المركز الفلسطيني: اعتقال الاحتلال الأطفال خلال محاولتهم الحصول على الطعام وتعذيبهم عمل مشين يستوجب المساءلة

شهادات صادمة لأطفال جوّعهم الاحتلال ودفعهم لنقاط المساعدات ليعتقلهم ويعذبهم: تعرية وضرب وترويع

أدلى أطفال أفرجت عنهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أسابيع من اعتقالهم خلال محاولتهم الحصول على الطعام من مركز توزيع المساعدات الإسرائيلي / الأمريكي في رفح جنوب قطاع غزة، بشهادات قاسية ومؤلمة لطاقم المركز، حول التعذيب التي تعرضوا له من قوات الاحتلال فيما كان كل ذنبهم أنهم كانوا يحاولون الحصول على لقمة العيش.

وتحت وطأة التجويع الشديد الذي فرضته القوات المحتلة، توجه هؤلاء الأطفال أواخر يونيو الماضي، إلى نقطة توزيع المساعدات في رفح، مع آلاف المدنيين الفلسطينيين لمحاولة الحصول على الطرود الغذائية، ليجدوا أنفسهم عرضة للاعتقال بعد أن واجهوا خطر الموت بإطلاق النار من تلك القوات. في ذلك اليوم وثق المركز، مقتل 4 مدنيين من المجوّعين أحدهم طفل وإصابة العشرات برصاص قوات الاحتلال قرب نقاط المساعدات في رفح.

ووفق المعلومات التي توفرت لطاقم المركز، وصل عند حوالي الساعة 17:00 من يوم الخميس الموافق 24 يوليو 2025، إلى مجمع ناصر الطبي وسط مدينة خانيونس، 10 أطفال، في حالة صحية مزرية بعد الإفراج عنهم من قوات الاحتلال بعد اعتقالهم خلال الأسابيع الماضية في محيط مراكز توزيع المساعدات التي أقامها الاحتلال في مدينة رفح. وجرى الإفراج عنهم في معبر كرم أبو سالم بعد تعريضهم للضرب والتنكيل، ونقلوا إلى جهة خانيونس مع شاحنات المساعدات.

والأطفال المفرج عنهم، هم: عماد مصطفى محمد أبو طعيمة (16 عاماً)، ومحمود عصام محمود أبو حدايد (17 عاماً)، ومؤمن هاني عبد العزيز أبو هجرس (17 عاماً)، وهلال إبراهيم منصور البشيتي (17 عاماً)، وعمر نزار محمود عصفور (16 عاماً)، وهم من سكان خانيونس، وفارس سليمان صالح أبو جزر (15 عاماً)، من سكان رفح، وكرم حمدي عبد الرحمن حسين (16 عاماً)، وقصي كايد توفيق الظاظا (16 عاماً)، وأحمد محمد فضل الحلو (17 عاماً)، ومعاذ السيد صابر سالم (15 عاماً)، من سكان غزة.

رحلة الأطفال للحصول على الطعام بعد أسابيع وأشهر من التجويع الشديد، وتعريض حياتهم للخطر، قبل وخلال وبعد اعتقالهم، وما تخلل ذلك من تعذيب وتنكيل وامتهان للكرامة للإنسانية، تعبير صارخ عن الانتهاكات والجرائم المركبة التي تقترفها القوات الإسرائيلية المحتلة، والتي استباحت فيها المدنيين الفلسطينيين بكل فئاتهم العمرية والجندرية.

عن دوافعه للتوجه لمنطقة توزيع المساعدات يقول أحد الأطفال المفرج عنهم،لطاقم المركز:

“مع عودة الحرب في 19/3/2025، بدأت ملامح المجاعة تلوح في الأفق. أصبح الطعام شحيحًا والمواد التموينية نادرة، وبدأ ناقوس الخطر يقرع في كل بيت. اضطرت والدتي إلى تقسيم رغيف الخبز الواحد نصفين على الفرد الواحد، ليكفيه لوجبتي الفطور والعشاء. أما وجبة الغداء، فكانت تقتصر يوميًا على أنواع بسيطة من الشوربة التي بالكاد تسد الرمق، وبذلك كانت أغلب الليالي ننام ونحن جوعى. استمرار هذا الحال القاسي لفترة طويلة، دفعني إلى اتخاذ قرار شجاع بتوجهي إلى مراكز توزيع المساعدات الأمريكية، في محاولة مني لتخفيف العبء الثقيل عن والدتي، التي عانت كثيرًا لتوفير أبسط مقومات الحياة لنا. توجهت مرتين إلى مركز مساعدات منطقة الشاكوش، رغم أن ذلك كان محفوفًا بمخاطر كبيرة على حياتي. كنت أضطر إلى الركض لمسافة تزيد عن ثلاث كيلومترات، من منطقة الإقليمي حتى الشاكوش جنوبا، حتى أكون من أوائل الواصلين إلى المركز، قبل نفاد المساعدات بسبب الازدحام الشديد. وخلال تلك الرحلات، كنت أعبر مناطق خطيرة وسط إطلاق نار كثيف من قوات الاحتلال، ورأيت بأمّ عيني مشاهد مؤلمة لسقوط عدد من الشهداء والجرحى من المواطنين الذين حاولوا الوصول للمساعدات. وبفضل الله، لم أُصب بأذى خلال المرتين، وتمكنت من الحصول على مساعدات وفيرة عدت بها إلى خيمتنا، وكانت كفيلة بتخفيف جزء من معاناة والدتي التي ذاقت الأمرّين خلال تلك الأيام. وفي كل مرة كنت أعود، ورغم المخاطرة الكبيرة التي أُعرض نفسي لها، كنت أشعر بفرحة وسعادة لا توصف، عندما أرى إخوتي ينامون وهم شبعى لأول مرة منذ أيام طويلة. وفي المرة الثالثة التي قررتُ فيها التوجه إلى مركز المساعدات، بتاريخ 29/6/2025، خرجت من خيمتنا في حوالي الساعة 6:00 صباحًا، ووصلت إلى منطقة الإقليمي عند الساعة 7:00 صباحًا.

وبمرارة روى ظروف اعتقاله قرب مركز توزيع المساعدات، قائلا:

“بينما كنا نختبئ، تفاجأنا بجنود الاحتلال يحاصروننا من الخلف. كانوا مدججين بالسلاح، واقتربوا منا حتى أصبحوا على بعد حوالي ثلاثة أمتار فقط. بدأوا يصرخون بنا مطالبين بعدم الحركة، وأمطرونا بشتائم نابية ومهينة. أمرونا بـخلع ملابسنا والجلوس أرضًا، ثم تقدم أحد الجنود وطلب منا ارتداء ملابسنا وقام بتقييد أيدينا من الخلف باستخدام أربطة بلاستيكية، وسط توتر وخوف شديدين. بعد ذلك، أمرنا الجنود بالتحرك جنوبًا نحو منطقة البركسات في مدينة رفح. وعند وصولنا، أجلسونا على أرضية مليئة بالحجارة والشوك، شعرت خلالها بـألم شديد استمر لثلاث ساعات متواصلة دون أن يسمح لنا بالحركة أو تغيير وضع الجلوس.

وعن ظروف الاحتلال والتحقيق، وما رافقه من تدهور حالته الصحية، أفاد:

“أجبرونا على وضع رؤوسنا بين أرجلنا في وضعية انحناء مؤلمة، وأيدينا مربطة من الخلف بأربطة بلاستيكية، وسط استمرار الشتائم المهينة والبذيئة. بعد وقت قصير، دخل ضابط إسرائيلي وجلس على كرسي أمامنا، وبدأ التحقيق معنا واحدًا تلو الآخر. بعد انتهاء التحقيق، أخذ الجنود 10 منّا إلى جهة مجهولة، ولا أعلم حتى الآن مصيرهم، بينما نحن التسعة المتبقين، تم نقلنا إلى مركبات عسكرية (جيبات) أقلّتنا نحو معبر كرم أبو سالم. عند وصولنا إلى المعبر، كان في انتظارنا جنود آخرون وباص صغير. وقبل الصعود إليه، أجبرونا على خلع جميع ملابسنا تمامًا، ثم أعطونا “أفرهول” أبيض اللون وأمرونا بارتدائه. بعدها قاموا بتعصيب أعيننا، وربطوا أيدينا وأقدامنا بأربطة حديدية، ثم صعدنا إلى الباص.

خلال الطريق نحو سجن “سديتمان”، تعرضنا جميعًا للضرب المبرح بالأيدي وبمؤخرات البنادق، وسط صرخات وآلام شديدة، وصلنا إلى السجن في ساعات متأخرة من مساء نفس اليوم، وهناك فكّوا عنا العصبات والأربطة، وأمرونا بخلع الأفرهولات، ثم أعطونا ملابس رمادية (بيجامات) وشباشب بسيطة. نقلونا إلى بركس يحمل الرقم 4، حيث بقينا بأيدينا مقيدة من الأمام بالأربطة الحديدية، وتم فقط فك العصبات عن أعيننا والأربطة عن أقدامنا. في صباح اليوم التالي، جاء الجنود وأخذوني لوحدي، وبقي الثلاثة الآخرون داخل البركس. اصطحبوني إلى مكان يُدعى “الديسكو”، وخلال الطريق، وبينما كنت أسير، سيطر عليّ الخوف الشديد والتفكير بأهلي ومصيرهم، حتى أصبت بحالة تشنج وعدم قدرة على الحركة. صرخ بي أحد الجنود قائلاً: “قوم، امشِ! أنت بتمثّل علينا يا … يا ابن ..، بس قادر تعمل 7 أكتوبر؟!”

ثم جلب لي كرسياً متحركاً، ونقلوني إلى طبيب لفحصي، حيث قام بفحصي وفحص عيناي باستخدام جهاز. بعد ذلك، نقلوني إلى غرفة تحقيق، وقاموا بتقييدي بكرسي خشبي. كان في الغرفة محققان، أحدهما يرتدي الزي المدني والآخر العسكري. خلال التحقيق اعتدى عليّ أحدهم باستخدام هراوة، ضربني على قدميّ وظهري، وصفعني على وجهي، وبدأت أسمع طنينًا في أذني اليسرى. استمر التحقيق لمدة تقارب تسع ساعات. حاولوا ابتزازي عاطفيًا باستخدام والدتي، حيث سألني أحدهم أنت مشتاق لمين؟” فأجبته: “لأمي، ونفسي أشوفها.” فعرض على صورتها، ثم قال لي: “بما إنك كذبت علينا، سيتم اعتقالك لمدة عام ونصف، وسنأتي بها إلى هنا، وسنضعها في قسم الرجال، وسيتعرضون لها بالاغتصاب حتى ينجبوا منها أولادًا. وسنطلق النار عليها أمامك، وهذا سيجعلك تفقد عقلك، وسنُخرجك من هنا مجنونًا.” بعد انتهاء التحقيق، أعادوني إلى ما يُعرف بـ “الديسكو”. في هذا المكان، كانوا يشغّلون موسيقى صاخبة جدًا طوال الوقت، لدرجة أنني شعرت أن أذنيّ ستنشقان من شدة الصوت، وكأن طبلة أذني ستُثقب، وقد أفقد السمع نهائيًا من هذا الضجيج المستمر، وسط هذا العذاب، لم أتمالك نفسي فكنت أبكي باستمرار. وعندما كان أحد الجنود يراني في هذه الحالة، كان يأتي إليّ ويقوم بالاعتداء عليّ بالضرب بيديه وبالهراوة. في اليوم الثالث، اقتادوني إلى غرفة تحقيق أخرى. استمر هذا التحقيق حوالي 7 ساعات، لكنها كانت متقطعة على مدار اليوم. ثم نقلوني على كرسي متحرك، ولم يُرجعوني إلى “الديسكو”، بل توجهوا بي إلى زنزانة انفرادية مساحتها لا تتجاوز 2×2 متر، وبداخلها حمام. أحضروا لي الطعام، لكنني كنت أعاني من حالة نفسية صعبة جدًا، فلم أتناول أيًا من الوجبات المقدمة. بقيت داخل الزنزانة ثلاثة أيام، وبعدها أعادوني إلى “الديسكو”، ومن ثم نُقلت إلى البركس.  لاحقا نقلوني إلى بركس 7 “أ”، وبقيت ثلاثة أيام متواصلة بسبب عدم قدرتي على الحركة، إلى أن تفاقمت حالتي بشكل مفاجئ. أصبت بنوبة تشنج شديدة، وبدأ جسدي يتحوّل إلى اللون الأزرق، مما أثار الذعر بين أصدقائي. أسرعوا بإحضار قارورة ماء وغسلوا وجهي، وفي أثناء ذلك دخل الماء إلى أذني اليسرى، ومنذ تلك اللحظة فقدت السمع فيها تمامًا. حين رأى أحد المعتقلين حالتي، بدأ بالصراخ:” هاتوا دكتور!” لكن لم يستجب أحد. فخلع قميصه ومزّقه، ثم حاول شنق نفسه تهديدًا للسجانين كي يحضروا طبيبًا. عندها فقط حضر عدد من “الكباتن” وتمكنوا من إيقافه، وبعد نحو ساعة كاملة، أحضروا طبيبًا. أخرجوني من البركس، وكنت أشعر بروحي تخرج من جسدي، بالكاد أتنفس. قام الطبيب بقياس الضغط وقال: ” أنت تمام.” وأعطاني فقط حبّة مسكن واحدة، دون أي سوائل أو محاليل، ودون تقديم علاج حقيقي لحالتي.

ثم أمروا الشاويش بإعادتي إلى داخل البركس. في اليوم التالي، وخلال محاولة أصدقائي التخفيف عني من خلال المزاح معي وتدليك يدايّ وقدمايّ، كانوا يضحكون ويرفعون أصواتهم قليلًا لتغيير الأجواء داخل البركس.لكن في تلك الليلة، تفاجأنا بدخول عدد كبير من الجنود، يحملون هراوات كهربائية ويُهددوننا بها. ثم بدأوا الاعتداء علينا بالضرب الشديد بأيديهم وأقدامهم، وألقوا قنابل داخل البركس المغلق. لم تكن هذه الحادثة لمرة واحدة، بل استمر هذا الاعتداء كل ليلة تقريبًا، لمدة أسبوع كامل، خلال ساعات المساء، أو خلال تناولنا لوجبة الغداء، وأحيانا يلقونه على الأرض ولا نتناوله. وبعدها بدأت أعاني من أذني التي لم أعد أسمع فيها شيئا، وطلبت منهم علاجها، فكانوا يأخذون اسمي يوميا مرتين أو ثلاثة أو أربع ويعدوني بحضور الطبيب لكن دون جدوى.

خلال تواجدي في البركس، بدأوا لاحقًا بإحضار بعض الأطفال المعتقلين مثلنا. سألناهم عن الأوضاع في غزة، فأخبرونا بأن المجاعة اشتدت ولا يوجد طحين أو دقيق، كما أخبرونا عن وجود هدنة محتملة إلى أن افرج عني مع آخرين في 24/7/2025″.

طفل آخر طلب عدم ذكر اسمه خشية تعرضه للإيذاء من قوات الاحتلال أوضح ظروف اعتقاله قائلاً:

“أثناء توجدنا في مكان به مكعبات باطون قرب مركز توزيع المساعدات، نحتمي خلفها، شاهدنا دبابة وجرافة وجيبات صغيرة، ثم جنود بجوارنا فخفنا وخرجنا ما عدا شابين وفتاة، واعتقلوهم الجنود، وتراجعنا إلى الوراء فوق تل مرتفع وكنا 8 أشخاص وجاءت كواد كابتر وظلت فوقنا حوالي ساعة، وكان على بعد عشرات الأمتار جنود على تل قبالنا وأطلقوا أمامنا عدة أعيرة نارية. نزلنا نحو الجنود ورفعنا أيدينا والأكياس اللي معنا إلى مكان مفتوح، وصرنا 10 أشخاص وبنت، وأجبرونا على خلع ملابسنا ما عدا البوكسر وفتشونا وأخذوا الجوالات منا، ثم طلبوا أن نلبس الملابس، والبنت فتشها جندي دون أن تخلع ملابسها (وضع يديه على جسمها من فوق الملابس)”.  

كما تحدث عن الانتهاكات التي تعرض لها أثناء الاعتقال والاحتجاز قائلاً:

“نقلونا إلى مكان مساحته دونم محاط بسواتر رملية وحيطان باطون وفيه جيبات عسكرية، أجبرونا أن نخلع ملابسنا أما بعضنا، عراة بالكامل، وقام جندي بتصوير كل واحد عدة صور، وأخذ جندي المرأة والبنت خلف الباطون ولم نعرف كيف فتشوهن. كتب الجنود على أيدينا أرقام. أفرج عن عدد منا وبقينا 20 شخصًا بطونا بمرابط بلاستيك وغموا عينينا. شعرت أنهم خلص حيعدمونا (هيك فكرت)، ثم نقلونا في الجيبات إلى مبنى قيد الإنشاء وعرفت أنه مستشفى حمد في حي تل السلطان في رفح (تمكنت من النظر من تحت العصبة) ولما شاهدني جندي ضربني بيده على ظهري، وأوقفونا أمام مبنى المستشفى، وبدأ الجنود يطلقوا النار بين أرجلنا لتخويفنا، ثم أدخلونا إلى داخل مبنى المستشفى، وأبقوا 14 في الطابق الأول، وأخدوني مع 5 آخرين إلى الطابق الخامس (الطوابق العلوية)، وأمسكني أحد الجنود من رقبتي ورجلي وأبلغني أنه سيلقيني من فوق إلى الأرض، وجاء جندي آخر أخدني منه وبدأ يحقق معي ويسألني عن منطقة سكني وعن خيام النازحين، وعن أفراد حماس. رديت مش عارف أنا لسه ولد صغير وكل وقتي الدراسة والدار، قلي أنت كذاب، وربطني بحبل من خلف الرقبة والقدمين ورماني من فوق الطابق الخامس وقلت خلص متت وحسيت بخوف غريب، ولكن الحبل المربوط بآلة (يمكن منوف) لم يصل إلى الأرض وبقي مرتفعا عنها حوالي نص متر، وبعدها سحبني لفوق وقلي حقتلك (سوف أقتلك). تركني ورجع بعد ربع ساعة ورجعني عند الأشخاص الخمسة المعتقلين معي في الطابق الخامس، وبقينا حتى الساعة 02:00 فجر اليوم التالي، وأفرجوا عن 14 شخصا منهم المرأة، وبقينا ستة نقلونا في جيبات عسكرية كل 3 مع بعض إلى محور فيلادلفيا في رفح وأنزلونا في موقع تجمع شاحنات أعتقد أنه شرق رفح.

وعن التعذيب خلال الاحتجاز أضاف أحد الأطفال المفرج عنهم:

“أنزلونا من الجيبات وأخدني جندي بين تنكين ميه (خزانين مياه) وبدأ يضربني بيديه وعصى معه ويشلحني ملابسي وقلي انت حماس وشاركت في 7 أكتوبر قلت له لا ثم أعطاني لبس أبيض (افرهول) وربطني بكلبشات حديد في اليدين والرجلين والقوني مع بقية المعتقلين الخمسة على أرض فيها حصمة وضربنا الجنود بأيدهم وبساطيرهم حوالي ساعة. ثم جاء باص ونقلونا فيه ونحن مقيدين، وربطوني مع معتقل آخر بمربط حديد إضافي في ذراعينا، وبعد حوالي ساعة توقف الباص ونزلونا في مكان وأعطونا ملابس (بوكسر وبنطلون أبيض وبلوزة رمادية) ووضعوا كل واحد في قفص من الحديد مساحته متر في متر، ولا تستطيع التمدد فيه والنوم بشكل مريح، بقيت فيه 3 أيام دون تحقيق، وكان الأكل فيه 3 وجبات قليلة جداً وكل وجبة 4 قطع ليخم ( خبز فينو) وخيارة أو بندورة أو تفاحة، والخبز كأنه معفن، ومسموح الذهاب إلى الحمام ولكن وقت قصير جداً لا تنهي البول أو قضاء الحاجة. بعد 3 أيام نقلوني إلى طبيب وسألني ايش عندك أمراض وقلت له عندي جيوب أنفية وفي شظايا في جسمي من قصف سابق، ولم يعطيني علاج، وبعدين أرسلوني إلى قفص أكبر يوجد فيه أربع غرف فوق سقفها الحديد الشبك بركس كبير والأرضية باطون وفيها سراير بدون فرشة وأرضيتها مثل العظم وكنا نجبر على أن نبقى جالسين طول اليوم على السرير وممنوع تنزل وبطانية واحدة.

تعرضت للضرب على رأسي من جندي بالعصا أثناء وجودي في الغرفة بحجة النظر إلى الكباتن (الضباط)، وشتمني ابن زناة ابن شرموطة. وفي الغرفة مرة جاء جندي وقلى أمسح الغرفة بدون قشاطة وماءومسحوق مسح قليل ومسحتها بواسطة حذائي وتعبت وتبهدلت”. بعد 3 أيام نقلت إلى غرفة باطون 7 متر في 4 متر وقعدت فيها 4 أيام وكأنها كاينت فقاسة صوصان أو أرانب فيها 4 كشافات إنارة صفر كبار وحارة جداً، وفيها 25 معتقلا، وفي هذه الغرفة تعرضنا للقمع من القوات الخاصة 5 مرات، قنابل صوت وضرب بالعصي وصعق بعصي الكهرباء وتكون القمعة الساعة 2:00 الفجر وتستمر ساعتين من الضرب والرعب والصوت العالي المزعج، ولا تزال آثار الصعق بالكهرباء ظاهرة على يدي اليسرى. في هذه الغرفة أصبت بشد عضلي في كل جسمي وتشنجات ونزيف مرتين من الأنف بسبب معاناتي من الجيوب الأنفية ولم يتم علاجي وعندما طلبت العلاج قال لي الجنود أشرب ميه ووقف النزيف بالماء، وأصيب المعتقل عماد أبو طعيمة بإغماء متكرر وبطل يسمع وكان يفكر في أهله كتير ونفسيته تعبت.

وعن ظروف التحقيق التي خضع لها أفاد الطفل المفرج عنه بما يلي:

“بعد مرور 4 أيام في هذه الغرفة نقلت للتحقيق من الساعة 6:00 صباحاً، وحتى الساعة 07:00 مساءً عند الاستخبارات وعلى مدار أسبوع كامل كل يوم جلسة 4 ساعات غير متواصلة وباقي الوقت انتظار ونقل في سيارة عسكرية، والتحقيق حول حماس والانفاق والأسرى، والكاميرات والعبوات وتحديد المنازل في منطقة سكني، وطبعاً إجاباتي لا تعجب المحقق لأنني لا أعرف شيئاً من أسئلته، فكان يضربني بيديه وانا مقيد اليدين والرجلين وفي كرسي، وأحياناً التحقيق ترغيب وبدون عصبية أو ترهيب بسب ما يعرفه من معلومات حول عائلتي وشجرتها بالتفصيل فتشعر بالخوف عليهم، وقال لي أنت في سجن سديه تيمان. بعد انتهاء التحقيق نقلت إلى غرفة الديسكو وفيها أغاني عبرية بصوت مرتفع ومكيف هواء ساخن ومعصوب العينين ومقيد اليدين والرجلين في ماسورة طوال الوقت وبقيت فيها 7 أيام على الأرض، والطعام فيها قليل جداً وسيئ جداً وتأكل وأنت مقيد اليدين”. ثم أعادوني إلى الغرفة السابقة ومكثت فيها حتى الإفراج عني. بعد وصولنا إلى مستشفى ناصر، فحصني الأطباء، وكنت أعاني من ضيق تنفس وشد عضلي شديد، وبعد صور الأشعة وعمل تبخيرة تنفس لي تحسنت بعض الشيء، ثم وصل والدي وأقاربي وأخدوني معهم على خيمتن”.

هذه الاعتقالات والشهادات تؤكد أن الاحتلال يستهدف الأطفال الفلسطينيين بلا تمييز، حتى وهم في لحظة ضعفهم وحاجتهم الأساسية إلى الغذاء، حيث إنهم يضطرون تحت وطأة التجويع الشديد إلى محاولة الوصول لمركز المساعدات على أمل الحصول على ما يقيتهم مع أسرهم، وكل ذلك يعكس حجم الانتهاكات الجسيمة والخطيرة التي تتعرض لها حقوق الأطفال في الأرض الفلسطينية المحتلة.

ما حدث مع الأطفال، يدلل من جديد أن قوات الاحتلال حوّلت مراكز توزيع المساعدات التي أقامتها في مناطق خطيرة تحت سيطرتها، في قطاع غزة إلى مصائد مَوتٍ تُنصَب للمدنيين العُزّل، ومن بينهم الأطفال، بدلاً من أن تكون ملاذات آمنة توفر أقل مقومات الحياة الأساسية.

ما تعرض له الأطفال، هو نمط متكرر يواجهه المدنيون المجوعين، الذين يطلب منهم الاحتلال التوجه لنقاط توزيع المساعدات التي يديرها، وهناك يجدوا أنفسهم بين خيارات صعبة، إما القتل بالرصاص، وإما الإصابة بجروح، وإما الاعتقال والتعرض للتعذيب وإما العودة ببعض المساعدات أو بدونها لكن محملين بإذلال وامتهان للكرامة الإنسانية.

ومنذ انطلاق عمل هذه المراكز، في أوائل مايو الماضي، قتلت قوات الاحتلال 1,121 فلسطينيا، 14 % منهم من الأطفال، وأصابت أكثر من 7,485 آخرين.

يعيد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التأكيد أن آلية توزيع المساعدات في هذه المراكز تفتقر إلى أبسط مبادئ العمل الإنساني، وتخدم مشروعًا سياسيًا وعسكريًا للاحتلال يهدف إلى قتل المدنيين، تعزيز سياسة التجويع، وتسهيل التهجير الجماعي الذي أعلن عنه رسميًا في فبراير 2025.

وإذ يدين المركز بأشد العبارات استهداف الأطفال في مراكز توزيع المساعدات، التي يفترض أن تكون ملاذاً آمناً لهم وسط الأوضاع الإنسانية الصعبة، وفي كل مكان في قطاع غزة، يطالب المجتمع الدولي بالعمل الجاد والفوري لوقف هذه الانتهاكات، ومجمل الإبادة الجماعية، والإفراج عن جميع الأطفال المعتقلين، واحترام حقوقهم الإنسانية والقانونية وفق القوانين الدولية ذات الصلة.

كما يطالب المجتمع الدولي والجهات المعنية بضرورة الضغط الفوري على إسرائيل للامتثال لأوامر محكمة العدل الدولية، والتي تُلزم إسرائيل باتخاذ تدابير فورية وفعّالة لضمان توفير المساعدات الإنسانية الأساسية للفلسطينيين في قطاع غزة، وفتح المزيد من المعابر البرية بشكل دائم لتسهيل دخول هذه المساعدات دون عوائق أو قيود.

اشترك في القائمة البريدية