التحديات التي تواجه المنظمات الأهلية الفلسطينية "واقع الحق في تشكيل الجمعيات في ظل الأوضاع الراهنة"

إعداد: سمير زقوت

يُشكل الحق في حرية تأسيس الجمعيات والمؤسسات غير الربحية وحرية عملها واحدة من الضمانات الأساسية لتعزيز المشاركة والرقابة المجتمعية وحماية وإعمال معايير حقوق الإنسان، كونها تُسهم بشكل كبير في تعزيز مفاهيم الديمقراطية والرقابة على السلطات الثلاث واحترام حقوق الإنسان والدفاع عن الضحايا والتخفيف من حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية القائمة خاصة في أوقات الكوارث والحروب وتقديم المساعدة للفئات الضعيفة في سياق تكامل الأدوار.

حظيّ الحق في حرية تكوين الجمعيات والمؤسسات غير الربحية والانضمام إليها والمشاركة فيها بمكانة مهمة في المواثيق والتشريعات الدولية التي وفرت حماية واضحة لهذا الحق، وحظرت على الدول وضع عراقيل أو اتخاذ اجراءات تقيد من حرية تشكيل وعمل الجمعيات والنقابات والانضمام إليها، وبموجب الأحكام الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان تلتزم الدولة باحترام الحق في تشكيل منظمات تعنى بالشؤون السياسية والعامة والالتحاق بهذه المنظمات، ويجب على الدول أن تضمن في إدارتها الداخلية توفير المناخ الملائم بغية تمكين مواطنيها من ممارسة حقوقهم المعترف بها، وتجريم الاعتداء والتضييق عليها.

ويواجه الحق في تشكيل الجمعيات وحرية عملها عقبات تبدأ بالهجمات والانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الجمعيات الأهلية والعاملين فيها، والضغوط المتواصلة على المانحين لوقف تمويل المؤسسات الفلسطينية، ما تسبب في أزمة انخفاض حجم الدعم الدولي وتشديد الاشتراطات السياسية والفنية للممولين. وضاعفت الانتهاكات الإسرائيلية من المعوقات والتحديات، في وقت باتت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لأنشطة وخدمات هذه المؤسسات وجهودها الغوثية والتنموية نتيجة ضعف الإمكانيات والتدخلات الحكومية واستمرار تدهور أوضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

كما يتعرض هذا الحق للعديد من الانتهاكات الداخلية على نحو يُخالف المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك القوانين الوطنية، خاصة القانون الأساسي الفلسطيني وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات المحلية رقم (1) لسنة 2000م، واللائحة التنفيذية رقم (9) لسنة 2003م وقانون الشركات وتعديلاته.

واقع المؤسسات الأهلية الراهن:

تشهد المؤسسات الأهلية الفلسطينية تراجعاً ملحوظاً في أعدادها وحجم نشاطها في آن واحد. ويأتي هذا التراجع جراء الضغوط والقيود الشديدة التي تتعرض لها المؤسسات الأهلية. وربما تختلف درجة التراجع بين المؤسسات حسب طبيعة العمل والمنطقة الجغرافية، فمثلاً تزداد قيود المانحين عندما يتعلق الأمر بمؤسسات حقوق الإنسان، وبالمؤسسات العاملة في قطاع غزة عن نظيرتها في الضفة الغربية، لدرجة أن بعض المانحين انسحبوا تماماً من العمل في قطاع غزة تفادياً لضغوط سلطات الاحتلال والمؤسسات الزائفة التي تقدم نفسها كمؤسسات أهلية إسرائيلية.

هذا إلى جانب ما أفرزه الانقسام من مشكلات تعد ولا تحصى، نشأت في الأساس عن الازدواج والتعارض في الإجراءات والضرائب، ما وضع المؤسسات أمام مأزق، وأجبرها على الاستجابة لسلطتين للحفاظ على بقائها.

المنظمات الأهلية والعاملين فيها:

  1. تضررت العديد من مقار المؤسسات الأهلية نتيجة القصف الإسرائيلي الذي يستهدف الأعيان المدنية، ووفقاً لأعمال الرصد والتوثيق التي يجريها المركز فقد تضررت (92) مؤسسة أهلية من بينها (32) دمرت بشكل كلي وذلك منذ مطلع عام (2014) وحتى تاريخه، فيما اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة (7) من العاملين في المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة، أفرجت عن عدد منهم فيما بقي عدد آخر رهن الاعتقال.
  2. تتواصل حملة التحريض المنظمة والشرسة ضد المنظمات الأهلية والمنظمات الدولية الداعمة لها، عبر ما يسمى راصد المنظمات الأهلية (NGOs Monitor)، و(  (UN Watchومن خلال وزارة الشئون الاستراتيجية الإسرائيلية. وتسعى السلطات الإسرائيلية إلى تشويه صورة وسمعة المنظمات الأهلية والعاملين فيها ولا سيما منظمات حقوق الإنسان، وتختلق أحداث وتبني روايات لا علاقة لها بالواقع، تتهم فيها المؤسسات بالإرهاب أو الفساد. وهي حملات تهدف إلى نزع الشرعية المهنية والقانونية لتجفيف منابع التمويل.
  3. تمنع سلطات الاحتلال المؤسسات الأهلية من الاستفادة من الخبرات الدولية، فتمنع استقدام متطوعين للعمل مع المؤسسات الأهلية، بل وأصبحت تعاقب البعض منهم فتطرده من المطار وتحرّم دخوله للأراضي الفلسطيني المحتلة ولدولة الاحتلال لمدة تصل إلى عشر سنوات.
  4. تحظر سلطات الاحتلال سفر غالبية العاملين في المؤسسات الأهلية، الأمر الذي يحرمهم من تنفيذ نشاطات المناصرة والتحشيد، ويحد من قدرتهم على أيصال صوت الضحايا ونقل صورة الواقع الإنساني المتدهور في قطاع غزة. كما تحول دون قدرة المؤسسات على تعزيز قدرات طواقمها، من خلال المشاركة في المؤتمرات والدورات التدريبية، والتعرف على آليات الأمم المتحدة بشكل عملي عبر المشاركة في جلسات مجلس حقوق الإنسان. كما أنه تحول دون التواصل بين المؤسسات في قطاع غزة ونظيراتها في الضفة الغربية أو تنفيذ برامج مشتركة.
  • انخفاض حجم التمويل واشتراطات المانحين:

تواجه المنظمات الأهلية صعوبة كبيرة في الحصول على تمويل لبرامجها وخططها؛ كنتيجة مباشرة لحملات الضغط الإسرائيلية المتواصلة على الدول والحكومات لمنع تمويل المؤسسات الأهلية، عبر الضغوط المباشرة، أو استخدام المحاكم لمقاضاة بعض المانحين تحت ذريعة دعم الإرهاب؛ اضطرت بعض المنظمات الدولية والمانحين إلى تقليص عملها في الأراضي الفلسطينية، والبعض الآخر أوقف العمل في قطاع غزة، وأوقف تمويل منظمات المجتمع المدني، لدرجة طالت أيضا تمويل بعض المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة.

يُشترط على المنظمات الأهلية، التوقيع على وثيقة مكافحة (الإرهاب) فبعدما كان هذا الإجراء خاصاً بوكالة (USAID) الأمريكية -مع الوقت- تبنى بعض المانحين وثائق مشابهة وإن اختلفت في تفاصيلها وشكل الالتزامات التي تفرضها على المنظمات؛ الأمر الذي شكل عبئاً إضافياً دفع كثيراً من المؤسسات إلى رفض التمويل.

  • اجراءات التراخيص (رام الله):
  • تواصل دائرة تسجيل الجمعيات بوزارة الداخلية في رام الله إعادة إرسال نسخة من طلبات تسجيل المنظمات الأهلية إلى جهاز الأمن الوقائي، وجهاز المخابرات لإجراء ما يعرف "بالفحص الأمني، كما تشترط الحصول على موافقة كل وزارة لها علاقة بالنشاطات. ونتيجة هذه الإجراءات ظلت العديد من المنظمات معطلة وتنتظر الحصول على ترخيص رغم انقضاء فترة الشهرين المنصوص عليها في القانون، والتي تعتبر بعدها الجمعية مسجلة من تلقاء نفسها.
  • اشترطت وزارة الداخلية على المنظمات الأهلية إرسال تقاريرها المالية والإدارية لوزارة الداخلية، وهذا أمر يخالف أحكام قانون الجمعيات الذي أوكل إلى وزارة الاختصاص مهمة متابعة الجمعيات، حيث يعطي القانون صلاحية متابعة عمل الجمعيات والهيئات الأهلية للوزارة المختصة، وهي: "الوزارة التي يندرج النشاط الأساسي للجمعية ضمن اختصاصها وفي حال لم يندرج نشاط الجمعية الأساسي ضمن اختصاص أي وزارة تعتبر الوزارة المختصة هي وزارة العدل.
  • تفرض وزارة الداخلية على بعض المؤسسات تغيير بعض المشاركين في التأسيس بعد تقديم طلب تأسيس الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، وتكرر وضع اشتراطات على الجمعيات منها تغيير عضو واحد أو أكثر من أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين بحجة أنه غير مرغوب فيه، وفي حال رفضت أو امتنعت المؤسسة لا يصدر عن مدير عام الجمعيات والهيئات الأهلية والشؤون العامة كتاب اعتماد لمجلس الإدارة المنتخب واللجنة المالية والمكونة من (رئيس الجمعية ونائب الرئيس وأمين الصندوق). حيث تضطر الجمعية إلى تغيير الأشخاص وتبديلهم بأسماء جديدة.
  • يترتب على منع وحجب التراخيص للمؤسسات معوقات تهدد نشاطها، ومن أبرز هذه التحديات وقف وتجميد المعاملات والحسابات البنكية أو تأخيرها، حيث تشترط سلطة النقد حصول المنظمة على ترخيص من وزارة الداخلية في رام الله، كشرط لاستكمال المعاملات المالية في البنوك والمصارف التابعة لها. وأثبتت التجربة أن هذا الشرط يُعد من أصعب العقبات التي تعترض حرية عمل المنظمات الأهلية في قطاع غزة. وتواجه المنظمات مشكلات معقدة لاستكمال عملية فتح الحسابات البنكية وإجراء المعاملات المالية.
  • تواصل السلطة التنفيذية اصدار القرارات المقيدة لحرية عمل المؤسسات، فبتاريخ 27/04/2011م، أصدر الرئيس محمود عباس قرار بقانون رقم (6) لسنة 2011م، بشأن تعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000م، ومن التغييرات التي أجريت على القانون الأصلي تعديل المادة (39)، وتم استبدالها لتصبح على النحو الآتي: إذا حُلت الجمعية أو الهيئة تُعين الدائرة لها مصفياً بأجر، ويقوم بجرد أموالها ومحتوياتها، وعند انتهاء التصفية، تقوم الوزارة بتحويل أموالها المنقولة وغير المنقولة إلى الخزينة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، أو لجمعية فلسطينية مشابهة لها في الأهداف، مع مراعاة معاشات ومكافآت وحقوق موظفي الجمعية، أو الهيئة المنحلة وتكون مستثناة من عملية الإحالة". بينا النص الأصلي أعطى النظام الأساسي للجمعية حرية التحديد وجاء فيها " بما لا يتعارض مع أحكام القانون إذا حلت الجمعية أو الهيئة يُعين لها مصفٍ بأجر ويقوم بجرد أموالها ومحتوياتها حيث يجري التصرف فيها طبقاً لما هو مذكور في نظامها الأساسي...". 
  • منحت سلطة النقد البنك حرية تجميد وإغلاق حسابات المؤسسات بناء على شكها في المؤسسة، وهذا أمر يطلق يد البنك على نحو غير قانوني، الأصل أن سلطة النقد صاحبة هذا الاختصاص وبناء على محددات واضحة تمكن المؤسسة من الدفاع عن نفسها بما في ذلك اللجوء للقضاء.
  • تشترط الحكومة في رام الله عدم دفع أي ضرائب للدوائر الحكومية في قطاع غزة وفي حال دفعت فإنها تلزم بدفع الضرائب للحكومة في رام الله على أحسن تقدير، إن لم يفضِ ٫لك إلى تجميد معاملاتها.
  • القيود المفروضة من المؤسسات الحكومية في غزة:
  • أصدرت دائرة الجمعيات في وزارة الشئون الاجتماعية في قطاع غزة بداية شهر يناير/ كانون الثاني 2016م، تعميماً موجهاً إلى الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، يتضمن جملة من الاجراءات كوجوب التنسيق معها بخصوص أنشطتها، والحصول على شهادة تسجيل مهني من وزارة الشئون الاجتماعية. كما فرض التعميم على كافة الجمعيات والهيئات الأهلية إبلاغ دائرة الجمعيات في الوزارة عند جمع التبرعات العينية أو النقدية سواء كانت داخلية أو خارجية.
  • تشترط وزارة الداخلية في قطاع غزة حضور ممثلين عنها، خلال انعقاد الجمعية العمومية للمنظمات الأهلية، وحضور عملية انتخاب مجالس الإدارة بما فيها عملية الترشح والاقتراع. وفي حال جرت الانتخابات دون حضور ممثلين عن الوزارة لا يتم الاعتراف بنتائج الانتخابات
  • صدرت عدة قرارات تنفيذية تتعلق بعمل المنظمات غير الحكومية، من بينها حظر جميع الموظفين (المستنكفين) الانتساب، للجمعيات العمومية في الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، أو العمل كموظفين فيها أو أعضاء في مجالس الإدارة. لا يتم اعتماد أي مجلس إدارة للجمعيات المذكورة أعلاه حال وجود أي من الموظفين المستنكفين بين أعضائه.
  • أصدر وزير الداخلية قراراً يمنع الموظفين من ممارسة الأعمال التطوعية، فبتاريخ 9/02/2011م، أصدر وزير الداخلية والأمن الوطني في حكومة غزة قراراً بشأن حظر عمل الموظفين في الجمعيات، وينص القرار.
  • صدرت تعليمات تقيد من حرية الحركة والتنقل للعاملين في المنظمات الأهلية لخارج قطاع غزة وضرورة إعلام وزارة الداخلية.
  • تفرض السلطات في غزة رسوم لحضور مندوبيها لجلسات الجمعية العمومية، كما تفرض غرامة مالية على تأخير عقد الجمعية العمومية. والأصل أن رسوم الترخيص وتجديده لا تتجاوز 20 دينار، هذا ناهيكم عن أن حضور مندوبي وزارة الداخلية بحد ٫اته هو انتهاك للقانون ويمس بحرية عمل المؤسسة.
  • تواصل وزارة المالية في قطاع غزة مطالبة المؤسسات في قطاع غزة بدفع ضريبة الدخل، وهذا يعرّض المؤسسات لخطر وقف التمويل في ظل رفض المانحين دفع أي نوع من الضريبة للسلطات في غزة، فتوضع المؤسسة أمام تهديد فقدان التمويل إن دفعت الضريبة، أو رفض منحها شهادة الإعفاء الضريبي التي تعتبر ضرورية كشرط لتلقي التمويل. هذا ناهيكم عن اختلاف قيمة احتساب الضريبة على شرائح الرواتب بين غزة ورام الله فهي في غزة أعلى بكثير من نظيرتها في الضفة .
  • وهنا تجدر الإشارة أن الالتزام الكامل بشروط وزارة الداخلية لا يعني على الإطلاق حصول المؤسسة على حساب بنكي، لأن هذا رهن بموافقة السلطات في رام الله ومنحها التراخيص اللازمة.

الخلاصة

تشير المعطيات السابقة إلى وجود تهديدات جدية باندثار ظاهرة المؤسسات الأهلية بسبب القيود والضغوط المتصاعدة، والغريب هو عدم إدراك السلطات الفلسطينية المختلفة، لأهمية دور المؤسسات الأهلية وأثره على المجتمع ولا سيما الفئات الفقيرة والمهمشة. ودور هذه المؤسسات في التكامل بتقديم الخدمات للمواطنين في مجالات الرعاية الصحية والزراعة وأعمال الغوث والمساعدة الإنسانية مع نظيراتها الحكومية. هذا إلى جانب الدور الوطني في الدفاع عن ضحايا الانتهاكات الإسرائيلية وفضح هذه الانتهاكات واستخدام الآليات الدولية بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.

كما أن سلوك السلطات الفلسطينية يقدم دليلاً واضحاً على توجهاتها فيما يتعلق بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، فهذا السلوك يتعارض تماماً مع الالتزامات التي يفرضها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسة ويجعل دولة فلسطين عرض لانتقاد دائم من قبل آليات الأمم المتحدة المختلفة، هذا ناهيكم عن التراجع عن معايير النظام السياسي الديمقراطي والتأسيس لنظام تصادر فيه الحريات.


([1]) يُشير مصطلح المؤسسات غير الربحية إلى مؤسسات المجتمع المدني والأجسام القانونية غير الحكومية المسجلة لدى إحدى الوزارات في السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي تتسم بالاستقلالية والطوعية لتحقيق أهداف تهم الصالح العام ولا تهدف إلى الربح، وتتعدد أشكالها في المجتمع الفلسطيني فتأخذ صورة الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية والشركات غير الربحية والنقابات، والنوادي، والاتحادات.

[2] أنظر المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

اشترك في القائمة البريدية