يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات الجريمة المروعة التي اقترفتها قوات الاحتلال باغتيال (6) صحفيين، بينهم مراسلا قناة الجزيرة الفضائية، انس الشريف، ومحمد قريقع، في غارة جوية استهدفت خيمة للصحفيين داخل مستشفى الشفاء بمدينة غزة، مساء أمس. ويرى المركز أن استمرار استهداف وقتل الصحفيين بشكل متصاعد منذ أكثر من 22 شهراً، هو جزء من جريمة الإبادة المستمرة على قطاع غزة، ويظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن جرائم الاغتيال لا يمكن فهمها سوى في إطار استهداف من يكشف الفظائع التي تقترف بحق المدنيين الفلسطينيين، من تطهير عرقي وإبادة جماعية وتجويع لنحو 2 مليون مدني فلسطيني، ومنعهم من نقل تلك الحقائق بالصوت والصورة للعالم. كما تفهم بأنها مقدمة لإرهاب بقية الصحفيين ومنعهم من التغطية الإعلامية، تمهيداً، على ما يبدو، لبدء العملية العسكرية التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية مؤخراً، بتهجير نحو مليون فلسطيني، هم سكان غزة والشمال نحو الجنوب.
ووفقا للمعلومات التي جمعها المركز، فقد أطلقت طائرة مسيرة إسرائيلية في حوالي الساعة 11:20 مساء يوم أمس السبت الموافق 10 أغسطس 2025 صاروخاً على خيمة للصحفيين، أمام قسم الطوارئ بمستشفى الشفاء في مديمة غزة، مما أسفر عن مقتل (7) مواطنين، بينهم (6) صحفيين، بينهم خمسة من طاقم قناة الجزيرة الفضائية، منهم مراسلا القناة، أنس جمال محمود الشريف، 29 عاماً، ومحمد محمد قاسم قريقع، 34 عاماً، إضافة إلى ثلاثة مصورين هم: إبراهيم عبد الكريم محمد ظاهر، 26 عامًا؛ مؤمن زياد محمد عليوة، 24 عاماً؛ محمد رياض عبد الله نوفل، 30 عاماً؛ والصحفي محمد عبد المجيد حسن الخالدي، 39 عاماً، الذي يعمل في منصة “ساحات” الإعلامية. إضافة إلى المواطن صابر نايف سعد جندية، 24 عاما، حيث كان متواجداً في موقع الاستهداف.
وفي أعقاب الجريمة، أعلنت قوات الاحتلال عن مسؤوليتها عن الجريمة، وأكدت في بيان لها بأنها استهدفت الصحفي أنس الشريف متهمة إياه بأنه “كان قائدا لخلية إرهابية في حركة حماس الإرهابية، وكان مسؤولا عن إطلاق صواريخ على المدنيين الإسرائيليين وقوات الجيش الإسرائيلي”.
وتأتي جريمة مقتل الصحفي الشريف ورفاقه، بعد نحو عامين من التحريض المتواصل من قبل المؤسسة العسكرية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية ضد الصحفيين الفلسطينيين بشكل عام، والادعاء بأنهم عسكريون في ثوب صحفيين، كان للصحفي الشريف نصيب وافر منها1. وتعرض الشريف، خلال تلك الفترة، لتهديدات مباشرة بالقتل والاستهداف على خلفية توثيق صور المجاعة في غزة. علماً أن الصحفيين الشريف وقريقع من القلائل الذين بقوا في منطقتي غزة والشمال، وكان سلاحهم الوحيد الكاميرا والميكريفون، يغطون جرائم الاحتلال على مدى العامين الماضيين، بما في ذلك جرائم القتل والتدمير والتهجير. وقام الصحفيان، في الفترة الماضية بفضح سياسة التجويع التي انتهجتها قوات الاحتلال على مدى الأشهر الخمسة الماضية، وآثارها على الفلسطينيين، عبر نشر تقارير موثقة تتضمن شهادات وصور حية للمجوعين، والتي تسببت بوفاة العشرات منهم.
وبمقتل الصحفيين الستة، يرتفع عدد الصحفيين الذين قتلوا من السابع من أكتوبر 2023، إلى (237) صحفياً، وفق المكتب الإعلامي الحكومي. بين الصحفيين القتلى، (14) صحفية. وقتل (50) صحفياً أثناء تأدية واجبهم المهني، حسب توثيق منظمة مراسلون بلا حدود. كما قتل عشرات الصحفيين جراء استهداف منازلهم. ووثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين قصف (152) منزلا، راح ضحيتها (665) من عائلات وأقارب الصحفيين. وقتل صحفيون آخرون خلال جرائم القصف العشوائي على امتداد حرب الإبادة المستمرة. كما أصيب خلال العدوان (415) صحفياً آخرون في ظروف مختلفة. هذا عدا عن نشطاء التواصل الاجتماعي الذين استهدف الاحتلال عددا كبيًرا منهم ودأب على التحريض عليهم وتهديدهم بالقتل إذا لم يصمتوا.
يؤكد المركز أن استهداف الصحفيين/الصحفيات جاء بهدف الاستفراد بالضحية وتغييب نقل وقائع الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد المدنيات والمدنيين في قطاع غزة. ولذلك نطالب المجتمع الدولي بإدانة استهداف العاملين بالصحافة بشكل علني، والضغط على دولة الاحتلال لوقف استهدافهم بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيات والمدنيين بمن فيهم الصحفيات والصحفيين في قطاع غزة.
كما يؤكد المركز أن القتل العمد والممنهج للصحفيين/ات يعد جزءاً من جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة، وهي جريمة حرب تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. كما يعد حرمانًا تعسفيًّا من الحياة وفقًا للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويستوجب مساءلة مرتكبيه.
ويؤكد المركز أن استمرار فشل منظومة العدالة الدولية في مساءلة قادة الاحتلال ومحاسبتها على جرائمها شجعها على ارتكاب المزيد من الانتهاكات والجرائم بحق الصحفيين وعائلاتهم دون رادع.
وإزاء ذلك، يطالب المركز المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال لوقف استهداف الصحفيين بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيين/ات بما فيهم للصحفيات والصحفيين في قطاع غزة، وتفعيل أدوات الضغط على سلطات الاحتلال بوقف جرائمها والامتثال لقواعد القانون الدولي، وحماية المدنيين.
كما ويطالب المركز أجسام الصحافة الدولية منها الاتحاد الدولي للصحفيين بالتحرك العاجل للضغط على الاحتلال محاسبته على قتل واستهداف الصحفيات والصحفيين في فلسطين وبالتحديد في قطاع غزة.
كما يدعو المركز المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة على إقليم دولة فلسطين، بما فيها جرائم قتل الصحفيين/ات، الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لإظهار الحقيقية، والمضي بالخطوات اللاحقة، وخصوصًا، أن الضحايا في فلسطين طال انتظارهم للعدالة والانصاف.
كما يدعو المقررة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير بالأمم المتحدة إلى تعزيز وتكثيف الجهود لحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والتحقيق في جرائم الاحتلال المقترفة بحق الصحفيين ووسائل الاعلام في الأرض الفلسطينية المحتلة.