يحذّر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية للنازحين في قطاع غزة، لا سيما في ظل المؤشرات الرسمية التي تفيد بتعرض القطاع اعتبارا من اليوم لمنخفض جوي عميق مصحوب بفيضانات، وسيول، ورياح قوية قد تدمّر آلاف الخيام البالية التي تؤوي أكثر من مليون نازح. وتشير التحذيرات الصادرة عن الجهات المختصة إلى مخاطر كبيرة على حياة آلاف النازحين، خصوصاً مع هشاشة الخيام الحالية وانعدام البنية التحتية في مناطق النزوح، بما فيها منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس التي تحولت إلى أكبر تجمع للنازحين في القطاع. وتأتي هذه التطورات في ظل انعدام الظروف المعيشية الآمنة، وهو ما يدفع المركز لتوجيه نداء عاجل إلى المجتمع الدولي، والمنظمات الأممية والإنسانية، للتدخل الفوري والفعّال لمنع وقوع كارثة إنسانية وشيكة، وضمان حق النازحين في مأوى آمن وكريم باعتباره حقاً أساسياً لا يجوز المساس به تحت أي ظرف.
فرغم اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في 10 أكتوبر 2025، لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلية تفرض قيوداً صارمة على دخول أدوات الإيواء الملائمة إلى قطاع غزة، فقد أكّد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن إسرائيل رفضت 23 طلباً لإدخال ما يقرب من 4000 منصة نقالة من مواد الإيواء الأساسية، كانت مخصصة لتوفير الخيام، البطانيات، أطقم النوم، وأدوات ضرورية لتحسين ظروف المعيشة في مخيمات النزوح.1
كذلك أشارت تقارير أممية إلى أن ما تم إدخاله من شحنات مواد الإيواء منذ وقف إطلاق النار لا يمثل سوى جزء محدود للغاية من الاحتياجات الفعلية، وأن القطاع بحاجة إلى مئات آلاف الوحدات السكنية المؤقتة، وليس إلى بضعة آلاف من الخيام الإضافية التي لا توفر حماية من المطر أو الرياح أو البرد. ووفق بيانات حكومية، لم يدخل إلى قطاع غزة خلال 60 يوماً سوى 13511 شاحنة من أصل 36ألف شاحنة يفترض إدخالها، بمتوسط يومي 226 شاحنة فقط من أصل 600 شاحنة مقررة يومياً، أي بنسبة لا تتجاوز 38%.2 وقد أدى هذا الإخلال الجسيم إلى استمرار نقص الغذاء والدواء والماء والوقود، وتعميق مستوى الأزمة الإنسانية الكارثية في قطاع غزة.
ومع دخول قطاع غزة تحت تأثير المنخفض الجوي العميق، تتزايد المخاوف من تفاقم أوضاع النازحين وقاطني الخيام، التي تُسرّب المياه وتفتقر إلى شروط العزل الحراري، حيث تتحول إلى بيئة رطبة تُسهِم في انتشار الأمراض الجلدية والتنفسية، خاصة في ظل تحذيرات الهيئات المحلية والبلدية من مخاطر تلوث المياه وانهيار شبكات الصرف الصحي. وقد شهد قطاع غزة خلال الأيام والأسابيع الماضية تقلبات جوية وأمطار كثيفة تسببت بفيضانات واسعة جرفت خياماً وأغرقت ممتلكات النازحين، ووفق شهادات ميدانية وثقتها المركز فإن مئات آلاف العائلات لا تزال تعيش في ظروف غير صالحة للسكن البشري، وتعتمد على خيام لا توفر أدنى متطلبات الكرامة الإنسانية.
بذلك، فإن المركز يؤكد أن الخيام المؤقتة ليست حلاً، وأن المطلوب بصورة عاجلة هو إدخال نماذج إسكان أكثر ملائمة، تشمل وحدات سكنية مسبقة الصنع، مقاومة لعوامل الطقس، تشمل أنظمة صرف صحي، مصادر طاقة بديلة، وبنية تحتية تضمن الحد الأدنى من الخصوصية والسلامة، حيث يعتبر ذلك ضرورة إنسانية عاجلة لا تحتمل التأجيل، وهو التزام أخلاقي وقانوني على المجتمع الدولي ألا يتقاعس عنه.
ويرى المركز أن استمرار القيود الإسرائيلية على إدخال أدوات الإيواء، ومنع دخول الخيام وأدوات الإيواء المؤقت الجاهزة كالكرفانات، والمواد الإنشائية المناسبة لهذا الظرف القاسي، يشكل خرقاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني، ويمثل امتداداً لجريمة الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال بحق السكان المدنيين في غزة على مدار عامين. كما يؤكد أن ترك مئات آلاف المدنيين دون مأوى لائق، في ظل ظروف مناخية قاسية، لا يمكن تفسيره إلا إمعان في تعميق معاناة السكان ودفعهم قسراً نحو الهجرة أو اليأس والانهيار الصحي والنفسي. كما أن الإبقاء على الأزمة الانسانية، ومنع أي حلول انتقالية ملائمة حتى بعد وقف إطلاق النار، يعكس نية واضحة لإبقاء الحياة في غزة مستحيلة وغير قابلة للتعافي، بما يخالف التزامات القوة القائمة بالاحتلال الواردة في القانون الدولي والإنساني.
وفي ضوء ما سبق، فإن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:
- يطالب الدول الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف بالضغط الفوري على اسرائيل من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل، وتفعيل آلية دولية رقابية مستقلة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع دون عراقيل، وبخاصة مواد المأوى، المياه، الصرف الصحي، وأدوات الحماية.
- كما يدعو المجتمع الدولي ضرورة اتخاذ إجراءات عملية تضمن عدم استمرار سياسات التجويع والتهجير القسري والحرمان من المأوى، باعتبارها قد ترقى إلى أفعال محظورة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 وميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
- يُؤكد أن إسرائيل تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن أي خسائر في الأرواح أو الأضرار الواسعة التي قد تنشأ عن السيول والفيضانات والعواصف المرتقبة، باعتبار أن منع إدخال أدوات الإيواء الملائمة يُشكل إخلالًا مباشرًا بالواجبات القانونية للحماية، ويعرض حياة المدنيين للخطر بشكل متعمّد.
