مركز الميزان: وضع المياه في قطاع غزة مؤسف ونطالب بحماية حق الفلسطينيين في الماء وإعمال المساءلة عن الانتهاكات ذات الصلة

الماء هو جوهر كل أشكال الحياة، والحصول على المياه النظيفة والمأمونة بحد ذاته يُعد حقاً من حقوق الإنسان وشرطاً مسبقاً لإعمال حقوق الإنسان الأخرى أهمها الحق في الحياة، والحق في مستوى معيشي لائق، والتمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه. ونظراً لأهمية الماء للحياة البشرية، أطلقت الأمم المتحدة اليوم العالمي للمياه في 22 آذار/مارس 1993، على أن يُحتفل به سنوياً، لتعزيز التوعية حول القضايا المتعلقة بالمياه والدعوة إلى التنمية المستدامة في إدارة موارد المياه والسياسات ذات العلاقة.

موضوع اليوم العالمي للمياه لهذا العام هو "تثمين المياه"، وفي هذا الإطار دعت الأمم المتحدة إلى حملة جماهيرية عالمية لمناقشة كيف يثمن الناس المياه في جميع استخداماتها عبر طرح السؤال الآتي: "ماذا يعني الماء لك؟". يتباين معنى الماء مع تباين الأشخاص، فعلى صعيد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يُعد الماء عنصراً أساسياً للكرامة الإنسانية فحسب، بل كثيراً ما يكون أداة في يد الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على الشعب الفلسطيني فضلاً عن قمعه والهيمنة عليه بشكل ممنهج.

تعمد السلطات الإسرائيلية ومؤسساتها شبه الحكومية منذ عام 1967، إلى منع الفلسطينيين من الوصول إلى المصادر المائية في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، مثل نهر الأردن، والتحكم بها، مما يشكل انتهاكاً جسيماً لحقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير، بما في ذلك السيادة الدائمة على الثروات والموارد الطبيعية كركن أساسي من أركان هذا الحق. كما تضع اشتراطات أمام تنفيذ أية مشروعات تطويرية لقطاع المياه الفلسطيني، من أبرزها الحصول على الموافقة الإسرائيلية، وعدم السماح بإدخال قطع الغيار والمواد اللازمة لإعادة تأهيل البنية التحتية لقطاع المياه، الأمر الذي حد من القدرة على تطوير وتنمية القطاع المائي.

أشارت بعض المنظمات الحقوقية إلى أن السياسات التمييزية التي تمارسها سلطات الاحتلال ومؤسساتها شبه الحكومية في قطاع المياه تندرج تحت ما أسمته "نظام الفصل العنصري المائي" والذي يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.[1]

ويعاني قطاع غزة على وجه الخصوص من أزمة مزمنة ومُفتعلة في الحصول على مياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحي، فإلى جانب الاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري الذي يفرضه على الشعب الفلسطيني طيلة عقود متتالية، فرضت السلطات الإسرائيلية للعام الثالث عشر على التوالي حصاراً وإغلاقاً شاملاً على قطاع غزة وهو ما يعتبر عقاباً جماعياً غير قانوني بموجب القانون الدولي لقرابة مليوني فلسطيني في قطاع غزة. أدى الإغلاق والهجمات العسكرية واسعة النطاق التي استهدفت المدنيين والبنية التحتية في القطاع إلى تقويض كافة جوانب الحياة بما في ذلك تعميق أزمة المياه والصرف الصحي بالإضافة إلى انهيار الخدمات الأساسية الأخرى.

وبهذا الصدد، حذر تقرير الأمم المتحدة الصادر في أغسطس/آب من عام 2012، تحت عنوان "غزة عام 2020 – مكان ملائم للعيش؟" من أن قطاع غزة لن يكون ملائماً للعيش بحلول عام 2020، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لتحسين إمدادات المياه والكهرباء وخدمات الصحة والتعليم، حيث أشار إلى تدني نسب المياه المأمونة في القطاع بما لا يتناسب مع الطلب المتزايد مما يعرض السكان إلى خطر الإصابة بالأمراض المعدية إلى جانب المخاطر الأخرى التي تهددهم.[2] وعلى الرغم من التحذيرات الدولية المتكررة، إلا أن عام 2021، حل دون تفكيك مشكلات القطاع وعلى رأسها مشكلة المياه، حيث تظهر الإحصائيات الحالية أن ما نسبته 97% من المياه في قطاع غزة غير صالحة للاستهلاك البشري وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية[3]، وأن 95% من سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة تقريباً لا يحصلون على مياه مأمونة. في ضوء هذه المعطيات، ماذا يعني الماء لسكان غزة؟

تعني المياه المأمونة والعذبة بالنسبة لكثير من العائلات الفلسطينية في غزة مياهاً باهظة الثمن ولا يمكن الحصول عليها، ويُعزى ذلك إلى انعدام القوة الشرائية لتعبئة خزانات المياه المنزلية أو شراء الزجاجات المعبئة نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع مستويات الفقر بين السكان، فيلجأ الكثيرون إلى استخدام مياه الصنبور حال توفرها. كما أن شح المياه يعني عدم القدرة على اتخاذ تدابير السلامة والوقاية الأساسية كالغسل المتكرر لليدين للحماية من جائحة فيروس كورونا. أما بالنسبة للمجتمع الزراعي الفلسطيني في المناطق مقيدة الوصول التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي داخل أراضي قطاع غزة، فإن المياه تعني القدرة على العمل، والزراعة، والازدهار، كما قد ترتبط أيضاً بنقيض ذلك أي الدمار.

تجدر الإشارة إلى أن قوات الاحتلال أقامت عدداً من السدود المائية على طول المناطق الشرقية والشمالية للقطاع، بهدف منع الانسياب الطبيعي لمياه الأمطار وحرمان الخزان الجوفي للقطاع من مصادر تغذيته، وعند امتلاء السدود بشكل كبير، وخوفاً من انهيارها، وخاصة بعد هطول أمطار غزيرة على المنطقة، تفتح قوات الاحتلال مياه السدود بشكل مفاجئ تجاه ممتلكات المواطنين في قطاع غزة، دون تحذير السكان أو السلطات المختصة. وقد تكررت هذه الممارسات ونتج عنها أضرار أكثر من مرة خلال السنوات الماضية حيث لحقت خسائر فادحة في منازل وأراضي ومزارع المواطنين في تلك المنطقة.[4]

في اليوم العالمي للمياه، يستذكر ويؤكد مركز الميزان لحقوق الإنسان على ما ورد في بيان المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي ذكر فيه "انهيار المصادر الطبيعية لمياه الشرب في غزة[...] بات مؤشراً قوياً لما يحدث من انتهاك منهجي لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة."[5]

وعليه، فإن المركز يطالب المجتمع الدولي بتحمل واجباتها الأخلاقية والقانونية تجاه الشعب الفلسطيني وضمان تمتعه بحقوقه المائية التي تتطلب وصولاً متساوياً وشاملاً وغير تمييزي إلى المياه المأمونة. كما يشدد مركز الميزان على ضرورة تفعيل آليات المساءلة والعدالة لجميع انتهاكات القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الانتهاكات المتعلقة بالمياه.

 


[1] مركز الميزان لحقوق الإنسان، بيان صحفي بعنوان "منظمات حقوقية فلسطينية وإقليمية تقدم شكوى مشتركة وعاجلة إلى الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة بشأن تصاعد أزمة المياه والصرف الصحي في قطاع غزة"، 9 نوفمبر 2020، لمزيد من التفاصيل: http://mezan.org/post/31070

[2] فريق الأمم المتحدة القطري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تقرير بعنوان "غزة عام 2020 – مكان ملائم للعيش؟"، أغسطس 2012، لمزيد من التفاصيل (باللغة الإنجليزية): https://unsco.unmissions.org/sites/default/files/gaza_in_2020_a_liveable_place_english.pdf

[3] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، دراسة تحذر من أن أزمة الصرف الصحي قد تسبب تفشي الأمراض ووباء محتمل في غزة، لمزيد من  التفاصيل (باللغة الإنجليزية): https://www.ochaopt.org/content/study-warns-water-sanitation-crisis-gaza-may-cause-disease-outbreak-and-possible-epidemic

[4] مركز الميزان لحقوق الإنسان، تقرير حول واقع المزارعين الفلسطينيين في المناطق مقيدة الوصول براً، 2018 – 2020، 24 فبراير 2021، لمزيد من التفاصيل: http://mezan.org/post/31432

[5] خبير في الأمم المتحدة: "استغلال إسرائيل للموارد الفلسطينية هو انتهاك لحقوق الإنسان"،18 مارس 2019، لمزيد من التفاصيل (باللغة الإنجليزية): https://www.ohchr.org/en/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=24349&LangID=E  

اشترك في القائمة البريدية