جريمة بلا حساب... !!!

بقلم: عطية محمود الوادية


كمَّن حمل عصى الذكرى لينكأ بها الجراح.. العدوان على غزة عام 2014، لا تزال ذكراه بل آثاره تُعذب أبناء هذا الشعب، وتكشف اللثام عن عالم ظالم ترك المجرم بلا حساب, بل سُمح له أن يستمر في ظلمه وجبروته، فالصور المؤلمة لآلاف الشهداء والجرحى والبيوت المدمرة تبقى شاهدة على حجم المعاناة وبشاعة ما ارتكب بحق البشر والشجر والحجر.. بل والمرضى وهم ينقلون على الأكتاف تحت تهديد النار.. إذ كانت من أكثر الصور قتامة لمعركة بقاء دارت تفاصيلها في مستشفى الوفاء للتأهيل الطبي والجراحة التخصصية بغزة إيذانا بتدمير المستشفى عن بكرة أبيه.


مستشفى الوفاء الرائد والوحيد الذي يُقدم خدمات التأهيل الطبي في قطاع غزة، هو أحد مؤسسات القطاع الصحي لم يشفع له كونه مستشفى أن تحمه القوانين الدولية من تدمير آلة الاحتلال له إبان العدوان، فأكوام الحجارة وقطع الحديد التي تبقت من أجهزته الطبية وكراسي المرضى المتحركة وحَملِ مرضاه على الأكتاف وامتزاج رائحة الدخان والبارود بأنفاس المرضى والطواقم الطبية آنذاك، تبقى شاهدة على فظاعة الحادثة، ورغم ما شكله المتضامنين من درع بشري لحمايته من نيران الاحتلال ونداءات الاستغاثة التي ملأت الأرض، مطالبة بوقف العدوان بحقه وتوفير الحماية له من آلة التدمير الصهيونية.. إلا أن العالم كله تجاهل وقتها النداء.. فحدثت الكارثة.


وتسببت هذه الكارثة بخسارة المستشفى لكافة مبانيه ومقدراته والتي بلغت قيمتها نحو 14 مليون دولار، وخسارة مستمرة لموارده تقدر شهرياً بنحو 40 ألف دولار، ولم تتوقف آثارها المدمرة عند هذا الحد، بل تعدتها لتصل حد الاعتداء على الإنسانية بحرمان آلاف المرضى من خدمات المستشفى والذي يشكل الأمل والعون للكثير منهم، قذائف ونيران الاحتلال التي انصبت على الوفاء وحولته إلى ركام، بخرت آمالهم في الملاذ الوحيد الذي يؤويهم للتغلب على جراحاتهم ويعودوا لممارسة حياتهم الطبيعية كأي فرد في المجتمع.


المستشفى ورغم ذلك، نهض من تحت الركام يستكمل مشوار الأمل، وحمل الرسالة الإنسانية لمرضاه من العدم، وبحد أدنى من الإمكانيات البسيطة، ومع تقديم بعض المساعدات له من المؤسسات الشريكة والتي وقفت إلى جانبه وشدت من أزره في ظل المحنة الصعبة التي مر بها، استطاع الوقوف على قدميه مرة أخرى وقدم خدماته لمرضاه في مقره المؤقت في مدينة الزهراء وسط القطاع، وحقق انجازات ملموسة وواضحة بفضل كوادره الطبية التي ظلت على رأس عملها رغم ضيق الحال وانقطاع الرواتب لأشهر عديدة بسبب  تدمير كافة موارده.


الإرادة القوية التي سطرتها مستشفى الوفاء باستمرارها في تقديم خدماتها، هي مستمدة من إرادة البقاء التي يتمتع بها الفلسطيني والتي تولد معه، والتي لو تعرضت لها مؤسسة أخرى لتوقفت عن العمل وما سُمع لها صوت بعدها.


ومن هنا يمكن القول: "إن مؤشر الإعمار بدأ ببدء الكوادر لعملها رغم الدمار الكامل، واستقرار المستشفى في عمله بمقره المؤقت، إضافة إلى الوعود المستقبلية ببدء المرحلة الأولى من الإعمار والتي سترى النور قريباً، والتي يأمل المستشفى من المؤسسات المانحة والداعمة والتي يجد فيها الحس الإنساني الحر لاستكمال المراحل الأخرى، حيث ما فقدت الوفاء الأمل بأشقائها وأصدقائها والتي تقدم لهم وافر الشكر والتقدير والعرفان على وقفتهم مع شعبنا في ظل الحصار وضيق الحال.


وتبقى هذه الجريمة والتي لم تخفَّ على أحد وفضحتها كافة المؤسسات الحقوقية والإعلامية، شاهدة على جرائم الاحتلال وانتهاكاته للأعراف والمواثيق الدولية, هي بحاجة إلى العمل بشكل فاعل لتشكيل ضغوط كبيرة من المجتمع الدولي وفق أبجديات جدية تُفعل مسألة العقاب والمحاسبة الرادعة للمحتل يعاد فيها للمرضى والجرحى أقل حقوقهم الإنسانية.


اشترك في القائمة البريدية