الثامن من آذار :  تقدير موقف ورؤية نسوية

تتوجه جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية بداية بأحر التهاني وأجمل الأمنيات للنساء الفلسطينيات في الوطن المحتل وفي الشتات، وللنساء العربيات ونساء العالم بمناسبة الثامن من آذار "يوم المرأة العالمي" ارتباطاً بالمضامين الكفاحية لهذه المناسبة، وبما تجسده من تراكم للفعل النسوي النضالي من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وبهذه المناسبة العزيزة على قلوب النساء الفلسطينيات خاصة ونساء العالم عامة ، تجدد الجمعية العهد على مواصلة طريق النضال حتى إنهاء الاحتلال وبناء دولة مدنية ديمقراطية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 67 وعاصمتها القدس ، وحل قضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار 194 ، وتحترم حقوق المرأة على قاعدة أنها حقوق إنسان غير قابلة للتجزئة أو التأويل ، كما ستواصل الجمعية نضالها كجزء من الحركة النسوية الديمقراطية من أجل تغيير الخطاب المجتمعي المحافظ  القائم على تكريس الدونية والتمييز ضد المرأة وعدم الاعتراف بها كمواطنة كاملة الحقوق ، ويتجلى ذلك عبر تواصل إقصاءها عن المشاركة في صنع القرارات الوطنية والتنموية ،الأمر الذي يهدد المشروع الوطني والتنموي في فلسطين ويهدد المشروع الحضاري التقدمي في العالم العربي ككل على اعتبار ان الموقف من قضية المرأة كانت ولا زالت وستبقى المؤشر الأقوى على مدى ديمقراطية وتقدم أي بلد .


ورغم انه خلال العقود الأخيرة تطورت المفاهيم المتعلقة بحقوق المرأة والتي تؤكد على المساواة التامة بين الجنسين؛ وإلغاء التمييز ضدها، وبالرغم من تطور الآليات والأدوات الدولية والوطنية في معظم بلدان العالم من أجل تنفيذ حقوق المواطنة التي تجسدت معالمها في اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" وقرار مجلس الأمن 1325؛ وغيرها من المرجعيات الدولية القانونية إلا أن النساء ما زلن يعانين من التهميش والتمييز والإقصاء الذي يتجسد في الأنماط الثقافية التي تعزز دونية المرأة والسياسات الإقصائية.


ويزداد الامر تعقيدا  في الحالة الفلسطينية ، حيث ان استمرار وجود الاحتلال الإسرائيلي يشكل جوهر معاناة المرأة والأسرة الفلسطينية، وكافة أبناء الشعب الفلسطيني، فالمرأة الفلسطينية ناضلت وتناضل جنبا إلى جنب مع الرجل من أجل حق الحياة والأمن الإنساني والاجتماعي والاقتصادي ، والمرأة وأسرتها هم الأكثر تضرراً ومعاناة من تبعات هذا الاحتلال الذي تجسد فى مظاهر عديدة أبرزها ؛ جدار الفصل العنصري الذي أقيم على الأراضي الفلسطينية المصادرة ، وقسم التجمعات السكانية في 122 قرية ومدينة وبما يعادل 30% من سكان الضفة الغربية ، وحولها إلى معازل ما بين الجدار والخط الأخضر الفاصل الحدودي، تعزل المواطنين عن الشبكات المجتمعية والخدماتية الضرورية بما فيها الصحية والتعليمية ، وهي الأكثر تضرراً من سياسة التطهير العرقي والتهويد لمدينة القدس ، والاقتلاع والتشريد بسبب هدم المنازل بحجة عدم الترخيص ، ومن الاستمرار في مصادرة الأراضي لشق الطرق وبناء المستوطنات في الضفة والقدس التي تضاعف عددها منذ بدء عملية السلام في أوسلو عام 1993،  بالإضافة إلى ضم الأراضي الزراعية في منطقة الأغوار التي تشكل السلة الغذائية للسكان في الضفة ، واستمرار العدوان المتكرر على قطاع غزة وما تركته الحروب المتعاقبة عليها من تدمير ترك آثارا سلبية لسنين طويلة ، وإغلاق المعابر وفرض الحصار الشامل عليها ،كما أدت ممارسات الاحتلال عبر استهداف الرجال اقتصادياً من خلال سياسة مصادرة الأراضي واستهداف الصناعة وتدمير البنية التحتية والمنشآت إضافة إلى الاستهداف السياسي عبر الاعتقال والاغتيال إلى تحميل المرأة الفلسطينية أعباء إضافية ، فمن جهة ، ارتفعت ظاهرة الأسر التي ترأسها النساء على المستويات الاقتصادية والاجتماعية بسبب العوامل الأنفة الذكر ، ومن جهة أخرى  ، فان المجتمع لا يعترف بدورها الرئاسي للأسرة بسبب الموروث الثقافي ويخضعها إلى الرقابة المجتمعية الدائمة .


وقد لعبت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية وكمكون أساسي من مكونات الحركة النسوية  أدورا ريادية على الصعيدين الوطني والحقوقي النسوى في المجتمع الفلسطيني ، حيث بذلت وطوال مراحل النضال الوطني الفلسطيني قصارى جهدها لتقوية وتمكين المرأة وزيادة مشاركتها في العمليات التنموية بهدف إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، حيث استندت العديد من المؤسسات على قاعدة أن حقوق المرأة حقوق إنسان وتعتبر قضايا المرأة في الحالة الفلسطينية كقضايا سياسية اجتماعية، لذا فإنها تعتبر أن تقدم المجتمع الفلسطيني الوطني والاجتماعي والاقتصادي لا يمكن أن يتحقق إلا بمشاركة فاعلة للمرأة في التنمية على قدم المساواة في كافة المجالات.


وعلى الرغم من هذا الدور، وبالرغم من أن القانون الاساسى الفلسطيني ينص على مبدأ المساواة من حيث الحقوق ما بين الجنسين ، وبالرغم من انضمام فلسطين مؤخرا للعديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية ومن ضمنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"سيداو" ، إلا أنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة لتضمينها كمرجع أساسي في القانون الأساسي الفلسطيني ولم يتم نشرها في مجلة الوقائع الفلسطينية كي تأخذ الصفة الإلزامية ، كما لم تقم دولة فلسطين باتخاذ الإجراءات والسياسات والتدابير الكافية لتغيير البنى الثقافية القائمة على التمييز والنظرة الدونية للمرأة مما شكل عائقا أمام تقدم وضعية النساء الفلسطينيات .


 وعليه لا زالت النساء الفلسطينيات يعانين من اضطهاد مزدوج : قومي ووطني بسبب استمرار الاحتلال في إجراءاته القمعية والتي طالت مختلف مناحي الحياة ، وجنسوي اجتماعي بسبب سيطرة المفاهيم الذكورية والموروث الثقافي الذي يعزز دونية المرأة  ، فلا زالت النساء الفلسطينيات بنظر المجتمع بعموميته متلقيات للسياسات ولسن شريكات وصانعات لها ، وهذا يتجسد في معيقات عديدة تواجه النساء الفلسطينيات سواء من حيث البنية التشريعية التي لا زالت قائمة على التمييز ضد المراة وخاصة  في قانوني الأسرة والعقوبات المعمول بهما حاليا ، أو في العنف المبني على النوع الاجتماعي ، وكذلك عبر استثناء المرأة من المشاركة السياسية على مستوى دوائر صنع القرار بما يتلاءم وأدوارها المجتمعية والسياسية والنضالية على قاعدة حقوق المرأة كحقوق إنسان .


لقد تأثر واقع النساء تأثرا كبيرا بهذه الظروف والعوامل ، فلا زالت النساء الفلسطينيات يعشن أوضاعا تمييزية على مختلف الاصعدة ، فرغم ازدياد توجه النساء للتعليم إلا أن ذلك لا يتناسب وحجمهن في سوق العمل ، حيث أن مشاركتهن في القوى العاملة في الأراضي الفلسطينية ما زالت منخفضة ولم تتعدى ما نسبته 19 % في العام 2016/2017 ،  وهى تعتبر الأدنى إذا ما قورنت بالنسب الأخرى في باقي دول العالم ،  يضاف إلى ذلك استمرار ارتفاع معدلات البطالة بين صفوف المواطنين بشكل عام والنساء بشكل خاص  حيث لا زالت البيئة الاقتصادية تتصف في انخفاض معدل النمو ومحدودية فرص العمل ، كما أن توسع فرص العمل رغم محدوديتها تميل لصالح الذكور مقابل الإناث ، و فجوة النوع الاجتماعي ما تزال واضحة على مستوى المشاركة في القوى العاملة ومعدلات الأجور والبطالة وخاصة بين صفوف النساء المتعلمات  . وكذلك الحال بالنسبة  لازدياد معدلات الفقر خاصة في قطاع غزة ، حيث تزداد حدته بازدياد الإجراءات الإسرائيلية القمعية التي تخنق الموارد المحلية البشرية والمالية ، وتعتبر النساء والأطفال من الشرائح التي تصنف كأفقر الفقراء ، ويقع على عاتق النساء ادوار إضافية نتيجة ذلك ، يضاف الى ذلك قصور قانون العمل في العديد من الجوانب مما يستدعي إعادة موائمته بما يضمن الحقوق الاقتصادية للنساء ، ورغم إقرار قانون الحد الأدنى للأجور ، إلا أن ضعف التفتيش والمراقبة على تطبيقه حرم العديد من النساء من الاستفادة من هذا القانون .


أما العنف الأسرى والمجتمعي  فلا زال مرتفعا في المجتمع الفلسطيني ، حيث تظهر نتائج مسح مؤشرات العنف في فلسطين الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء 2011 إلى أن حوالي 37% من النساء تعرضن لأحد أشكال العنف من قبل أزواجهن ( 30% في الضفة مقابل 51% في غزة ) ، في حين بلغت نسبة اللواتي تعرضن لعنف اقتصادي 55% ، ولعنف اجتماعي 54.8% ، ولعنف جسدي 23.5 % ، ولعنف جنسي 11.8% ، وهذه الإحصائيات لا تعكس كل جوانب العنف الذي تتعرض له النساء سواء بسبب ما غفلت عنه البيانات الرسمية او ما لم يبلغ عنه لأسباب مختلفة ، ولا ينحصر العنف ضد المراة في البيت وتبعا لنفس المسح فان حوالي 5% من النساء تعرضن للعنف النفسي في الشارع و 1.3% تعرضن لتحرشات جنسية و0.6 % تعرضن لعنف جسدي في نفس المكان ،بالإضافة الى تصاعد وتيرة قتل النساء في السنوات الأخيرة تحت مسميات عديدة   ، كما ازدادت عدد الحالات المتوجهة للبيوت الآمنة بهدف الحماية من التهديد بالقتل ، وكل ذلك نتيجة عدة أسباب أبرزها الإجراءات القمعية للاحتلال ، والوضع الاقتصادي المتردي والعادات والتقاليد المجتمعية ،ومعيقات أمام وصول النساء للعدالة والقانون  التي تترك آثارا سلبية خاصة على النساء...  . ورغم أن الحركة النسوية استطاعت تحصيل بعض الانجازات نتيجة الضغط والتأثير ومنها تجميد العمل ببند 97 من قانون العقوباتسبقه  صدور مرسوم رئاسي بإلغاء بنود مجحفة بحق النساء في قانون العقوبات الساري المفعول واعتبار القتل على خلفية ما يسمى بشرف العائلة جريمة يعاقب عليها القانون ، إلا أن هذه الإجراءات غير كافية لوقف قتل النساء وردع المعتدين في ظل بقاء نصوص قانونية لا زالت تعطي الفرصة للجاني للإفلات من العقاب ..وفي ظل استمرار وجود بيئة قانونية تعزز التمييز ضد النساء ولا تتعامل معهن كمواطنات كاملات الحقوق وخاصة استمرار غياب قانوني العائلة والعقوبات الفلسطينيين وفي ظل حرمان النساء من حقهن بالميراث وممارسة مختلف أشكال العنف بحقها  .


أما على صعيد المشاركة السياسية وصنع القرار ، فقد تراوحت وضعية النساء مكانها وذلك بسبب استمرار تعطل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتأجيل موعد انتخابات المجالس المحلية أكثر من مرة بعد أن تقررت في أكتوبر 2016 ، ومن جهة أخرى فقد استمر إقصاء النساء عن الحوارات المتعلقة بإنهاء الانقسام وخاصة في لجان المصالحة التي انبثقت عن اتفاقيات المصالحة والتي تخلو من النساء . من جهة أخرى ونتيجة الضغط المتواصل للحركة النسوية على صناع القرار فقد اتخذ المجلس المركزي الفلسطيني قرارا  أكد على ضرورة الالتزام باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ ما ترتب عن الانضمام للعديد من الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية سيداو ومن ضمن هذه الالتزامات تبني رفع نسبة الكوتا للنساء إلى 30% . ورغم هذا الانجاز إلا أن التحدي يبقى في الإجراءات العملية والقانونية لتضمين ما جاء في هذه الاتفاقات في الإجراءات والسياسات والقوانين المحلية . كما يقع على عاتق الأحزاب السياسية اخذ دور فاعل في النهوض بواقع النساء الفلسطينيات سواء في الحياة الحزبية الداخلية أو تعزيز مشاركة النساء في الحياة العامة ، فلا يعقل أن تنضم فلسطين لاتفاقيات دولية تلزمها بالمساواة في البني والإجراءات والسياسات والقوانين وتبقى وضعية النساء ضعيفة في الحياة السياسية  ،وخير دليل على ذلك التمثيل الضعيف للنساء الفلسطينيات في مختلف مراكز صنع القرار .


إن استمرار تعطل البيئة التشريعية والناتج عن إجراءات الاحتلال القمعية من جهة ، ومن جهة أخرى انسداد أفق المصالحة الوطنية واستمرار حالة الانقسام وضعف إرادة صانع القرار الفلسطيني ، كلها عوامل وعقبات أثرت على تقدم وضعية النساء الفلسطينيات في كافة المجالات ، سواء من حيث مراقبة تطبيقات القوانين الفلسطينية المعمول بها  كقانوني العمل والقانون الاساسى ، أو من حيث القصور في تبنى قوانين مهمة للنساء كقانوني الأسرة والعقوبات ، ورغم أن انضمام فلسطين لاتفاقية  سيداو يعتبر من الانجازات النوعية لحقوق النساء ، إلا أن النضال لتضمينه في القوانين المحلية لا زال يتصدر الأولوية في النضال المطلبي للنساء الفلسطينيات   .


إن مناسبة الثامن من آذار تعتبر محطة مهمة تقف عندها النساء الفلسطينيات ونساء العالم اجمع ، سواء للاحتفاء بهذه المناسبة بما تحمل من معاني كفاحية ونضالية أو للوقوف على وضعية النساء وما تصبوا إليه من تغيير ، والمرأة الفلسطينية تشكل دوما نموذجا يحتذى به ، فهي تناضل من اجل قضاياها المطلبية كمواطنة كاملة الحقوق ،وتسعى جنبا إلى جنب مع شعبها الفلسطيني للتحرر من الاحتلال الإسرائيلي  الذي يمارس سياساته القمعية ويمعن في تجاهل المواثيق الدولية وعلى رأسها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان  واتفاقية جنيف الرابعة ، والتي تلزم الدولة المحتلة بتوفير الحماية للمدنيين تحت الاحتلال ، مع علمنا المسبق ان عدم احترام هذه الاتفاقيات والمواثيق يترك تأثيرا كبيرا على أولويات النساء الفلسطينيات ويؤخر من تقدمهن في تغيير واقعهن على أساس مساواة النوع الاجتماعي .


وسيبقى الثامن من اذار محطة لتفعيل النضال الوطني والاجتماعي للنساء الفلسطينيات ، ستبقى جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية تسعى وتناضل للوصول إلى مجتمع فلسطيني حر وديمقراطي قائم على العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين وتهدف للقضاء على جميع أشكال التمييز من خلال تعزيز وتمكين وتعبئة النساء للمشاركة في عمليات التنمية، والترويج لحقوق المرأة المدنية وحقوقها كحقوق إنسان.

اشترك في القائمة البريدية