الإغاثة الطبية: أصوات صامتة وأجساد مُنهكة: ذوو الإعاقة في غزة بلا أدوات مساندة منذ 22 شهرًا"

صرخة سجود ومحمد وماهر: الأدوات المساعدة لذوي الإعاقة تُحاصرها الحرب في غزة"

من حق الحياة إلى واقع الحرمان: غزة تُطفئ أمل 160 ألف شخص من ذوي الإعاقة"

الإعاقة والحرب معًا: مأساة الأدوات المساعدة المفقودة في غزة"

داخل خيمة نزوح متواضعة في دير البلح، تجلس ريم أبو عوجة (39 عامًا) بين ستة أطفال، نصفهم يعانون من إعاقة سمعية. منذ 22 شهرًا من الحرب المتواصلة على قطاع غزة، تحولت حياتها إلى معركة يومية من أجل البقاء، ومواجهة عجز مضاعف سببه غياب الأدوات المساندة لذوي الاحتياجات الخاصة.

ابنتها الكبرى سجود (19 عامًا) فقدت سماعتها الطبية خلال النزوح من حي الشجاعية، ولم تتمكن العائلة من إصلاحها بسبب الحصار ومنع دخول الأجهزة المساندة. 
لأكثر من عام ونصف، تعيش سجود في عزلة تامة، انعكست على حالتها النفسية بالاكتئاب والانطواء. 
بينما تعاني شقيقتاها سجى (15 عامًا) من نقص الوزن والاضطرابات النفسية، وجنى (10 سنوات) التي لا يتجاوز وزنها 15 كغم بسبب هشاشة العظام وسوء التغذية، رافضة الاندماج أو العودة للتعلم.

ريم، الأم المنفصلة عن زوجها والمعيلة الوحيدة للأسرة، تقول بصوت مرتجف: "الحرب لم تكتفِ بتدمير بيوتنا، بل سرقت من أطفالي أبسط حق في السمع والحياة الكريمة".

لم تكن قصة ريم وأسرتها استثناءً، فالأدوات المساعدة لذوي الإعاقة في غزة تحولت إلى حلم بعيد المنال. فمنذ أكتوبر 2023، يمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الكراسي المتحركة، السماعات الطبية، البطاريات، العصا البيضاء، والحفاضات الخاصة، إلى جانب الأجهزة التقنية لذوي الإعاقة البصرية والسمعية.
ومع انعدام الطرق المهيأة للنزوح، وتلف الأدوات بسرعة على الرمال والركام، يعيش أكثر من 160 ألف شخص من ذوي الإعاقة في غزة بلا وسيلة تمكنهم من الحركة، التواصل، أو حتى قضاء حاجاتهم اليومية.

محمد الشعراوي (31 عامًا)، مصاب بشلل نصفي سفلي، اضطر لتركيب قسطرة منذ شهرين بعد انقطاع الحفاضات الخاصة بكبار السن، فيما يحتاج كرسيًا متحركًا بديلًا عن كرسيه التالف الذي لم يصمد أكثر من ستة أشهر على الرمال. 

يواجه يوميًا مأساة البحث عن 4 حفاضات بتكلفة 140 شيقل، دون أي مصدر دخل، فيما أدت المجاعة إلى فقدانه 30 كغم من وزنه وتعرضه لالتهابات جلدية مزمنة.
ماهر الأستاذ (62 عامًا)، نازح من بيت لاهيا، يعاني من بتر فوق الركبة منذ 2015، نزح 11 مرة منذ بدء الحرب. بلا كرسي متحرك أو مشاية، يقضي معظم وقته جالسًا على الأرض، حتى ظهرت لديه تقرحات جلدية وآلام حادة في المفاصل. يصف حاله: "نزحت مرات كثيرة، لكن النزوح الأخير أصعب من البتر نفسه".
محمد شنينو (38 عامًا)، كفيف فقد عصاه البيضاء ونظارته الطبية منذ بداية الحرب. يعيش اليوم اعتمادًا كليًا على أفراد عائلته بعد أن كان قادرًا على التنقل بمفرده بفضل الوسائل المساندة التي باتت ممنوعة. "أشعر أنني سجنت داخل الظلام مرتين: مرة بسبب إعاقتي، ومرة بسبب الحرب".

من جانبه، قال مصطفى عابد، مدير برنامج التأهيل المجتمعي في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، إن الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة "يعيشون واحدة من أقسى الكوارث الإنسانية التي شهدها العالم المعاصر"، مضيفًا أن أكثر من 160 ألف شخص من ذوي الإعاقة محرومون منذ 22 شهرًا من أبسط حقوقهم في الحصول على الأدوات المساعدة والوسائل التعويضية.

وأوضح عابد أن "الاحتلال يمنع بشكل متعمد دخول الكراسي المتحركة، الأطراف الصناعية، السماعات الطبية، العصا البيضاء، النظارات الطبية، الحفاضات ، وأجهزة الشلل الدماغي". وأضاف عابد: "هذه الأدوات ليست رفاهية، بل وسائل حياة. وفي الظروف الطبيعية لا يتجاوز عمرها عامًا واحدًا، فكيف في حرب طويلة ونزوح وطرقات غير مهيأة؟"

وكشف عابد أن الاحتياجات الحالية ضخمة وتشمل:

  • أكثر من 25 ألف أداة حركية. ما بين 12 إلى 15 ألف أداة بصرية. نحو 10 آلاف جهاز خاص بأطفال الشلل الدماغي. أكثر من 5 آلاف سماعة طبية.
  • حوالي 250 ألف بكج حفاضات الأشخاص ذوي الإعاقة.

وأشار عابد إلى أن آلاف الأطفال الذين خضعوا لزراعة قوقعة مهددون بفقدان سمعهم بسبب توقف الصيانة والبرمجة للأجهزة الدقيقة. وختم قائلاً: "المادة التاسعة من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تكفل حقهم في الوصول للأدوات المساعدة، لكن في غزة هذا الحق يُسحق يوميًا تحت الحصار والحرب".
تصريحات دولية: وضع كارثي وانتهاك صارخ للحقوق

منظمة الصحة العالمية (WHO) أكدت في تقاريرها أن "الوضع الصحي في غزة بلغ مستويات كارثية، حيث يواجه ذوو الإعاقة حرمانًا شبه كامل من الأجهزة الطبية والمساندة، مما يضاعف خطر المضاعفات الجسدية والنفسية".

مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) قال إن "حرمان الأشخاص ذوي الإعاقة من الأدوات المساعدة يمثل انتهاكًا صارخًا للاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ويضاعف من عزلتهم ومعاناتهم اليومية".

اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) شددت على أن "ذوي الإعاقة في غزة هم من أكثر الفئات هشاشة، والنزوح المتكرر حرمهم من الوصول للخدمات الأساسية والأدوات التعويضية التي تضمن لهم الحد الأدنى من الكرامة".

هيومن رايتس ووتش (HRW) أصدرت بيانًا سابقًا قالت فيه إن "الحصار ومنع دخول الأدوات المساعدة يُعد سياسة عقاب جماعي، ويترك آلاف الأشخاص من ذوي الإعاقة يواجهون الموت البطيء".


بين صمت سجود، ومعاناة محمد الشعراوي، وألم ماهر الأستاذ، وعجز محمد شنينو، تتجسد مأساة الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة: حياة بلا أدوات مساندة، وأمل يتآكل كل يوم مع استمرار الحصار والحرب.

اشترك في القائمة البريدية