البنى الداخلية للمنظمات الأهلية في ظل استمرار جائحة كورونا وعجز التمويل - الحوكمة

إعداد: عصام العاروري

فاجأت الجائحة عالمنا، ولم تسلم من المفاجأة دول كبيرة أو صغيرة، غنية أو فقيرة، وفشلت أنظمة عديدة في العمل بكفاءة، واكتشفت ثغرات هائلة في اقتصاديات العالم وأنظمته الصحية، حيث مات عشرات الآلاف جراء نقص الأسرة او الطواقم الصحية والطبية والأجهزة والمعدات، ونحن بالطبع لم نكن استثناء.

ومما زاد الطين بلة كما يقال، الأوضاع الخاصة بنا من حيث الحصار المالي على عموم الشعب الفلسطيني والحصار المستمر على قطاع غزة، والتقسيم الجغرافي الذي يمنع عمل المنظومة الصحية بكفاءة، والانقسام السياسي وتداعياته، وتشكل حكومة جديدة واجهت هذه الأزمة، وترافق كل ذلك مع الكشف عما سمي صفقة القرن، التي يمكن تلخيها بأنها خطة لالغاء فلسطين عن خارطة العالم وطنا وأرضا وهوية.

وكان ملحوظا من الأسابيع الأولى لبدء ظهور إصابات لدينا والتي تم تشخيصها في مدينة بيت لحم اثر وصول وفد سياحي من كوريا الجنوبية، كان ملحوظا الطابع الاستعراضي الذي غلب على التحرك الحكومي لمواجهة الأزمة، وهو ما ينسجم مع ملامح الحكوم الحالية وميلها المبالغ فيه للاستعراض وخطابها المضخم، في وقت كان فيه كل العالم يتخبط من حيث عدم كفاية المعلومات وعدم دقة المتوفر منها، بل وتضاربها، وخاصة حول كيفية انتشار المرض وهل ينقل عبر الهواء ام الملامسة ام يعيش على الأسطح المختلفة...الخ ولكن ظهر أيضا نقص حاد في وسائل الوقاية، وخاصة الكمامات والكفوف العازلة، ومواد التعقيم والتطهير، وملما في كل أزمة، برز جشع التجار والمستوردين، حيث بيعت علبة الكمامات الطبية ومن أنواع رديئة بسعر وصل 80 شيكل في بعض المحافظات، من نفس النوعية التي تباع اليوم ب 8 شيكل للعلبة. ولكن يسجل للقطاع الصناعي الخاص الفلسطيني قدرة بعض مكوناته على اتاج بعض الأصناف محليا.

ماذا عن البيئة الأضيق؟

تجب الإشارة ابتداء الى أن العمل الأهلي من حيث حالته عند انتشار الوباء لم يكن في أفضل أحواله، مع وجود مؤشرات نشر بعضها عن انخفاض حاد في مداخيل ومصادر دعم المنظما الأهلية قدره مسح أجرته الشبكة لأعضائها في قطاع غزة بنسبة 55 بالمئة، مع تصاعد حدة الهجمات متعددة الأطراف على العمل الأهلي، والتي تصب جميعا في تضافر جهود عدة أطراف في سعيها لتجفيف موارد دعم العمل الأهلي، وإيجاد سلاسل إضافية من المعيقات البيروقراطية، سواء عبر التحكم بمنظومة المال العالمية والتي باتت سلاحا جديدا في أيدي الاستعمار النيو ليبرالي، الذي وسع اعتماده على الخنق والحصار بدل الحروب الواسعة والمباشرة مع تدخلات عسكرية موضعية، تعتمد أساسا على حروب الوكالة وذلك اثر فشل حربي العراق وأفغانستان في تحقيق أهدافهما رغم الدمار الاقتصادي والبشري الهائلين.

في هذه الأجواء ظهرت موجة جديدة وغير مسوقة في التطبيع العربي من حيث عمقها، فهي مبنية على بناء حلف عسكري- اقتصادي سياسي، رجعي عربي- إسرائيلي برعاية أميركية مباشرة باستخدام كل أدوات الضغط والابتزاز.

وفضلا عن الضرر المعنوي والسياسي الكبير لهذا المحور فهو بات عنصرا مؤثرا على الصراعات الداخلية الفلسطينية بحكم ترابط عدة أطراف بقوى محلية وإقليمية ومحاور، بل واختراق بعض هذه المحاور لأطراف سياية من داخلها وبدء صراع جديد لأول مرة من تأسيس م.ت.ف وتحقيق الاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

وتركت المنافي الفلسطينية تواجه مصائرها منفردة، وخاصة مع الهجمة التي تستهدف الاونروا ونالت منها جزئيا بتقليص كبير في مصادر دعمها وبالتالي خدماتها.

وضع العمل الأهلي

يعاني العمل الأهلي الفلسطيني كما ذكرنا من شح مصادر التمويل التي انخفضت بشكل حاد، لأسباب اقتصادية دولية وأخرى محلية، ولوجود أزمات عديدة يتسع نطاقها منذ عام 2011، مع وجود حروب محلية وإقليمية، ولعوامل عديدة تتعلق بالبنى والحوكمة في العمل الأهلي الفلسطيني ووجود تحديات بات نطاق المناورة فيها أضيق مما كان عليه في أي يوم، حول علاقة المؤسسات الأهلية بالأحزاب السياسية وعلاقة الأخيرة بمرجعياتها، وباتت هناك أسئلة ملحة لا تحتمل "المغمغة" في الإجابة عليها.

تضارب الأرقام

يفيد آخر مسح اجري للمؤسسات الأهلية الى وجود 3339 مؤسسة أهلية مسجلة، بواقع 2085 مؤسسة في الضفة الغربية بما فيها القدس، و 1254 مؤسسة في قطاع غزة.

وأشار ذات المسح الى توزع المؤسسات على عدد من الشبكات والاتحادات أهمها من حيث الدور والعدد:

  • الاتحاد العام للجمعيات الخيرية، وحسب المسح يضم 400 مؤسسة
  • الهيئة الوطنية للمؤسسات الأهلية وتضم 320 مؤسسة
  • شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية وتضم 133 مؤسسة حسب المسح (فيما تشير مصادر أخرى في الشبكة أن الرقم أعلى قليلا.

ويرى مقدم هذه الورقة أن تلك الأعداد مبالغ فيها وأن أغلبيتها شهادات تسجيل عبى الورق دون وجود على الأرض، ويشكك في كل ما ذكر من أرقام، لأنه حسب المسح فقد أمكن الوصول الى وتلقي تجاوب من 162 مؤسسة فقط، 68 بالمئة منها أعضاء في الشبكة، أي أن 110 منظمات ممن تم الوصول اليها أعضاء في الشبكة، بينما من ال 720 مؤسسة عضو في الاتحادين الآخرين أمكن الوصول الى 52 مؤسسة فقط.

ولذلك فان أول توصية لهذه الورقة ضرورة اجراء مسح جدي وعلمي للمؤسسات الأهلية على أسس إحصائية وباستخدام مزيج من المنهجيات والأدوات في جمع المعلومات، عشان ما نظل مضروبين بحجر كبير.

تقهقر التمويل

كان موضوع تمويل المؤسسات الأهلية على الدوام مثار تكهن واشاعات وحتى تضليل واخرها الادعاء أن العمل الأهلي حصل على دعم مقدر بمليار دولار عام 2020. بينما أفادت حصيلة معلومات نسبت الى سجلات وزارة الداخلية الى أن في فلسطين المحتلة 400 مؤسسة أهلية يزيد حجم أعمال الواحدة عن مئة الف دولار. ولذا فان التوصية الأخرى هي اجراء مسح احصائي لحجم أعمال ومجموع موازنات المؤسسات الأهلية وتوزع تلك الموازنات حسب المصادر المختلفة، ففي غياب المعلومة تنتشر الشائعة والتكهن وكل من له غرض يخترع رقما لتبرير غرضه أو خطته.

وبالعودة الى كورونا فقد فاجأت المجتمع الأهلي الذي احتاج فترة من الوقت ليستوعب الصدمة وهو ما أشار الى تراجع جاهزية ولياقة العمل الأهلي للتكيف مع حاجات الطوارئ، واتضح أن الغالبية العظى من المؤسسات تسير بموجب خطط بيطة مبنية على توقعات مالية وبردزد الفعل وليس المبادرة مع غياب وحود خطط بديلة وأخرى للطوارئ ووجود أكثر من سيناريو لخطط المؤسسات.

استثناء متعمد

من المهم الإشارة الى أن الحكومة الفلسطينية ومع النجاح الذي اتضح أنه مؤقت وشكلي في استيعاب الضربة في الشهرين الأولين، ازدادت الصفة الطواويسية لأدائها، مع وجود تعليمات ساهم فيها المحافظون والاعلام الرسمي وكثير من الوزارات في تقليص دور بعض المؤسسات والنفخ بدور لجان طوارئ أحادية اللون غالبا ركبت موجة الحكومة واعلامها ومركباتها ومصادرها، لدرجة التعتيم على أداء دور بعض المؤسسات والحد من حركات أخرى عبر حرمانها حتى من تصاريح الحركة التي بات إصدارها وجها من أوجه الفساد. وأحكمت الحكومة وبعض أذرعها السيطرة على الصناديق العربية وباتت تتحكم في تدفق وتوزيع الأموال بقليل جدا من الشفافية وتسرب المعلومات.

دور لا يمكن نكرانه

رغم كل المعيقات التي ذكرت فقد برز لعدد من القطاعات في العمل الأهلي دور مهم ومميز، وخاة قطاعات الزراعة والصحة والتعليم وحقوق الانسان، وبرز هذا الدور بشكل بارز في القدس التي تجاهل الاحتلال احتياجات أهلها، وبادر المجتمع المحلي بتآزر القطاع الخاص والهيئات الأهلية توفير مركز حجر محترم يعمل بكفاءة عالية ووفق المعايير الدولية.

وأمكن الوصول الى المناطق النائية وتقديم التوعية الصحية ومود التعقيم والتنظيف والوقاية، سواء لتجمعات محاصرة او بدوية، وتم تقديم نماذج متجددة من التسويق الشعبي بنماذج ناجحة قدمتها المؤسسات الزراعية مثل تسويق الجبنة وشراء منتجات الخضار وايصالها للمدن الخاضعة للحجر وتوزيع سلال غذائية تعتمد المنتج المحلي وخاصة سلال الخضار الطازجة لتوزيعها على محتاجيها وحل 3 مشاكل مزدوجة، تسويق للمزارع وتوفير احتياجات المعوزين وضخ سيولة مالية في الأسواق.

لكن هل كان ذلك كافيا؟

لا كبيرة...سواء من حيث الكميات ولكن الأهم من حيث عدد المؤسسات المساهمة فيها والتي ربما لا تزيد عن 30- 40 مؤسسة مع تكرار في بعض الموضوعات، ويمكن اختصار ذلك في عدم التجاوب المخزي مع دعوة للتبرع ببدل يوم عمل من مظفي المؤسسات لمن فقدوا مصادر دخلها، اذ لم يتجاوب مع ذلك سوى موظفي 7 مؤسسات يا للعار، مما يطرح سؤالا جديا حول الحوكمة وحول مدى الارتباط بهم المواطن، وذلك يحتاج الى نقاش داخلي معمق حول تهتك البنى الداخلية لكثير من المؤسسات وهو ما يتجاوز حدود وقت وطبيعة النقاش في هذه الندوة.

اشترك في القائمة البريدية