بعد مرور عامين على الحرب على غزة: حكومة مشلولة، وبطالة مستفحلة، وإعمار متوقف بفعل سياسات الاحتلال... !!

تحقيق: شبكة المنظمات الأهلية

رغم مرور عامين على الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة عام 2014، والتي قُتل وأُصيب وشُرد فيها الآلاف من المواطنين والأسر الفلسطينية، ودُمر فيها عشرات الآلاف من المنازل ما بين تدمير كلي وتدمير جزئي أو الإصابة بأضرار، وجُرف فيها آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، وقضيَّ فيها على نسبة كبيرة من الثروة الحيوانية، ورغم ما تم الاتفاق عليه في الثامن والعشرين من أغسطس/ آب، أي بعد مرور 51 يومًا على الحرب، بين فصائل المقاومة من جهة، وبين إسرائيل من جهة ثانية بوساطة مصرية، على وقف القتال مقابل بعض التسهيلات، مازالت آثار الحرب قائمة في كل ركن وزاوية من زوايا مخيماتنا، وفي كل حي ومدينة من أحياء قرانا ومدننا حتى الآن.

مشردون بلا مأوى

فالمدمرة بيوتهم مازالوا بلا مأوى، والمصابون بلا علاج يُذكر، وأهالي الشهداء مازالوا يستجدون المؤسسات الخيرية والتي من الواجب بل ومن الضروري أن تُعنى بشئونهم للحصول على كابونة يسدون بها رمق جوعهم وأطفالهم اليتامى، كل ذلك أمام مرأى ومسمع دول عربية وأخرى أوروبية مانحة أقرت في مؤتمر القاهرة الذي عُقد في آب من العام 2014 نحو 4 مليارات دولار، آثرت صم الآذان بل والصمت عن الكلام اتجاه ما يحصل لشعب مدني أعزل محاصر منذ نحو 10 سنوات، وأبنائه يُقتلون، ومنازله تُدمر وأطفاله ونسائه مشردون بلا مأوى، فتكتفي بين الحين والآخر بإلقاء الفتات من المعونات لهذا الشعب الذي يحتاج الكثير الكثير حتى يتغلب على البطالة وعلى حالة الفقر المدقع التي يعيشها، ليكون في مصاف الشعوب الأخرى التي تعيش باستقرار وأمان.

وأمام كل ما ذُكر، فالشارع الفلسطيني يؤكد عدم رضاه عن ما تم تحقيقه منذ انتهاء الحرب، وعن مستوى التزام المانحين بإعادة إعمار قطاع غزة في ظل التباطؤ الملحوظ الذي ما زال يعتري عملية إعادة الإعمار، فالاقتصاديين انتقدوا حالة التناقض القائمة في المعلومات والبيانات المتعلقة بمجمل عملية إعادة الإعمار، وعدم قدرة الحكومة الفلسطينية على إحداث تغيير جوهري في ذلك بعد مرور عامين على الحرب الأخيرة على قطاع غزة، حيث ذهب اقتصاديون إلى وصف الحكومة بالمشلولة.

وهنا تبقى العديد من الأسئلة التي تتردد على ألسنة المشردين والفقراء تبحث عن إجابات شافية ووافية عند المسئولين وصناع القرار لتُعيد لهم الأمل بغدٍ أفضل، إلى متى سيبقون على حالهم هذا من التشرد والبؤس والحرمان؟، وهل سيمر عليهم عام جديد يتنقلون فيه ما بين خيمة في العراء أو كرفان لا يقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء؟، وما هو دور الحكومة في تخليصهم من حالة الفقر المدقع التي يعيشونها؟، ومتى سيكون للمجتمع الدولي كلمته على إسرائيل للسماح بدخول مواد البناء لغزة دون رقيب أو حسيب؟.

وفي هذا السياق يرى الخبير الاقتصادي د. سمير عبد الله مدير البحوث في معهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية "ماس"، أن هناك تضاربًا وتناقضًا في المعلومات والبيانات المتعلقة بمجمل عملية إعادة الإعمار ومستوى التزام المانحين بإعادة إعمار قطاع غزة، سواء مما ألحقته الحرب الأخيرة أو الحروب التي سبقتها من دمار واسع، لذا فمن المؤكد أنه ليس هناك أحد راض عن آلية إعادة الإعمار التي نسبها ما يعرف بمنسق شؤون المناطق لدى الجانب الإسرائيلي يوؤاف موردخاي لنفسه خلال جلسة عقدها مؤخرًا مع عدد كبير من رجال الأعمال من قطاع غزة.

مواد بناء بالقطارة

وقال عبد الله في تصريح صحفي في ذكرى مرور عامين للحرب الأخيرة على غزة: "هذه الآلية تعمل على إدخال مواد البناء (بالقطارة)، وأمام هذه الضغوط والتوجه الإسرائيلي لجعل الباب مواربًا مع حماس، لاسيما وأن هناك أطرافًا في حماس تسعى لهذا الأمر وتتعامل معه في ظل تعثر وتوقف المصالحة، وبالتالي فإن الشارع الفلسطيني غير راض عن ما تم تحقيقه بعد عامين من انتهاء الحرب الأخيرة، خاصة وأن الواقع على الأرض يكشف تباطؤ عملية إعادة الإعمار، كما أن خطة الإعمار المكونة من شقين مرتبطين ببعضهما البعض لم يتم الالتزام بتنفيذها، فالشق الأول المتعلق بإزالة آثار الدمار وإعادة بناء ما تم تدميره لم ينفذ حتى الآن بشكل كلي، كما لم ينفذ الشق الثاني المتعلق بإنعاش الاقتصاد.

واعتبر أن الوضع في غزة بات أشبه ببرميل بارود وسط حالة من الاحتقان الشديد والإحباط الشامل، منوهًا إلى أن الأوضاع في الضفة الغربية ليست أفضل حالًا من غزة، باستثناء أن مواطني الضفة يستطيعون بشكل عام تلبية احتياجاتهم المعيشية اليومية، لاسيما وأن إسرائيل فتحت الباب أمام عمال الضفة للعمل داخل السوق الإسرائيلية.

تدمير القطاعات الصناعية ممنهج

ورغم مرور عامين على العدوان الإسرائيلي الأخير 2014 على قطاع غزة، إلا أن آثاره ما تزال شاهدة على عنجهية وإجرام آلة الحرب الإسرائيلية التي لم تترك شيئًا إلا وأتت عليه في القطاع المحاصر منذ عشر سنوات، فالخسائر البشرية والعمرانية كانت صعبة وكبيرة جدًا، ولكن الأسوأ بعد مرور تلك الفترة الزمنية، هي الخسائر التي طالت القطاعات الصناعية والغذائية ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة لتدميرها وتحويل القطاع من مُصدِر إلى مستورد في أفضل حالاته، لاسيما وأن تدمير قطاع الصناعات الإنشائية والغذائية، إضافة إلى تضرر قطاعات النسيج والمعدنية والخشبية والألمونيوم والصناعات الورقية والبلاستيكية، أثرت بشكل سلبي على عجلة الاقتصاد والصناعة في قطاع غزة وما زال العشرات من أصحاب تلك المصانع ينتظرون التعويضات لإعادة بناء مصانعهم وانتشال الاقتصاد من الموت السريري.

5 مفقودين بحاجة للكشف عن مصيرهم

وفي سياق متصل، فإنه ورغم عثور أحد المواطنين في حي الشجاعية في السابع والعشرين من شهر تموز/ يوليو الماضي، على جثة مواطن متحللة تحت أنقاض منزله بعد مرور عامين على الحرب، إلا أن هناك عائلات أخرى ما زالت الحرب مستمرة أمامهم بفقدانهم فلذات أكبادهم وعدم معرفة مصيرهم حتى الآن.

فالسؤال الذي يطرح نفسه، ما هو مصير 5 مواطنين آخرين مازالوا في عداد المفقودين المجهولين والذين تعبت قلوب أمهاتهم لمعرفة ما حل بهم، هل هم أحياء يرزقون داخل سجون المحتل؟، أم جثث هامدة متواجدة في مقبرة الأرقام؟، أم تحولت أجسادهم إلى أشلاء مبعثرة بفعل القذائف الصاروخية، التي انهمرت عليهم كالمطر.

فعائلات المفقودين لم تركن ولم يهدأ لها بال منذ فقدانهم أبنائهم، فرحلة البحث عنهم منذ العامين مستمرة ومتواصلة ما بين الصليب الأحمر والمراكز الحقوقية لمعرفة مصيرهم، ولكن يبقى السؤال عنهم مستمرًا لعدم وجود أي إجابة أو رد من قبل الجانب الإسرائيلي أو غيره عنهم.

فمنذ أن وضعت الحرب أوزارها، لم يهدأ لعائلة المفقود نور الدين أبو عمران ابن السادسة عشر من عمره بالًا، حيث لم يعلم ذووه عنه شيئًا، فيقول شقيقه: "لقد بحثنا عن نور في كل مكان، لم نترك مستشفى أو مكانًا إلا وبحثنا عنه فيه، ولكن دون جدوى، حتى راودنا التفكير بأن يكون نور قد أُخذ أسيرًا عند الاحتلال، ما جعلنا نتوجه إلى الصليب الأحمر لمعرفة مصيره، فعملنا لهم توكيلًا لمعرفة أي معلومة عنه".

وأضاف، "إن الصليب قام بإرسال الرسائل للجانب الإسرائيلي، ولكن الاحتلال رفض الإدلاء بأي معلومة عن مصيره وباقي المفقودين، ولكن هذا لم يجعلنا نيأس، بل توجهنا لمركز الميزان لحقوق الإنسان وقمنا بتوكيل محامي للبحث عنه، ولكن الإجابة من قبل الجانب الإسرائيلي كانت كالرد على الصليب الأحمر".

الاحتلال يرفض إعطاء معلومات عنهم

وتقول ميرفت النحال مدير وحدة المساعدة القانونية بمركز الميزان، إن العدوان الأخير شهد عدة انتهاكات إسرائيلية، أبرزها تعرض فلسطينيين للتعذيب، وسرقة أموال خاصة من قبل الجنود، وانتهى بفقدان فلسطينيين لم يعرف مصيرهم إن كانوا أحياءً أم أمواتًا.

وأوضحت النحال: أن الاحتلال يواصل رفضه تزويدهم بأية معلومات عن مصير هؤلاء المفقودين، مؤكدة أن هذه السياسة للتغطية على انتهاكات الجيش في غزة، "بدليل عدم تقديم أي جندي للتحقيق في انتهاكات حدثت أثناء الحرب".

من جهتها أكدت سهير زقوت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، أن اللجنة لا تملك إحصائية بأعداد المفقودين في العدوان، باعتبار أن هذه مهمة السلطات المختصة، قائلة: "هذا الملف تم طرحه أثناء زيارة جاك دي مايو رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للأراضي المحتلة العام الماضي، وكشف في حينه عن مطالب تقدموا بها لكل من الاحتلال والمقاومة الفلسطينية وحركة حماس تحديدًا، من أجل الكشف عن مصير المفقودين من كلا الطرفين.

وأضافت زقوت إن دي مايو اعتبر أن قضية المفقودين لا تقبل المساومة وفق معايير القانون الدولي، وفي حال وجود جثث فعلى كل جانب الإبلاغ عنها وتسليمها، على عكس المعتقلين الأحياء الذين لا يدرجهم القانون الدولي ضمن من ينبغي الإفراج عنهم، إلا أنه يحظر استخدام العنف بحقهم، موضحًا أنهم يتعاملون مع هذه القضية وفق اعتبارات إنسانية تتعلق بعوائل المفقودين، بمعزل عن الطابع السياسي لكل جهة.

يذكر أن عائلة الشهيد مؤمن كامل البطش (25 عامًا)، كانت تعتقد أن الاحتلال اختطف جثمان نجلها مع مجموعة من زملائه المقاومين أثناء العدوان، قبل أن تعثر عليه العام الماضي أسفل منزلها، أثناء عملية تجريفه شرق حي التفاح، شرقي مدينة غزة، بينما تنتظر عوائل أخرى الكشف عن مصير أبنائها.

الصمود في وجه العدوان

وبمناسبة مرور عامين على العدوان، نظمت القوى الوطنية والإسلامية بقطاع غزة اعتصامًا جماهيريًا أمام مقر الأمم المتحدة في مدينة غزة، وخلال الاعتصام ألقى وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني كلمة القوى'الوطنية والإسلامية قال فيها إننا في هذه المناسبة نقف أمام وقفتين هامتين وقفة عز وشموخ  والثانية وقفة حزن وألم، أما وقفة العز والشموخ فهي أن شعبنا الفلسطيني قد استطاع بإرادته الصلبة الصمود في وجه العدوان وأحبط مخططاته ولم يمكنه من تحقيق أهدافه، وأن صمود وبطولات شعبنا جاءت لتمثل امتدادًا لكفاح وبطولات شعبنا الفلسطيني على امتداد عقود مضت في مختلف ساحات وميادين النضال الساخنة، أما وقفة الحزن والألم في هذا اليوم فهي على الآﻻف من الشهداء والجرحى والأسرى والبيوت المدمرة  التي ما زال سكانها دون مأوى.

وأضاف العوض، ومن هنا من أمام الأمم المتحدة ندعو الأمم المتحدة لتسريع اﻻعمار فورًا، كما ندعو الرئيس أبو مازن اعتماد الشهداء والعناية بأسرهم، لافتًا إلى أن شعبنا يعيش ذكرى العدوان الذي كان من أهدافه إحباط الوحدة الوطنية، وأكمل نقف الآن على أبواب اﻻنتخابات المحلية، وعلينا جميعا إنجاحها لأنها تعيد اأمل باستعادة الديمقراطية المسروقة بفعل الانقسام، وفي هذا الصدد نثمن خطوة حركة "حماس" بالموافقة على إجراء الانتخابات المحلية والبلدية، وضمان إجراءها ونزاهتها وتذليل العقبات أمام المجالس المنتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء.

حرب أكثر دموية منذ عام 67

من جانبه قال الدكتور ياسر أبو جامع مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية، في رسالة بعث بها إلى أعضاء مجلس العموم البريطاني الذي كان وجه له رسالة لحضور اجتماع للأعضاء وإلقاء خطاب فيه، إلا أن سلطات الاحتلال منعته من ذلك، "إنه ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة المختلفة، فقد قتلت القوات الإسرائيلية 2189 فلسطينيًا خلال شهري يوليو/ تموز، وأغسطس/ آب من العام 2014، في حدث هو الأكثر دموية وتدميرًا منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967".

وأضاف أبو جامع في رسالته، "منذ بداية التحقيق في الحالات الناجمة عن "عملية الجرف الصامد"، يُعتقد أن 1486 من الضحايا هم من المدنيين، بينهم 513 طفلًا (323 من الفتيان، و190 من الفتيات) و 269 امرأة، موضحًا أن قضية حماية الأطفال حظيت على اهتمام وقلق كبيرين,حيث تجاوز عدد الضحايا من الأطفال في هذه الحرب ما مجموعه عدد الأطفال الذين قتلوا في الهجمتين السابقتين على غزة.

وكانت أربع منظمات للصحة وحقوق الإنسان، وبعثة مستقلة لتقصي الحقائق الطبية ضمت ثمانية خبراء طبيين دوليين مستقلين،  وصفت الهجمات بأنها كانت شديدة وغير متوقعة في الأحياء والمدن بطريقة لم تميز فيها ما بين الأهداف المشروعة والسكان المدنيين المحميين، مسببة تدمير واسع النطاق على صعيد المنازل والممتلكات المدنية، بالإضافة إلى أنها قد أفشلت إمكانية اتخاذ الاحتياطات اللازمة التي من شأنها أن تمكن الإخلاء الآمن للسكان المدنيين سواء بتوفير الأماكن الآمنة أو حتى ممرات للإخلاء.

وقال أبو جامع، بعد انتهاء الهجمات، شعرنا نحن في برنامج غزة للصحة النفسية أنه من واجبنا مساعدة الناس على التعافي والعثور على الأمل في المستقبل، فعلى الرغم من الخسائر التي تحملناها خلال 50 يومًا وترك الكثيرين منا منازلهم وتشردوا، فقد قررنا أن معركتنا الخاصة قد بدأت، وهي أن نحارب الشعور بالحزن وفقدان الأمل، فمعًا وسويًا ساعدنا بعضنا البعض للتغلب على الصعوبات والأحزان، ومددنا أيدينا لمساعدة الناس في قطاع غزة.

وأمام كل ما ذُكر، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه ويبحث المواطن البسيط عن إجابة شافية له من المسئولين وصناع القرار، إلى متى سيبقى حال قطاع غزة وسكانه البالغ عددهم ما فوق مليوني فلسطيني يعيشون حالة اللجوء والتشرد والحرمان والفقر والبطالة، والخروج من حالة حرب إلى حالة حرب أخرى قبل أن يكونوا قد التقطوا أنفاسهم من ما قبلها؟.

 

اشترك في القائمة البريدية