الهيئة المستقلة تصدر ورقة حقائق حول أوضاع النساء الفلسطينيات 2018

بمناسبة الثامن من آذار تتقدم الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" بالتهنئة للفلسطينيات كافة في الوطن والشتات، وتؤكد في هذا اليوم على ضرورة مواصلة الجهود الوطنية لرفع مكانة المرأة وتعزيز مشاركتها في المجتمع، وتنتهز الهيئة هذا اليوم العالمي للتأكيد على أن المرأة الفلسطينية شريكاً أساسياً في النضال الوطني والاجتماعي لبناء الدولة وتحقيق المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية.

تهدف هذه الورقة إلى تقديم لمحة موجزة حول أوضاع النساء الفلسطينيات، والتي تبين وجود فجوة في المشاركة ناتجة بسبب التمييز على أساس الجنس، في عدة مجالات، إضافة إلى الانتهاكات الإسرائيلية بحق المرأة في مختلف الحقوق.

مقدمة

شكلت النساء في نهاية العام 2018 قرابة نصف عدد السكان المقدر بحوالي 4.85 مليون فلسطيني (2.46 ذكور و2.38 اناث)، ورغم هذه النسبة المتقاربة فإن واقع النساء يشير إلى تكّون فجوة التمييز وعدم المساواة بين الجنسين، وبموجبها لا تتمتع النساء بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها الرجال، ويعود ذلك للعديد من الأسباب التي بُنيت نتيجة لعلاقات القوة داخل المجتمع الفلسطيني، كالتشريعات المميزة، والسياسات العمياء للنوع الاجتماعي، والمنظومة الثقافية والسياق التاريخي للمجتمع الفلسطيني.

أولاً: انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق المرأة

تتعرض المرأة الفلسطينية للانتهاكات المتواصلة من قبل سلطات الاحتلال وسياساته التمييزية وإجراءاته التعسفية والتهجير القسري نتيجة لهدم المنازل، والاعتقالات التعسفية وآثار جدار الضم والتوسع الاستيطاني، والحواجز العسكرية والحصار المشدد المفروض على قطاع غزه والتشتت الأسري، مما يجعل النساء الفلسطينيات يتكبدن أعباء اجتماعية إضافية، الأمر الذي من شأنه التسبب في انتهاك حقوقهن في الحياة والعمل والصحة والتعليم والسكن والمستوى المعيشي اللائق ولم شمل العائلات.

وتتبدى الصورة الأوضح في انتهاك الاحتلال لجميع القيم والأعراف الدولية لحقوق الإنسان ولقواعد القانون الدولي الإنساني في استهدافه لمسيرات العودة الكبرى، فقد استشهدت (5) اناث نتيجة لإطلاق الرّصاص الحيّ في قطاع غزة منذ بدء مسيرات العودة الكبرى بالقرب من الشريط الحدوديّ في قطاع غزة وحتى الجمعة الأخيرة من العام 2018. كما صعدت إدارة سجون الاحتلال انتهاكاتها واجراءاتها التنكيلية والاستفزازية بحق الأسيرات الفلسطينيات داخل معتقل الدامون والبالغ عددهن حالياً (54) أسيرة و (3) قاصرات، مكانهن المقاعد الدراسية لا السجون والمعتقلات.

وعانت الأسيرات من الإجراءات العنيفة والقاسية التي ترافقت مع من عمليات الاعتقال، عدا عن التعرض للإهانات من قبل قوات الاحتلال. كما تعاني الأسيرات من الازدحام الشديد داخل الغرف، والإهمال الطبي، وحرمانهن من زيارات الأهالي والمحامين، ومنعهن من تقديم امتحانات الثانوية العامة (الإنجاز) والجامعية وعدم إدخال الكتب، وعدم السماح بإدخال احتياجاتهن من الخارج مع الأهالي، والاعتداء عليهن من قبل قوات ما يُسمى (النحشون)، وبالإضافة إلى عذابات البوسطة والنقل إلى المحاكم، وذلك في أعقاب نقل جميع الأسيرات من سجن هشارون إلى سجن الدامون. كما ولا تزال كاميرات المراقبة موجودة في ساحة الفورة وداخل الأقسام في السجون، مما يحد من حرية حركة الأسيرات، وكانت (32) أسيرة قد امتنعن لمدة 3 أشهر عن الخروج للفورة احتجاجا على تركيب الكاميرات في سجن هشارون.

كما نفذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي (538) عملية هدم وتدمير لمنازل ومنشآت خلال العام 2018 في مختلف مناطق الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهدمت (157) بيتاَ و (381) منشأه، كما هدمت 45% منها في مدينة القدس وبلداتها، بالإضافة إلى إصدار نحو (460) إخطاراً بهدم ووقف بناء لبيوت ولمنشآت، وقد أدت عمليات الهدم إلى تشريد نحو (1300) مواطناً ومواطنه، بينهم (225) طفل وطفله، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة معاناة النساء الفلسطينيات وزيادة أعبائهن.

الانقسام السياسي

 ما زالت المرأة الفلسطينية تدفع كلفة الانقسام السياسي، وذلك على مستوى إهدار حقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، سواء لجهة تعطل إنشاء القوانين وعدم تمتعها بالحماية الكافية من القوانين السارية، أو لجهة اختلال آليات التطبيق وتقاعس السلطات النافذ عن حماية هذه الحقوق. تواجه المرأة الفلسطينية في قطاع غزة تحديات عديدة أبرزها ارتفاع حالة الفقر والبطالة، واستمرار تشرد العائلات المهدمة جراء العدوان، وانتشار الامراض لدى النساء، وعدم تمكنهن من الوصول للخدمات الصحة الجيدة والأمنة.

 لقد أدى الانقسام الداخلي إلى انقسام قضائي وتشريعي وتفتت في النسيج الاجتماعي الأسرى وتزايد في نسبة القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة والعنف ضد النساء. فقد ساهم الانقسام في تعطل أعمال المجلس التشريعي وتعطيل دوره الديمقراطي، مما نتج عنه انقسام العملية التشريعية، تم اصدار الكثير من القرارات بقوانين في الضفة الغربية، والقوانين الصادرة عن المجلس التشريعي في قطاع غزة، وغابت عن هذه التشريعات تمثيل مصالح النساء، وساهمت استمرار انقسام العملية التشريعية إلى انقسام مطالب النساء، بالإضافة لعدم قدرة النساء على تنفيذ الأحكام القضائية بين شطري الوطن.

فجوة التمييز في السياسات الوطنية الفلسطينية

واستناداً لدور الهيئة، بصفتها المؤسسة الوطنية التي تُعنى بتعزيز حقوق الإنسان ومبادئ المساواة وعدم التمييز بين الفلسطينيين، ترى أهمية الاهتمام الوطني والعمل الجاد للحد من ظاهرة التمييز والاضطهاد المجتمعي، للمرأة المبني على أساس جنسها، وذلك بغية الوصول إلى مجتمع أكثر عدالة ومساواة، وخاصة بعد انضمام دولة فلسطين إلى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).

  • فجوة المشاركة في سوق العمل والمشاركة السياسية

رغم تحسن نسـبة مشـاركة النسـاء في القــوى العاملــة، إلا أن الفجــوة ما زالــت كبـيرة مقارنة بالرجال، إن مشاركة الرجال تزيد حوالي 4 أضعاف عن مشاركة النساء. معدل البطالة بين النساء والرجال في اتساع، فقد بلغت نسبتها عند الرجال 22%، مقابل 39.2% عند النساء. وبلغت نسـبة النسـاء العامـلات في القطـاع الحكومــي 26% مــن مجمــوع النســاء العامــلات، مقابــل 72.7% يعملــن في القطــاع الخــاص، وما نسبته 42.6% مــن الموظفـيـن المدنيــين في القطــاع العــام في فلســطين مقارنــة بــ 57.4% مــن الرجــال. بينما بلغــت نســبة النســاء العامــلات لدى داخل الخط الأخضر وفي المســتوطنات 0.7%. وحوالي خمس النساء 19.8% منتسبات للنقابات العمالية والمهنية، مقابل 80.2 % من الرجال. كما يبلغ معدل مشاركة النساء في الهيئات المحلية في الضفة الغربية (21%).

  • العنف الممارس ضد المرأة

وبرغم عدم تسجيل الهيئة أي حالات وفاة على خلفية ما يُسمى بشرف العائلة للعامين السابقين، الا انها وثقت وفاة (28) انثى في العام 2018 ووفاة (18) انثى في العام 2017، وترى الهيئة في ارتفاع عدد وفيات الاناث لأسباب (غامضة) وذلك بسبب عدم وصول الهيئة لمعرفة خلفية الوفاة أو بسبب انها لا زالت قيد التحقيق لدى النيابة العامة، أمرا يطرح العديد من التساؤلات، ويشير إلى احتمال أن تكون أسباب الوفاة الغامضة انها تمت بدافع ما يُسمى بشرف العائلة، الأمر الذي يوجب على السلطات المختصة استمرار التحقيقات الجدية في أسباب هذه الوفيات، والمسارعة في الكشف عن الجناة، ومحاسبتهم، لا سيما مع ارتفاع عدد وفيات الاناث في ظروف غامضة.

من جانب آخر، ورغم انجاز مؤسسات المجتمع المدني ولجنة مواءمة التشريعات لمشروع قرار بقانون حماية الأسرة من العنف، الا انه وحتى تاريخه لم يتم إصداره كقرار بقانون، حيث من المأمول ان يشكل هذا القرار بقانون حماية للمرأة الفلسطينية من العنف الأسري.

  • الموازنات المخصصة لتنمية المرأة

ما زال الانفاق الحكومي على برامج تنمية المرأة دون المأمول، بلغت موازنة وزارة شؤون المرأة في العام 2018، مبلغ (6.775.890) شيكل، من اجمالي النفقات الجارية والرأسمالية والبالغة (16.180) مليون شيكل أي ما نسبته (0.041%) من اجمالي النفقات الجارية، وبلغت موازنة البرنامج الرئيسي للوزارة الخاص بحماية وتمكين المرأة للوصول للمساواة، (3484436) شيكل أي ما يوازي (51.4%) من موازنة وزارة شؤون المرأة.

وبلغت الموازنة الاجمالية للبرنامج الخاص بحماية النساء المعنفات في وزارة التنمية الاجتماعية (4586957) شيكل، تستفيد منه (1108) امرأة، وتتوزع تلك الموازنة على برامج الخدمات الإيوائية، ومشاريع التمكين الاقتصادي والتعليم الجامعي، والحماية والايواء، وخدمات الحماية الاجتماعية (القانونية والنفسية والاجتماعية).

المعيقات التي تحد من فرص مساواة المرأة

  1. يشكّل الاحتلال الإسرائيلي العائق الرئيس أمام تحقيق تنمية المرأة الفلسطينية وتوفير الأمن الإنساني لها، نتيجة ممارساته وانتهاكاته القمعية المتواصلة مكونات الشعب الفلسطيني كافة، ولثرواته الطبيعة وحقه في تقرير مصيره، الأمر الذي ينتج عنه مضاعفة أعباء المرأة وفقدانها للعديد من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية.
  2. رغم التعديلات التي تم إجراؤها في العام 2018، ما زالت رزمة التشريعات التي تمس المرأة بشكل مباشر بحاجة إلى عملية تغيير شاملة تتناسب مع تطلعات دولة فلسطين التي انضمت إلى العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية وفي مقدمتها اتفاقية سيداو. كون قانون الأحوال الشخصية يتضمن الحد الأردني النافذ في الضفة الغربية، وقانون أحكام العائلة النافذ في قطاع غزة أحكاما قانونية مميزة ضد المرأة، بالإضافة إلى انه لا يتعامل مع الأسرة كوحدة اجتماعية متجانسة قائمة على مبدأ الشراكة والمساواة.
  3. ضعف الاهتمام الحكومي بزيادة الموارد والمخصصات المالية اللازمة لتعزيز مساواة المرأة وانهاء اقصائها وتهميشها في الأنشطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. فمعظم المشاريع التطويرية، يتم تمويلها خارجياً بمعزل عن برامج الموازنة الرئيسية.

التوصيات

تطالب الهيئة المجتمع الدولي باتخاذ جميع الخطوات الكفيلة بإنهاء احتلال دولة فلسطين، وتجدد مطالبتها بضرورة وضع توصيات لجنة التحقيق الدولية في الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال خلال مسيرات العودة موضع التنفيذ، وتقديم مرتكبيها للعدالة وتطالب المجتمع الدولي بالعمل على تفعيل الملاحقة والمحاسبة بحق من ارتكبوا أو أمروا بارتكاب جرائم حرب، وتحميل الاحتلال الإسرائيلي مسئولياته القانونية والأخلاقية وضمان عدم إفلات مجرمي الحرب الإسرائيليين من العقاب.

في ذات الوقت فإن الهيئة ترى ضرورة قيام دولة فلسطين بالتالي

  1. ضرورة قيام دولة فلسطين بمطالبة الأمم المتحدة بالعمل على حماية المرأة في الأرض الفلسطينية المحتلة، واتخاذ التدابير الكفيلة بفضح ممارسات سلطات الاحتلال وجرائمها التي ترتكب بحق النساء الفلسطينيات في الضفة الغربية وقطاع غزه.
  2. ضرورة استبعاد مجلس الوزراء الموازنات المخصصة للفئات المهمة والضعيفة من أي خطط ترشيد للنفقات أو أي إجراءات تقشف، لأن انعكاس هذه الخطط فيما لو تمت، ستؤدي حتماً إلى انتهاك حقوق الفئات المهمشة والضعيفة التي تمثل المرأة إحدى مكوناتها، الأمر الذي لا ينسجم مع التزامات دولة فلسطين بموجب اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة.
  3. اتخاذ التدابير والسياسات المناسبة لتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل، وضمان تمتع النساء العاملات بالحقوق القانونية الواردة في قانون العمل، وتعزيز مشاركتها السياسية في شتى المجالات ومواقع صنع القرار.
  4. تطوير المنظومة التشريعية بما يتلاءم مع احتياجات المرأة الفلسطينية وتطلعاتها، وبما ينسجم مع اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

اشترك في القائمة البريدية