أكد رؤساء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وحقوقيون ومختصون وقانونيون، أن إعادة إعمار ما دمرته حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة حق إنساني أصيل وليس منحة أو امتيازاً، وأن حرمان الفلسطينيين من هذا الحق يُعدّ انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، مشددين على أن الإعمار يمثل الركيزة الأساسية لاستعادة الحياة الطبيعية.
جاء ذلك خلال الندوة الإلكترونية الخاصة التي نظمتها الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بالتعاون مع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بعنوان (إعادة الإعمار حق إنساني، نحو استرداد العدالة للفلسطينيين)، بهدف تسليط الضوء على الأبعاد القانونية والحقوقية للحق في الإعمار والتحديات التي تواجه هذا الحق، ودور المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان في حماية هذا الحق وتعزيزه، بمشاركة رؤساء ونشطاء وممثلين عن المؤسسات الوطنية الأعضاء في الشبكة ومن التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وشبكاته الإقليمية والمنظمات الشريكة ونشطاء فاعلين وممثلين عن مؤسسات دولية.
وأكد المشاركون على ضرورة تكاتف جميع الجهود لتعزيز حق الفلسطينيين في إعادة إعمار مساكنهم ومجتمعاتهم كجزء لا يتجزأ من كرامتهم وحقهم في الحياة الكريمة، وفي مقدمتها جهود المؤسسات الحقوقية.
وتحدث في الجلسة الافتتاحية، الأستاذ جمال الشمايلة المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن، الأستاذة سمر الحاج رئيس الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، المستشار محمود كارم رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، السيد سلطان الجمالي الأمين العام للشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، السيد عصام العاروري المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين.
أكد الشمالية على أن إعادة الإعمار حق أصيل مرتبط بالكرامة الإنسانية وبالحق في السكن والعيش الكريم، وهذا الحق ينبغي أن يكون مكفولاً ومحميًا بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. فيما شددت الحاج على دور الشبكة العربية والمؤسسات الوطني في دعم حق الفلسطينيين في الإعمار كونه جزء من حماية الكرامة الإنسانية، مستعرضة محاور الجلسة المتمثلة في الجانب قانوني لتناول الأسس القانونية الدولية التي تكفل حق الإعمار وتلزم المجتمع الدولي به، والجانب الحقوقي، أثر الدمار على الحقوق الأساسية ودور المؤسسات الوطنية في رصد الانتهاكات ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق الفلسطينيين، والجانب الميداني المتمثل في استعراض واقع الدمار على الأرض والتحديات التي تعيق الإعمار.
من جهته أوضح كارم أن حق الإعمار حق إنساني أصيل وفق القانون الدولي، وليس منّة من أحد، لأنه يعيد الكرامة ويمكّن الشعب الفلسطيني من استعادة حياته الطبيعية، مشيراً إلى دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في هذا المجال، وأكد أن المجلس القومي في مصر يدرك مسؤوليته في دعم هذا الحق والدفاع عنه، مع ضرورة قيام المجتمع الدولي بواجباته القانونية والأخلاقية. وشدد الجمالي على أن دعم الهيئة لحقوق الإنسان في فلسطين والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني هو ثابت وأساسي في عمل الشبكة العربية، وأن حق الإعمار حق أصيل، وليس منحة، ويرتبط بالعدالة والإنصاف، ويجب حمايته في إطار القانون الدولي الإنساني، داعياً المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته التي لا تقتصر على تقديم المساعدات، بل تشمل رفع القيود، ومساءلة من يعرقل الإعمار، وضمان مشاركة الفلسطينيين في إعادة بناء مجتمعهم.
واستعرض العاروري في كلمته استمرار جريمة الإبادة في غزة رغم الادعاء بوجود وقف لإطلاق النار، مشيرًا إلى تواصل القصف، التجويع، الحصار، ومنع دخول المواد الإنسانية، وركز على ثلاثة ملفات رئيسة ثم ركّز على ثلاثة ملفات رئيسية، استرداد جثامين الشهداء، كون الاحتلال يرفض الانتقال للمرحلة الثانية من التفاهمات بحجة جثتين، بينما يحتجز 759 جثمانًا فلسطينيًا بينهم أطفال ونساء وأسرى قضوا تحت التعذيب، مطالبًا بـ “الكل مقابل الكل”. إرهاب المستوطنون الذين يمارسون القتل والحرق والنهب بحماية جيش الاحتلال، وحول اليوم التالي، بين غياب رؤية فلسطينية موحدة لإدارة غزة بعد الحرب، مع خطر تراجع التضامن الدولي بسبب الرواية المضللة بأن الإبادة توقفت، ما يستدعي تفعيل حركة التضامن العالمية والضغط على الحكومات التي تستمر بتوريد السلاح لدولة الاحتلال.
وتناول المحور الأول من الجلسة الثانية الإطار القانوني لحق إعادة الإعمار في القانون الدولي، حيث تحدث المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن اللائق السيد بلامريشان راجاغوبال، حول الأساس القانوني الدولي لحق الإعمار ومسؤوليات الأطراف المختلفة في ذمان هذا الحق، داعياً إلى تبنّي نهج قائم على حقوق الإنسان في إعادة الإعمار، كون الدمار في غزة واسع وممتد، حيث دُمّر أكثر من 62% من المنازل والخدمات الأساسية، وأن تقديرات إعادة الإعمار تتجاوز 3.2 مليار دولار وفق البنك الدولي، مشدداً على أن الدمار ليس ماديًا فقط، بل نفسي وثقافي واجتماعي، ما يتطلب مقاربة شاملة، وأن الوقف التام لإطلاق النار يشكل ضرورة ملحة لتمكين دخول المساعدات، وتنفيذ خطة المأوى، وإنشاء سجل رسمي للدمار كشرط للشفافية والعدالة، وأكد أن للمتضررين حق أصيل في الإعمار والتعويض، وأن مسؤولية الضرر تقع على إسرائيل والولايات المتحدة وأطراف أخرى، كما شدّد على مبادئ تقرير المصير والمشاركة الشاملة والرقابة المستقلة، معتبرًا أن إنهاء الاحتلال هو الشرط الأساسي لأي إعمار قائم على الحقوق وتحقيق التنمية وحق الفلسطينيين في الحرية.
وتناول المحور الثاني لهذه الجلسة، الواقع الميداني والمعيقات أمام إعادة الإعمار في الأراضي الفلسطينية، فقد استعرض الأستاذ أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية ونائب مفوض عام الهيئة، التحديات الميدانية في قطاع غزة وتأثير الدمار على حياة المواطنين وجهود المؤسسات المحلية في تهيئة بيئة داعمة للإعمار، مبيناً التحديات الميدانية وأن وقف إطلاق النار لم يغيّر الواقع الإنساني الكارثي، فما تزال المساعدات والمواد الأساسية تُمنع أو تُقيَّد بشكل كبير، فيما تتصاعد معدلات الجوع، ويعيش عشرات الآلاف دون مأوى مع وصول عدد محدود جدًا من الخيام مقارنة بالحاجة الفعلية، مشيراً إلى الدمار الواسع في المنازل والبنى التحتية وشبكات المياه والصرف الصحي، وتراكم مئات آلاف الأمتار المكعبة من النفايات، إضافة إلى نقص حاد في الأدوية والخدمات الصحية والتعليمية، حيث تُمنع حتى المواد التعليمية الأساسية من الدخول، وبالرغم من هذه الظروف القاسية، بدأ السكان بمحاولات تعافٍ ذاتي تحت سيطرة الاحتلال على جزء كبير من القطاع وتهجير الناس نحو “مراكز بديلة”. وشدّد الشوا على أن إعادة الإعمار يجب أن تقوم على الحقوق والعدالة والمساءلة، وأن تتم ضمن مسار وطني وسياسي موحد يضمن وحدة الشعب وحقوقه، مع دور محوري للأونروا، وضرورة إنشاء هيئة وطنية للإعمار، وضمان مشاركة النساء والشباب، ورفض القيود الإسرائيلية على مواد البناء.
وتحدثت السيدة تغريد جمعة المدير العام لاتحاد لجان المرأة في قطاع غزة عن دور منظمات المرأة في حماية الفئات الأكثر تضرراً وتمكين المجتمعات المحلية من المشاركة في التخطيط وإعادة البناء، حيث أكدت أن إعادة الإعمار في غزة يجب أن تضمن دمج احتياجات وحقوق النساء والفتيات في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ والرقابة، خاصة مع ما تعرّضت له النساء من تهجير واسع وارتفاع كبير في الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، مشددة على أهمية مشاركة النساء الفعالة لا الشكلية.
واستعرض السيد سام روز مدير العمليات في "الأونروا" الجوانب التشغيلية والإنسانية لعملية إعادة الإعمار ودور الوكالة الدولية في دعم المتضررين وإعادة بناء البنية التحتية الحيوية، مبيناً أن قطاع غزة يواجه أكبر موجة تدمير منذ الحرب العالمية الثانية، إذ دُمّرت أو تضررت بشكل كبير 81% من المباني، بما فيها المدارس والمرافق الصحية والمنازل والبنية التحتية للمياه والكهرباء والزراعة، مشيراً إلى أن فرق الأونروا تكبدت خسائر كبيرة، حيث فقدت 381 موظفًا منذ 7 أكتوبر 2023، ويواجه نحو 12 ألف موظف قيودًا على الوصول إلى مواقع العمل. وأوضح أن القيود الصارمة على دخول المواد الإنسانية والبيروقراطية تعيق عمل الوكالة، وتؤثر على فعالية برامج التعافي والإعمار، وتحد من القدرة على تقديم التعليم والرعاية الصحية. ورغم ذلك، واصلت أونروا جهودها لضمان استمرارية التعليم والرعاية الصحية، حيث عاد نحو 550 ألف طالب إلى التعليم في الخيام، ويعمل 12 ألف موظف يوميًا لتقديم الخدمات الصحية، مع استخدام التعليم عن بُعد كحل مؤقت، مشدداً على ضرورة رفع القيود على الإمدادات وتسهيل وصول المساعدات لتحقيق تعافٍ فعّال وإعادة بناء حياة الفلسطينيين في غزة.
وجاء المحور الثالث من الجلسة الثانية تحت عنوان دور منظمات حقوق الإنسان في توثيق الانتهاكات والمساءلة الدولية، فقد شدد السيد أليكس تاكنبرغ المستشار الأقدم لشؤون فلسطين، مركز النهضة الاستراتيجي(ARDD) ، على أن مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تلعب دورًا حيويًا في دعم جهود الإعمار العاجل في فلسطين، من خلال توثيق الانتهاكات بدقة، وتقديم المناصرة القانونية، ودعم التحقيقات الدولية، بما يشمل التعاون مع المحاكم الدولية والآليات الأممية. وشدّد على أن هذه المؤسسات تشكّل جسرًا بين الجهود الدولية وواقع حقوق الإنسان على الأرض، خصوصًا فيما يتعلق بحق الفلسطينيين في السكن اللائق وإعادة بناء حياتهم بعد النزاع. وأكد أن عمل المجتمع المدني يوفر أساسًا موثوقًا لدعم المحاسبة الدولية والمساءلة، ويضمن أن تكون جهود الإعمار عادلة وفعّالة، من خلال المتابعة الدقيقة والضغط على الآليات الدولية لضمان التزام الأطراف بمسؤولياتها وفق القانون الدولي.
