مواجهة الانتحار من منظور حقوق الانسان

بقلم/ بهجت الحلو





هل اخطأ المشرع الدولي في الترتيب عندما وضع الحق في الحياة في المادة رقم 3 في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وهل كان من المفترض ان يضعها في المادة رقم 1 من هذا الاعلان على اساس ان الانسان يولد وتوهب له الحياة ثم يتمتع بباقي الحقوق؟ سؤال كنت اطرحة في كل لقاء تدريبي اقوم به لأسترعي انتباه المشاركين الى مكانة وقيمة الحق في الحياة بدون ما سبقها في الترتيب من قيم الحرية والمساواة والكرامة وعدم التمييز التي جاءت في المادة رقم 1 والمادة رقم 2 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، ليصل المشاركون الى حقيقة مفادها ان الحياة تصبح بلا قيمة بدون حرية ومساواة وكرامة، وتصبح بلاقيمة ان كان فيها تمييز، وهذا- للأسف - قد يفسر لماذا يضع بعض الشباب حدا لحياتهم التي اصبحت عندهم بلا قيمة نتيجة غياب هذه القيم الجميلة التي جاءت الرسالات السماوية والانبياء والرسل، وتتابعت قوافل المصلحين والحقوقيين لتحقيقها في واقع الناس. نعم انها الحرية والمساواة والكرامة وعدم التمييز.

فإذا اردنا مواجهة حالات الانتحار وصيانة مجتمعنا من فواجعها فيجب ان نرسخ هذه القيم فيه، ونجعل المواطنين يتنعمون بها، من خلال برامج واجراءات سريعة وناجزة ومنتجة، تقوم بها المؤسسات الفاعلة وصاحبة الواجب في بلدنا من خلال توفير العمل للشباب، والمشاركة، والعدالة، والقدرة على الوصول للطعام والتعليم والعلاج والتعليم وتشكيل أسرة. هنا نستطيع ان نحد من حالات الانتحارونواجهها من خلال تجفيف منابعها .

ولا مجال لتقديم – فقط- العظات الدينية والاحاديث التي نحفظها في تغليظ عقوبة المنتحر، لأن هذا أمر يأتي في سياق برنامج تربوي اصلاحي سابق على الفعل نفسة، أما عندما يضع شاب حد لحياتة ويسبب الفاجعة لأسرته والمجتمع، فإننا امام حالة قتل واسعة (ومن قتلها فكأنما قتل الناس جميعا) تستوجب الاعراض عن معالجتها بنفس الخلفية، والطريقة، وردة الفعل التي اعتدنا أن نعالج ونعامل فيها مصائب وتداعيات الانقسام، وضرورة الانتقال الى استشعار الخطر الجسيم، وتضافر الجهود لمواجهة حالات الانتحار وفق نهج قائم على الاستجابة في مستوياتها المتعددة من خلال تدابير التحقيق والمساءلة، والوفاء العاجل بالالتزامات، وتدابير منع التكرار، وتدابير معالجتها أوالتخفيف من آثارها.

ومن المثير انه كلما برزت اتفاقية جديدة لحقوق الانسان، تراجع ترتيب موقع الحق في الحياة في هذه الاتفاقيات، فالحق في الحياة هو في المادة رقم 6 من عهد الحقوق المدنية والسياسية للعام 1966، بينما الحق في الحياة هو في المادة رقم 10 في اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة للعام 2006 ، حيث ان هناك حقوق سابقة على الحق في الحياة بدونها تصبح الحياة بلا قيمة وبلا معنى اذ يجب حماية الانسان من الاكراة والتعذيب الجسدي والنفسي، ومن تمتعة بالآمان على شخصه، و حمايته من الاعتقال التعسفي، وحمايته من السجن لمجرد عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي، مما يوجب على السلطات حماية هذه الحقوق للحفاظ على الحياة ذاتها.

قولاً واحداً، ومن منظور حقوق الانسان، لمواجهة حالات الانتحار، لا بد من العودة للأسباب وتجفيف منابعها، وهذا يتم من خلال التأسيس لواقع تسود فيه العدالة ومنع التمييز والحرية، والكرامة لكل انسان وخصوصاً للشباب من الرجال والنساء على قدم المساوة.


اشترك في القائمة البريدية