مرة أخرى تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي، على قصف واستباحة دور العبادة في قطاع غزة وقتل وإصابة المدنيين فيها. هذه المرة باستهداف جديد ومباشر، لكنيسة العائلة المقدسة (دير اللاتين) في مدينة غزة. هذا القصف وقع بينما كان مئات المدنيين يلتمسون الحماية داخل الكنيسة، وأسفر عن مقتل ثلاثة منهم وإصابة ستة آخرين، من بينهم راعي الكنيسة الأب غابرييل رومانيللي. هذا الهجوم يأتي امتدادًا لنهج إسرائيلي متكرر في استهداف دور العبادة، مساجد وكنائس، وتدميرها أو قصفها بما في ذلك في أوقات احتضانها لمصلين ونازحين باحثين عن الأمان.
ووفق المعلومات التي جمعها طاقم المركز، فعند حوالي الساعة 10:12 صباحًا، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي قذيفة مدفعية أصابت الجهة العلوية من مبنى الكنيسة وتناثرت شظاياها داخل المجمع، ما أدى إلى مقتل ثلاثة مواطنين وهم: سعد سلامة (60 عامًا) وفوميا عياد (80 عامًا)، ونجوى ابراهيم عواد (75 عاماً)، وإصابة ستة آخرين بعضهم وصفت حالتهم بالخطيرة.
وألحق القصف أضرارًا جسيمة بمجمع الكنيسة الذي يضم في داخله نحو 600 نازح ونازحة، بينهم 54 شخصًا من ذوي الإعاقة لجأوا إلى المكان بعد تدمير منازلهم، بحسب ما أفادت به بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية. 1وقد اضطر العديد منهم إلى الإخلاء تحت القصف، فيما عجز بعضهم عن أخذ أجهزة التنفس والمعدات الطبية التي يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة، ما يضع حياتهم في خطر مباشر.
وأفادت زميلتنا ريم الصوري النازحة في الكنيسة بما يلي:
“لجانا الى الكنيسة بحثا عن مكان آمن من تاريخ 13/10/2023 حتى الان وقد فقدنا بيتنا كما معظم العائلات الموجودة بالمكان فقدوا منازلهم وليس لدينا مكان نلجا اليه ….وقد رفضنا سابقا النزوح للجنوب وبقينا بحماية الكنيسة املا بالنجاة والسلامة كونها مكان معروف للجميع وكل من نزح اليها هم من العائلات المسيحية وجميعنا مدنيين مسالمين ننتظر ان ننجو بسلام من هذه الحرب المجنونة .
لقد كان حدث اليوم عصيبا وقاسيا علينا من لحظة القصف وسماع اصوات النساء والاطفال ومشاهدة الخوف والرعب في عيون الجميع وقد حاولنا مساعدة المصابين وتطمينهم بانهم سيكونوا بخير ونحن نعلم بدواخلنا بأن بعض الاصابات كانت صعبة فقد شاهدت السيدتين وهما على الارض في وضع صعب وشاهدت مصابا وهو ينزف بكثرة وهو جالس على كرسيه الخشبي ومن أمامه آخر وهو مغمى عليه في كرسيه المتحرك ويبدو انه كان يبادل صديقه الحديث ….ومنظر الشاب المهذب سهيل ابو داوود صاحب الخلق الرفيع وهو ملقى على الارض ينزف دما ويبدو ان وجوده امام الخوارنة الاب يوسف والاب غبرائيل خفف عنهم الضربة ليتلقى صعوبتها عنهم” .
وتضم كنيسة المستهدفة عشرات المسيحيين الذين نجوا من القصف الذي استهدف كنيسة الروم الأرثوذكس. بعد أن دمّر الاحتلال الكنيسة وقتل وجرح من كان بداخلها، في قصف سابق، لجأ الناجون إلى دير اللاتين الذي فتح أبوابه لهم ووفّر لهم الحماية والرعاية طوال الأشهر الماضية.
وقد علم طاقم المركز، أن راعي كنيسة دير اللاتين ظلّ على تواصل مستمر مع البابا في الفاتيكان منذ اليوم الأول للهجوم العسكري الإسرائيلي وحتى وفاته، وكان البابا يتّصل يوميًا للاطمئنان على أوضاع المسيحيين وعلى سكان غزة عمومًا، في موقف إنساني ورسولي يعكس عمق التضامن الروحي مع شعب يتعرض للإبادة.كما عبر بابا الفاتيكان الحالي البابا ليو عن حزنه، لمقتل مواطنين في أعقاب غارة إسرائيلية على الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في قطاع غزة.
هذا الاستهداف ليس معزولًا، بل يأتي في سياق ممنهج لا يفرّق بين مسلم أو مسيحي، مسجد أو كنيسة. الاحتلال لا يستثني أحدًا في عدوانه، وكل فلسطيني في غزة هو هدف مباشر في حرب الإبادة الجماعية المستمرة.
ووثق المركز منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 21 شهرًا على قطاع غزة تدمير قوات الاحتلال مئات المساجد وإلحاق أضرار بثلاث كنائس على الأقل، في سياق نمط واضح يستهدف الفلسطينيين بكل مكوناتهم ويشكّل جزءًا من سياسة أوسع للإبادة الجماعية والمحو من الوجود، بما فيها تدمير واستهداف المعالم الحضارية والتعبدية والروحية. هذه الاعتداءات تمثل انتهاكًا صارخًا للحماية الخاصة المقررة للأعيان الدينية بموجب القانون الدولي الإنساني.
فقد سبق أن قصف قوات الاحتلال في 19 أكتوبر 2023، كنيسة القديس برفيريوس، وهي إحدى أقدم الكنائس في العالم، بجوار المستشفى الأهلي في مدينة غزة، وكانت تضم عشرات النازحين. وفي حينه قصفت طائرات الاحتلال بصاروخين مبنى الوكلاء التابع للكنيسة المكون من طابق أرضي، ما أدى إلى مقتل (18) شخصاً، بينهم (8) أطفال، و(5) نساء إضافة إلى عشرات الجرحى.
إن كنائس غزة ومساجدها التاريخية ليست مجرد أماكن عبادة، بل تمثّل رمزية حضارية ودينية وتاريخية عميقة. واستهدافها يمثل جريمة بحق التراث الإنساني والمقدسات الدينية، ويكشف عن الطبيعة التدميرية للاحتلال تجاه كل ما هو حضاري وحي ومقدّس في غزة.
يطالب المركز المجتمع الدولي، بتحمّل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية والتحرك الفوري لوقف جريمة الإبادة الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين، وضمان حماية حقيقية للأماكن الدينية ودور العبادة.
يؤكد المركز أن استمرار الصمت الدولي على هذه الجرائم يفتح الباب واسعًا أمام مزيد من الاعتداءات بحق المدنيين ودور العبادة، ويشدد على أن حماية هذه الأماكن واجب قانوني وأخلاقي لا يقبل التهاون أو التأجيل.