بالقانون أية دعاية للحرب، تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف".



وهذا أمر ربما عايش الفلسطينيون في قطاع غزة تجربة تثبت أهميته وقيمته، فكما أن غياب القانون والضوابط أدى إلى انتهاكات لحرية التعبير عن الرأي وحرية العمل الصحفي، فإن عدم إعمال القانون وغياب الضوابط تسبب في أن يتحول الدور الذي لعبه بعض الصحفيين والمؤسسات الإعلامية إلى دور سلبي، أسهم في تأجيج الكراهية وحرض على العنف.


عليه فإن الضوابط هي أمر ضروري لاحترام الحريات ولضمان أن تترافق الحرية مع المسئولية. ومن نافل القول أن الموازنة بين الحرية ومحدداتها أمر ضروري بحيث لا تقوض المحددات من جوهر الحرية، وإنما تسعى إلى حمايتها وضمانها.



يشكل الحق في التجمع السلمي أحد التجليات المهمة لحرية الرأي والتعبير، فعند تنظيم المواطنين مسيرات أو اعتصامات سلمية فإنهم يهدفون من وراء ذلك إيصال رسالة والتعبير عن موقف، وبالنظر لأهمية التجمع السلمي كونها أحد أهم أدوات التعبير عن الرأي الضاغطة، فقد اهتمت المعايير الدولية اهتماماً واضحاً بالحق في التجمع السلمي، وكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[3] أول وثيقة أقرت التجمع السلمي كحق من حقوق الإنسان الأساسية، حيث نص في البند الأول من المادة (20) على أن "لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية." وجاءت المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[4]لتؤكد على الحق في التجمع السلمي، حيث نصت على أن " يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به ولا يجوز أن يوضع أي من القيود على ممارسة هذا الحق, إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".



وبالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فإن هناك جملة من القرارات التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة - إضافة إلى الإعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب - التي تؤكد على أن:




  1. حرية تداول المعلومات هي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات ... وأن أحد العناصر التي لا غنى عنها في حرية الإعلام هو توافر الإرادة والقدرة علي عدم إساءة استعمالها[5].

  2. إسهام وسائل إعلام الجماهير في تعزيز التفاهم والتعاون علي الصعيد الدولي، خدمة للسلام ولرفاهية البشر، وفي مناهضة الدعاية المؤيدة للحرب والعنصرية والفصل العنصري والكراهية بين الأمم[6].

  3. ويأتي الإعلان الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة[7]، ليؤكد على المبادئ التي تضمنتها المعايير الدولية ويؤكد على حرية الصحافة وواجب حماية الصحفيين، وتستعرض هذه الورقة أبرز ما جاء فيه على النحو الآتي:


أ‌-         إن دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب، يقتضي تداول المعلومات بحرية ونشرها على نحو أوسع وأكثر توازناً.


ب‌-       إن ممارسة حرية التعبير عن الرأي وحرية الإعلام، هي عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدولي.


ت‌-       ضمان حصول الجمهور على المعلومات عن طريق تنوع مصادر ووسائل الإعلام المهيأة له، يتيح لكل فرد التأكد من صحة الوقائع وتكوين رأيه بصورة موضوعية في الأحداث. ولهذا الغرض يجب أن يتمتع الصحفيون بحرية الإعلام وأن تتوافر لديهم أكبر التسهيلات الممكنة للحصول علي المعلومات. إسماع صوت الفئات والشعوب المقهورة التي تناضل ضد الاستعمار والاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي وجميع أشكال التمييز العنصري والقهر، والتي يتعذر عليها جعل صوتها مسموعا في بلادها.


ث‌-       لا بد أن يتمتع الصحفيون وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام الذين يمارسون أنشطتهم في بلادهم أو في خارجها بحماية تكفل لهم أفضل الظروف لممارسة مهنتهم.


ج‌-        تسهم وسائل الإعلام - عن طريق نشر المعلومات عن مطامح جميع الشعوب وتطلعاتها وثقافاتها ومتطلباتها - في إزالة الجهل وعدم فهم الشعوب لبعضها البعض، وفي توعية المواطنين في كل بلد باحتياجات البلاد الأخرى وتطلعاتها، وفي كفالة احترام حقوق وكرامة جميع الأمم وجميع الشعوب وجميع الأفراد دون تفرقة بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الجنسية، وفي استرعاء الانتباه إلى الشرور الكبرى التي تكدر الإنسانية كالبؤس وسوء التغذية والمرض.


ح‌-        من الضروري، لكي تحترم حرية الرأي والتعبير والإعلام ولكي يعكس الإعلام كل وجهات النظر، نشر وجهات نظر أولئك الذين قد يرون أن المعلومات التي نشرت أو أذيعت على الملأ بشأنهم قد ألحقت ضرراً جسيماً بالنشاط الذي يضطلعون به في سبيل دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان أو في سبيل مكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب.



المنظمات الدولية:


ونتيجة لازدياد عدد الضحايا من الصحافيين أثناء تغطيتهم للنزاعات المسلحة في المناطق التي تشهد الصراعات المسلحة، أصدرت منظمة "مراسلون بلا حدود " بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلي " إعلان بشان أمن الصحافيين ووسائل الإعلام في أوضاع النزاع المسلح" عام 2003 بهدف التذكير بمبادئ القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية الصحافيين في أوقات النزاع المسلح والمذكورة أعلاه.




ثانياً/ القانون الدولي الإنساني:


لم يغفل القانون الدولي الإنساني توفير الحماية للصحافيين باعتبارهم أشخاصاً يقومون بأداء مهام خطرة أثناء تغطيتهم للنزاعات المسلحة، فهم يتمتعون بالحماية القانونية العامة التي تشمل جميع المدنيين، باعتبارهم أشخاصاً مدنيون وليسوا أهدافاً عسكرية وفقاً لنص الفقرة الأولي من المادة (50) من البرتوكول الأول[8] الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، بالإضافة للحماية الخاصة المتمثلة في الحصانة من الأعمال الحربية التي ترتكب من قبل الأطراف المتنازعة، نظراً لطبيعة أعمالهم الخطرة في تغطية الأعمال العدائية المباشرة أثناء النزاعات المسلحة، بالإضافة لوقوعهم ضحيةً للأعمال التعسفية في مناطق العمليات العسكرية، حيث كرسُت تدابير الحماية للصحافيين بموجب البروتوكول الأول في المادة (79) والتي نصت علي: "1_ يعد الصحافيون الذين يباشرون مهام مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصا مدنيين ويجب حمايتهم بهذه الصفة..، دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدي القوات المسلحة في الاستفادة من الوضع المنصوص عليه في المادة الرابعة(4/1) من الاتفاقية الثالثة الخاصة بالأسري، و يجوز لهم الحصول على بطاقة هوية تشهد على صفتهم كصحافيين".


وباستقراء نص المادة (79) المذكورة أعلاه نجد أن الحماية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني للصحافيين تتمثل في:




  1. التزام الأطراف المتحاربة في أن يبذلوا ما في وسعهم لمنح الصحفيين قدراً معقولاً من الحماية ضد الأخطار التي ينطوي عليها النزاع تطبيقاً للقواعد العامة لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، والعمل علي تحذير الصحفيين حتى يبتعدوا عن مناطق الخطر، ومعاملتهم في حالة اعتقالهم معاملة مطابقة لما تقتضي به اتفاقية جنيف الرابعة في المواد ( 75-135) الخاصة بحماية السكان المدنيين ويعتبر أي هجوم متعمد عليهم يتسبب في جرهم أو قتلهم يعد جريمة حرب، إلا إنهم يفقدون حقهم في الحماية كمدنيين حال مساهمتهم ومشاركتهم في الأعمال الحربية.

  2. يتمتع الصحفيون الذين يقومون بمهام خطرة باحترام ممتلكاتهم بكاملها شرط أن لا تكون هذه الممتلكات ذات طبيعة عسكرية، حيث تعتبر وسائل الإعلام أعياناً ذات طابع مدني وتتمتع بالحماية القانونية على غرار الأعيان والممتلكات الخاصة بالسكان المدنيين وتنطبق عليه قواعد الحماية الخاصة بذلك.

  3. وجوب تأمين حماية أفضل للصحافيين الذين يباشرون مهام خطرة وخصوصاً المراسلون الصحافيون المعتمدون لدى القوات المسلحة فهم يحتفظون بوضعهم المدني برغم الترخيص الممنوح لهم من الجهات العسكرية، وبالمثل يجب احترام الصحفيين سواء كان بحوزتهم أو لم يكن لديهم بطاقة هوية تثبت أنهم صحفيون مكلفون بمهام خطرة.

  4. في حال وقع الصحافيون المعتمدون من قبل وزارة الدفاع أو الذين يعدون مراسلي حرب والذين هم مخولون باللحاق بجيوش المحاربين في قبضة العدو أثناء سير العمليات العسكرية، يعتبرون أسرى حرب وتنطبق عليهم الأحكام الخاصة بمعاملة الأسري بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، أما المراسلين المستقلون الذين يعتقلون في بلادهم أو أرضهم، فتطبق عليهم الأحكام الخاصة بالمدنيين المعتقلين في الأراضي المحتلة. أما الصحافيين التابعين لدولة ثالثة وليست طرفاً متحارباً، فإنهم يستفيدون من القوانين التي تسري عليهم وقت السلم، ويمكن اعتقالهم إذا كان لدى الدولة الحاجزة تهم كافية لإدانتهم، وإذا لم يكن الأمر وجب إطلاق سراحهم.


وبالرغم من عدم الإشارة إلى حماية الصحافيين في المنازعات المسلحة الغير دولية بموجب البروتوكول الثاني، إلا أن المعاملة الإنسانية المنصوص عليها بالمادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكول الثاني والحماية العامة للمدنيين الذين يعتبر الصحافيين جزءاً منهم، توفران لهذه الفئة من الأشخاص الحد الأدنى من الضمانات التي لا غنى عنها في الحروب الداخلية.




قرارات المحاكم الدولية:


ولترسيخ الحماية القانونية لعمل ومهام الصحافيين، أرست محكمة يوغسلافيا الجنائية الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب قاعدة قانونية من خلال تأكيدها علي أن "الصحافيين يقومون بمهام تخدم " مصلحة عامة " لأنهم يؤدون دوراً رئيسياً فهم يوجهون انتباه المجتمع الدولي للفظائع  المرتكبة أثناء المنازعات ووقائعها، ولحماية قدرتهم على القيام بعملهم منحتهم المحكمة ميزة الحق في رفض الإدلاء بالشهادة في إطار الدعاوى القضائية المتعلقة بأمور مهنتهم، كما أكدت علي إنه  لا يمكن أن يجبر الصحفي على الإدلاء بشهادته إلا إذا توافر شرطان معاً، أولاً: أن تمثل الشهادة مصلحة مباشرة وان تكون ذات أهمية خاصة في أمر من الأمور الأساسية المتعلقة بالقضية محل النظر. وثانياً: عدم إمكان الحصول على نحو معقول على دليل الإثبات المنتظر من مصدر آخر في القضية المنظورة والمتعلقة في النزاع المسلح".


 


ثالثاً/ الضمان القانوني لحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والعمل الصحافي في القوانين المحلية:


كفلت التشريعات الوطنية الفلسطينية حرية الرأي والتعبير والعمل الصحافي، وتعددت القوانين في هذا الإطار، حيث تناولت المادة (19) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 (لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون).



وتناولت المادة (27) من القانون نفسه الحق في حرية الرأي والتعبير من حيث تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام وحرية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وحرية الطباعة والنشر والتوزيع والبث، وحظر الرقابة على وسائل الإعلام، بحيث (لا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي). وعاقب المشرّع الفلسطيني كل من يعتدي على أي من الحريات العامة للمواطن استناداً للمادة (32) " من القانون نفسه، حيث اعتبرها (جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر).


كما نص قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني لسنة 1995، في الفقرة (جـ) من المادة (4) على حق الصحفيين في (البحث عن المعلومات والأخبار والإحصائيات التي تهم المواطنين من مصادرها المختلفة، وتحليلها وتداولها ونشرها والتعليق عليها في حدود القانون).



وكما هو الحال في القانون الدولي لحقوق الإنسان حظي الحق في التجمع السلمي باهتمام القانون المحلي، وهو اهتمام نابع من أهمية وقيمة الحق نفسه، ومن أهميته لإعمال حقوق الإنسان الأخرى، ومن نافلة القول أن القوانين تأتي استجابة طبيعية لتطور المجتمعات وتشابك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وعليه جاءت المعايير الدولية لحقوق الإنسان لتؤمن الحدود الدنيا للحقوق الواجب احترامها وإعمالها بالنسبة للمواطنين داخل دولهم الوطنية.



وفيما يتعلق بالقوانين المحلية فقد أسس القانون الأساسي الفلسطيني لحماية الحق في التجمع السلمي حيث نصت الفقرة الخامسة من المادة (26) من القانون المعدل للقانون الأساسي[9]، على حق الفلسطينيين بالمشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات، على وجه الخصوص عقد الاجتماعات الخاصة دون حضور أفراد الشرطة، وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات في حدود القانون.



وجاء القانون الفلسطيني[10] منسجماً مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومنح حماية كاملة للحق في التجمع السلمي وكان من أكثر القوانين تطوراً، حيث نصت المادة (2) على أن " للمواطنين الحق في عقد الاجتماعات العامة والندوات والمسيرات بحرية، ولا يجوز المس بها أو وضع القيود عليها إلا وفقاً للضوابط المنصوص عليها في هذا القانون".


وتقتصر الإجراءات القانونية لتنظيم تجمع سلمي على توجيه إشعار كتابي للمحافظ أو مدير الشرطة قبل (48) ساعة على الأقل من موعد عقد الاجتماع، وفي حال عدم تلقي الجهة المنظمة لأي جواب خطي لها الحق في تنظيم الاجتماع العام في موعده, حيث نصت المادة (3) من القانون نفسه على أن " يحق عقد الاجتماعات العامة على أن يوجه إشعار كتابي للمحافظ أو مدير الشرطة بذلك قبل 48 ساعة على الأقل من موعد عقد الاجتماع ".



أظهر استعراض المعايير الدولية والقانون الفلسطيني مدى الحماية القانونية التي تتوفر للحق في التجمع السلمي وعلى الرغم من ذلك فقد شهدت مجريات الأحداث على الأرض انتهاكات منظمة لهذا الحق وتجاوزاً للقانون.



فقد أثار تفسير الشرطة للقانون رقم (12) بشأن الاجتماعات العامة جدلاً في المجتمع الفلسطيني، في أعقاب قرار أصدره مدير عام الشرطة الفلسطينية (في حينه) اللواء غازي الجبالي بتاريخ 29/02/2000، يقضي باشتراط الحصول على موافقة مسبقة لتنظيم الاجتماع وأن عدم الحصول على الموافقة يمنع تنظيم المهرجان. وبعد خلافات احتدمت بين الأحزاب السياسية وفي مقدمتها حركة حماس والمؤسسات الأهلية، التي تقدمت بطعن إلى المحكمة العليا في قرار مدير عام الشرطة، وصدر أمر قضائي بوقف العمل بقرار مدير عام الشرطة بتاريخ 29/04/2000، وفي اليوم التالي لقرار المحكمة أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بوصفه وزيراً للداخلية لائحة تنفيذية للقانون[11] بتاريخ 30/04/2008. ولم تتعارض اللائحة التنفيذية مع القانون من حيث الجوهر ولكنها وضعت قيوداً على ممارسة هذا الحق ومن بينها تقديم كتاب خطي من قبل المنظمين يوضحون فيه هدف الاجتماع ومنح مدير الشرطة الحق في طلب اجتماع مع المنظمين يناقش معهم خط سير المسيرة.



عليه وأمام جملة الضمانات التي وفرها القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2005، وقانون المطبوعات والشر وقانون الاجتماعات العامة، للحق في حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي وحرية العمل الصحافي فإن الواقع يشير إلى غياب سيادة القانون، كون الانتهاكات الموجهة ضد هذه الحريات المكفولة في القانون الدولي والقانون المحلي، وبعد أن أصبحت دولة فلسطيني طرفاً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية جنيف الرابعة.



وفي ظل حملة الاستدعاءات والتوقيفات التي ما فتئت تتصاعد عند كل محطة خلافية بين طرفي الانقسام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تصاعدت في قطاع غزة في الآونة الأخيرة بعد عزم حركة فتح تنظيم تجمعات سلمية لمؤازرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته للولايات المتحدة ولقاء رئيسها الجديد، وما سبقها من إطلاق شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تسبب في استدعاء العشرات والتحقيق معهم.


وعليه فإن مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يعبر عن قلقه الشديد لتدهور الحريات العامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإذ يؤكد على أن إشاعة الحريات واحترام القانون من شأنه أن يعزز السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي ويفوت الفرصة على من يسعي لزعزعة استقرار المجتمع، وأن من شأنه أن يعزز من شعور المواطن بكرامته وأن يكرس الحرية كقيمة من قيم المجتمع يصعب انتزاعها من قبل أي جهة كانت في المستقبل مهما عظمت قوتها فإنه يطالب: الجهات المكلفة بإنفاذ القانون والجهات المختصة في الضفة الغربية وقطاع غزة، باحترام الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي وحرية الصحافة والإعلام وتعزيزها والامتناع عن تجاوز المحددات القانونية في معرض تعاملهما مع المواطنين أو القوى السياسية والنقابات والمؤسسات الأهلية أو غيرها من الجماعات أو فئات وشرائح المجتمع؛ ويدعو قوى المجتمع وفئاته وشرائحه المختلفة إلى احترام المحددات التي نص عليها القانون في معرض ممارساتها للحقوق المحمية بموجب القانون، التي أوردت الورقة مقتطفات من القانون المحلي والدولي ذات العلاقة.


 

اشترك في القائمة البريدية