المركز الفلسطيني: تصعيد خطير في جرائم قتل المجوّعين .. الاحتلال يقتل 81 مواطنًا خلال محاولتهم الحصول على الطحين شمال غزة

قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، 81 مواطنًا فلسطينيًّا، بينهم 11 طفلاً وأصابت مئات آخرين، خلال محاولتهم صباح الأحد الموافق 20 يوليو 2025، الحصول على القليل من المساعدات شمال غربي غزة. هه الجريمة وقعت في لحظة تتعمق فيها المأساة الإنسانية بفعل سياسة التجويع التي يعتمدها الاحتلال كأداة أساسية في تنفيذ الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

تدلل هذه الجريمة، أن قوات الاحتلال تستمر في تحويل كل محاولة للحصول على الطعام في قطاع غزة إلى مجزرة جماعية. كل نقطة توزيع وكل شاحنة مساعدات وكل سوق وتكية طعام، تحولها تلك القوات إلى ساحة قتل جماعية مفتوحة. لم يكن آلاف المدنيين الذين تجمعوا في تلك المنطقة يشكلون أي تهديد أمني أو خطر. كانوا يبحثون عن طعام يقيهم ويقي أطفالهم الموت جوعًا. ومع ذلك، أطلقت القوات المحتلة النار والقذائف عليهم، في استمرار واضح لنهج ممنهج يستهدف المجوعين.

الجريمة الجديدة، وقعت عند حوالي الساعة 08:00 من صباح يوم الأحد، بعدما فتحت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتها الرشاشة من زوارقه الحربية، وآلياتها العسكرية، إلى جانب طائرات “كواد كابتر” والجنود خلف السواتر الترابية، نيران الأسلحة الرشاشة بشكل مباشر صوب حشد من المواطنين العزّل الذين كانوا ينتظرون منذ الساعات الأولى للفجر دخول شاحنات المساعدات الإنسانية عبر معبر زكيم، وذلك على الطريق الساحلي شمال غربي بلدة بيت لاهيا بمحافظة شمال غزة. أسفر ذلك عن مقتل 81 مواطنًا بينهم 11 طفلًا، وإصابة 374 آخرين بينهم 7 أطفال، فيما يدور الحديث عن مفقودين تعذر انتشالهم مع اشتداد إطلاق النار والقصف الإسرائيلي على المنطقة. كما اعتقلت قوات الاحتلال واحتجزت عشرات المواطنين، وأفرجت عن أعداد منهم بعد عدة ساعات.

ووفق المعلومات والشهادات التي تلقاها طاقم المركز، فإن آلاف المدنيين المجوّعين تجمعوا منذ فجر الأحد شمال غربي غزة، بانتظار مرور شاحنات المساعدات على أمل الحصول على لقمة العيش، وبعد مرور الشاحنات من التفتيش الإسرائيلي وخلال تجمهر المواطنين حولها جرى استهدافهم من قوات الاحتلال بشكل مباشر دون أن يشكلوا أي تهديد أو خطر على حياة القوات الإسرائيلية المتحصنة في آلياتها العسكرية أو خلف السواتر الترابية.

وفي هذا الصدد، أفاد برنامج الغذاء العالمي، أن قافلة تابعة له مكونة من 25 شاحنة محملة بمساعدات غذائية حيوية عبرت نقطة زيكيم الحدودية متجهة إلى شمال غزة، وبعد وقت قصير من اجتياز نقطة التفتيش الإسرائيلية الأخيرة بعد معبر زيكيم إلى غزة، واجهت القافلة حشودًا كبيرة من المدنيين الذين كانوا ينتظرون بقلق للحصول على الإمدادات الغذائية التي يحتاجون إليها بشدة. ومع اقتراب القافلة، تعرض الحشد المحيط بها لإطلاق نار من الدبابات الإسرائيلية وقناصة ونيران أخرى الذي أسفر عن إزهاق أرواح، وإصابة أعداد كبيرة بجروح تُهدد حياتهم.1

وفي إفادته لباحثة المركز، روى أحد المصابين ما حدث قائلا:

“المكان كان يعج بمئات المواطنين افترشنا الأرض منذ ساعات الفجر الأولى على أمل الحصول على كيس طحين أو بعض المعلبات لسد رمق أطفالنا الذين أنهكهم الجوع. لم نكن نُشكّل أي خطر، كنا فقط ننتظر الطعام… فجأة بدأ إطلاق نار كثيف من كل تجاه، لم نعرف من أين نهرب، أخذت الأرض ساترا نظرت حولي تفاجـأت بالجثث الملقاة. حاولت أن أقف لم أستطع، شعرت بألم في ساقي وعلمت أنني مصاب، وبدأت أزحف مبتعدًا عن الجثث التي كان عددها كثيرا”.

كما أفاد المواطن محمد ماهر لبد، وهو من الناجين أيضًا تفاصيل ما شاهده لطاقم المركز قائلا:

“هذه هي المرة الأولى التي أقرر فيها الذهاب بنفسي للحصول على كيس طحين. عند وصولي إلى منطقة السودانية، انضممت إلى مجموعة من الناس. ما هي إلا دقائق قليلة، حتى سقطت قذيفة مدفعية على تجمع كبير من الناس في وسط الشارع، تلتها أصوات إطلاق نار كثيف من دبابات وطائرات مسيّرة، الأمر الذي دفع الجميع للانبطاح ومحاولة الاحتماء خلف أي ساتر، سواء كان جدارًا متهدمًا أو كومة رمل أو حتى بقايا أبنية مهدمة. شاهدت عددًا من المصابين، أحدهم كان مصابًا في البطن وآخر في ساقه، وكانوا ينزفون بينما لا يستطيع أحد إسعافهم نتيجة استمرار إطلاق النار. الطائرات الحربية كانت تحلق بشكل منخفض محدثة ضجيجًا مرعبًا يزيد من فزع المتواجدين. بعد حوالي 10 دقائق توقف إطلاق النار، وبدأت جثامين الشهداء والمصابين تصل محمولة على عربات تجرها حمير أو عبر “تكاتك”. اندفع الناس من جديد نحو ما اعتقدنا أنها الشاحنات، لنكتشف لاحقًا أن ما كنا نظنه غبار الطحين لم يكن إلا دخانًا مفتعلًا من الدبابات. مع اقترابنا من الشاحنات، عاد إطلاق النار، مما اضطرنا للانبطاح مجددًا، هذه المرة على الطريق المكشوف دون أي حماية سوى أجسادنا. زحفنا لمسافات طويلة لنعود إلى منطقة آمنة نسبيًا قرب “بيانكو”. وبعد لحظات، ظهر زورق حربي قبالة الساحل، ما زاد الهلع وأدى إلى هروب جماعي جديد وسط وابل من النيران.

رغم الخطر، أصررت على البقاء في المنطقة على أمل العودة بكيس طحين لعائلتي التي تنتظرني، وخاصة طفلتي الرضيعة. مع حلول الدفعة الثانية من الشاحنات، وجدت أن معظمها محمل بجثامين الشهداء والمصابين، وبعضها يجره حمار، والبعض الآخر “تكاتك” مغطاة بغبار الطحين ودماء الضحايا. عندها، حكمت صوت العقل، وقررت أن أعود إلى زوجتي وطفلتي، بعد أن أدركت أن المحاولة قد تكون انتحارًا في ظل استمرار المجازر”.

هذه الجريمة لا تأتي بمعزل عن سياقها. فهي حلقة جديدة في سلسلة متصاعدة من جرائم القتل الجماعي التي تستهدف المدنيين أثناء سعيهم للحصول على لقمة العيش، فقد قتلت قوات الاحتلال قرب نقاط توزيع المساعدات التي تديرها فقط نحو ألف مواطن وأصابت أكثر من 6 آلاف آخرين، وذلك بالتزامن مع تفاقم الأوضاع الإنسانية ووصول مستويات المجاعة إلى مرحلة غير مسبوقة.

ومنذ 2 مارس الماضي، شددت قوات الاحتلال حصار قطاع غزة، ومنعت دخول الإمدادات الغذائية والطبية والإنسانية، وأبقت آلاف الشاحنات عالقة على معبر رفح، في سياسة متعمدة لإخضاع السكان وفرض ظروف معيشية تستحيل معها الحياة الآدمية. التجويع هنا ليس نتيجة ثانوية للحرب، بل وسيلة إسرائيلية مقصودة لإرغام الناس على الاستسلام والخضوع عبر قتلهم جوعًا أو قتلهم بالرصاص حين يحاولون النجاة، ودفع من يبقى للتهجير القسري خارج القطاع.

يجدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تحذيره من أن قطاع غزة دخل بالفعل في كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث يواجه الآلاف، وربما عشرات الآلاف من المدنيين، خطر الموت الوشيك جراء الجوع القاتل خلال الأيام القريبة المقبلة.

وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الصحة تسجيل 18 حالة وفاة بسبب المجاعة في غزة خلال 24 ساعة، وأن المجاعة وسوء التغذية في غزة تسببت في وفاة 86 حالة وفاة (76 طفلًا و10 بالغين).2

يحمل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بجميع هيئاته مسؤولية فورية ومباشرة، ويطالب بتحرك عاجل وفعّال لوقف سياسة الإبادة عبر التجويع، وإلزام دولة الاحتلال بفتح المعابر والسماح بدخول الإمدادات فورا دون قيود، وتوفير ممرات إنسانية آمنة، ومحاسبة كل من تورط في هذه الجرائم التي تهدد بمحو حياة جيل كامل.

كما يطالب الأمم المتحدة وهيئاتها، وخاصة المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء، بالتحرك العاجل لإجراء تقييم ميداني شامل للوضع في قطاع غزة، وعدم الانتظار لإعلان قطاع غزة رسميًا منطقة مجاعة من الدرجة الخامسة.

ويطالب المركز المجتمع الدولي بوقف سياسة التجويع فورًا، وفرض آليات حماية عاجلة للسكان المدنيين، ومحاسبة كل من تورط وأصدر أوامر بتنفيذ هذه الجرائم المتكررة.


  1. برنامج الغذاء العالمي، الصفحة الرسمية على اكس، بيان صحفي، 20/7/2025. الرابط ↩︎
  2. وزارة الصحة، الحساب الرسمي على تلغرام، 20/7/2025. الرابط ↩︎

اشترك في القائمة البريدية