حراك الكرامة والعدالة

بقلم /حسن البرغوثي

مدير عام مركز الديمقراطية وحقوق العاملين

من الضروري ان لا يمر حراك المعلمين النضالي دون قراءة متمحصة ومراجعة وطنية موضوعية من طرفي النزاع ,الحكومة والمعلمين بداية , ومن ثمّ مجمل القوى السياسية والاجتماعية وخاصة الحركة النقابية، وأن لا يتم التعامل مع الحراك كسحابة صيف عابرة، بل سحابة شتاء معبأة بالمطر والثلوج ومترافقة مع عواصف شديدة لم تنته بخطاب السيد الرئيس، ولا بانتخاب او تعيين امانة عامة جديدة،

ان حراك الكرامة كشف بشكل فاضح عن غياب المواطن معلما كان ام عاملا او سواهما من ابناء الوطن المحتل من اجندة الحكومة الفلسطينية والى حد كبير من اجندة الحركة النقابية وبعض القوى السياسية، ولا يخفى على احد ان المواطن الفلسطيني هو الحلقة المركزية ونقطة القوّة الاساسية في صراعنا مع السياسات الاحتلالية الاسرائيلية، وصموده وتوفير مقوّمات هذا الصمود الكريم على ارض وطنه من اولويات نضالنا الوطني التحرري، لقد تعاملت الحكومة مع المعلمين بتجاهل لا ينمّ عن الاحترام والتقدير لطبيعة مهنة التعليم , والاهم والاخطر من بين كل المهن نظرا لطبيعة حجم المسؤولية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذه المهنة، مهنة تتحمّل مسؤولية مستقبل اجيال ومسؤولية ودور هذه الاجيال في حماية وتحرير هذا الوطن، وبناء اقتصاده، وتلبية احتياجات سوق العمل،فطالب اليوم هو مهندس وطبيب ووزير ورئيس المستقبل، وهو ابن لعائلة تكد لتوفير متطلبات تعليمه ليكون عونا لها في شيخوختها في ظل غياب نظام حماية اجتماعية،

ولابد هنا من الاشارة الى ان طبيعة عمل المهن الاخرى وحجم المخاطر والمسؤولية الملازمة لها ضررها محدود بفرد او مجموعة افرادومن السهل تفاديه ومعالجته، بخلاف مهنة التعليم .

ان استمرار الحكومة الفلسطينية بتجاهل حقوق المواطنين الفلسطينيين وتغييبهم واقصائهم عن المشاركة في رسم سياساتها وصناعة قرارارتها التي تمس حياتهم اليومية والمستقبلية وتضعف مؤسساتهم المجتمعية نقابية كانت ام اهلية، متجاهلة الاهمية الوطنية والاجتماعية لتلك المؤسسات، ومتناسية حجم الاموال التي ضختها منظمة التحرير الفلسطينية لبناء تلك المؤسسات وتعزيز دورها وقدراتها التنظيمية قبل اتفاق اوسلو, ان هذا التجاهل سيفضي في النهاية الى نتائج وخيمة على السلم الاهلي وعلى مجمل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلى صورة الحكومة الفلسطينية في الداخل والخارج، واذا ماكانت الحكومة تتحمل المسؤولية عن ذلك فهذا لن يعفي من اتخذوا الصمت ملاذا لهم، والوشوشة الخجولة في الجلسات الضيقة من المسؤولية.

لقد قيل في الحراك النضالي للمعلمين اكثر مما قاله مالك في الخمر، ولعلّ كل ما قيل يعزز ما اسلفته عن غياب المواطن من اجندة الحكومة ويكشف بوضوح مدى التباعد بين الحكومة والناس الامر الذي افقد الكثيرين رؤية حقيقة ما يجري، والى جانب ذلك يكشف هشاشة الاعتماد على هياكل نقابية قادتها معينون وهم يمثلون احزابهم السياسية - وليسوا ممثلون حقيقين لابناء مهنتهم ، كما ان سياسات المحاصصة التنظيمية للهيئات القيادية للحركة النقابية قد ادت الى اقصاء عشرات الالاف عن نقاباتهم واتحاداتهم، وتعامل معها ان كان المعلمون او العمال على انها اجسام لا تمثلهم، وكونها كذلك فقد فشلت في قيادة وتوجيه حراكاتهم المطلبية العادلة، ولا بدّ من تذكير من يحاولون اطالة عمر الامانة العامة الحالية وتاجيل الانتخابات، ان المعلمين المضربين فكوا اضرابهم عندما اعلنت الامانة العامة السابقة الاضراب واعلنوا من جديد اضرابهم عندما اعلنت الامانة العامة السابقة انهاء الاضراب، وللحقيقة ان ممثلي المعلمين في اللجان التنسيقية-وهذا ما لمسته من خلال اجتماعي معهم- ان غالبيتهم العظمى من ابناء حركة فتح، وهناك ايضا من ينتمون الى فصائل اخرى من فصائل منظمة التحرير ، ولا اكشف سرا في القول ان احدا لا يستطيع تصور حجم المهانة التي انتابت مشاعر المعلمات والمعلمين من تجاهل الحكومة لهم وسمعت من اكثريتهم " لو ان رئيس الوزراء خرج مخاطبا الاف المعلمات والمعلمين المحتشدين امام مقر مجلس الوزراء واسمعهم الالتزام بتنفيذ اتفاق العام 2013 واحترام وتقدير الحكومة لهم لأنهوا اضرابهم على الفور، كما ان اغلبيتهم كانت تقول اذا ما خرج الرئيس وتحدث عن الاضراب وعن التزام الحكومة بتنفيذ الاتفاق المذكور فلن نكسر كلمة الرئيس" ان هذا الكلام وما تلاه من تنفيذ المعلمين لما قالوه بانهائهم الاضراب في اعقاب خطاب الرئيس وما يكشف عنه من حجم احترام كبير ليضع على كاهل الرئيس مسؤولية كبيرة في مقدمتها دمقرطة اتحادهم وحماية حقهم في حرية التنظيم والنشاط النقابي من جهة ومن جهة اخرى زيادة حصة التعليم في موازنة الحكومة.

ان المبدأ الاساس في العمل النقابي ان تقف مع من اعلنوا اضرابهم بغض النظر عن مدى واقعية مطالبهم، ولا يجوز محاولات كسر الاضراب من خلال توجيه الانتقادات في وسائل الاعلام لمطالبهم او لقانونية اضرابهم ، فهذا ليس من الحكمة في شيء ولا يعبّر عن حرص على المضربين ومصالحهم بل اصنّفه في خانة التآمر على المضربين بهدف كسر ارادتهم وافشال اضرابهم دون تحقيقه لأي من اهدافه، ومن هذا المنطلق جاء توقيعي على مبادرة منظمات المجتمع المدني تاييدا للاضراب وليس قناعة بكل المطالب وخاصة مطلب زيادة علاوة المهنة 100% او 70% ومن خلال سؤالي لعدد من اصدقائي المعلمات والمعلمين، الا ترون تناقضا في قبولكم جدولة الديون المستحقة على الحكومة ومطلب زيادة طبيعة المهنة بالنسب المذكورة؟ فالقبول بالجدولة يعني ادراككم لغياب الامكانات المالية التي تمكّن الحكومة من دفع الديون فورا

هذا من جهة ومن جهة اخرى فالقيادة العمالية او النقابية تحدد مطالبها على اساس المعلومات المتوفرة لديها ان كانت معلومات مالية او ادارية او تسويقية الخ وهنا ضربت مثالا طالما ذكرته امام اخواتي واخوتي النقابيين من ان العاملين في شركة لوفتهانزا عندما اعلنوا اضرابهم قبل سنوات لا اذكر بالتحديد السنة، كانت احدى مطالبهم زيادة اجورهم بنسية 9,9% ولا اعتقد انهم عندما حددوا تلك النسبة كان في اذهانهم اسلوب مدراء التسويق في شركة باتا، بل كان مبني على معطيات عن ارباح الشركة في العام السابق للاضراب وعن حجم المبيعات في عام الاضراب وبالطبع لا انسى انهم يملكون الحق في الوصول الى المعلومات، بخلافنا وهذا الحق الممنوع علينا، ولا بد من الاشارة هنا ان نسبة ال70% تعادل لا اقل من 1500 شيكل ,واذا ما ضرب هذا الرقم في عدد المعلمين يكون الناتج 55,500,000 اي(14,273,352 )دولار وهنا لا اناقش عدالة المطلب المجرّدة، ولكن اناقش امكانات تحقيق المطلب فالإمكانية موجودة في الواقع وليس في الحلم او التمنّي،

المسألة الأخرى مسألة الاتحاد العام او الموقف من الاتحاد العام، حيث كان غيابه او تغييبه احد نقاط الضعف الكبيرة في الاضراب ولست بحاجة لذكاء اي كان ليشرح لي عن ضعف او مهادنة او تساوق الاتحاد مع الحكومة الخ ماقيل ويقال، ولكن السؤال الهام الموجّه للمعلمين اين انتم واتحادكم؟ الا تدركون اهمية وضرورة العمل النقابي؟ وهل يخفى عليكم ان العمود الفقري لأي اتحاد نقابي قوته التمثيلية التي تعزز من قوته وقدرته التفاوضية! الم تنظروا من حولكم لرؤية اتحادات الاطباء والمهندسين وعظيم دورها في المجالات المختلفة، وهنا ربما يقول قائل ما قيل ان التمثيل الحقيقي على الارض ومن خلال اللجان التنسيقية، وهذا صحيح، ولكن علينا الانتباه ان النزاع يكون بين طرفين او عدة اطراف وما اقتنع به وبصوابيته ليس بالضرورة ان يكون الطرف الأخر مقتنعا به بغض النظر عن الاسباب والتي يكون احدها بابا للهرب وادارة الظهر للحوار او التفاوض ادراكا لما يترتب على التفاوض من نتائج والتزامات، وليس من المفيد اثناء حراكي النضالي ان اصرف انتباه الناس من حلفاء وداعمين وانتباه المعلمين الى قضايا اخرى بعيدة عن مطالبي بغض النظر عن صحة تلك المواضيع من عدمها . ولعل الدرس الهام والواجب والضروري استخلاصه في هذا الصدد يتمثل بداية في التعاون مع الامانة العامة الجديدة بغض النظر عن توصيف كل منكم لها، التعاون للاعداد للانتخابات الحرة والديمقراطية التي كفلها الرئيس في خطابه ويؤكد عليها اعضاء الامانة العامة الجديدة ,ان مهمتنا الاعداد للانتخابات خلال عام وهنا لا بد من التاكيد ان الانتخابات الديمقراطية تتطلب اوسع مشاركة من المعلمين وان يبني المعلمون على حراكهم ما يليق به من احترام والتزام بعضوية الاتحاد من خلال تسديد الاشتراكات، ليصار الى مراجعة دستور الاتحاد وتعديل مواده بما يضمن التسلسل الهرمي المتماسك للاتحاد العام للمعلمين.

واخيرا من الضرورة بمكان ان تلعب اللجان التنسيقية دورا ايجابيا في مساعدة الامانة العامة- ومرة اخرى وبغض النظر عن رأي البعض فيها- فيجب المباشرة في تعزيز قوة الاتحاد التمثيلية وتجنب اية محاولة من شانها الحاق الضرر بتلك الوحدة التي اكتسبها المعلمون من خلال حراكهم المجيد والتي تتطلب تعزيزها وتجسيدها في اتحاد عام ديمقراطي يمثل ويعبّر عن الارادة الحرة للمعلمين

 

اشترك في القائمة البريدية