الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء تعقد جلسة حوارية تناقش امتناع السلطات عن تنفيذ قرارات المحاكم وتدعو لتعزيز سيادة القانون

عقدت الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون “استقلال” في محافظة الخليل جلسة نقاشية بعنوان “امتناع السلطات الرسمية عن تنفيذ قرارات المحاكم”، بحضور واسع من ممثلي المؤسسات القضائية والأمنية والحقوقية، بما في ذلك نقابة المحامين، الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، المحكمة الشرعية، جهاز المخابرات العامة، الشرطة الفلسطينية، القضاء العسكري، وممثلي المجتمع المدني.
هدفت الجلسة إلى مناقشة ظاهرة امتناع السلطات الرسمية عن تنفيذ الأحكام القضائية، وتحليل أسبابها القانونية والإدارية، واقتراح حلول عملية لتعزيز احترام قرارات المحاكم وسيادة القانون في فلسطين. وتأتي هذه الجلسة في سياق جهود “استقلال” المستمرة لدعم استقلالية القضاء، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها فلسطين، بما في ذلك الحرب والاحتلال.

افتُتحت الجلسة بتلاوة الفاتحة على أرواح شهداء الوطن، تلاها كلمة المنسق العام، الأستاذ سهيل عاشور، نقيب المحامين السابق، الذي أكد أن تنفيذ قرارات المحاكم هو الركيزة الأساسية لسيادة القانون واستقلال القضاء. وحذّر من أن الامتناع عن تنفيذ الأحكام أو تأخيرها يُعد انتهاكًا خطيرًا لمبدأ الفصل بين السلطات، ويُضعف ثقة المواطنين بالنظام القضائي.
قدّم الأستاذ ماجد العاروري، المدير التنفيذي لهيئة “استقلال”، عرضًا تفصيليًا حول تزايد حالات عدم تنفيذ الأحكام القضائية القطعية، خاصة خلال الأشهر الأخيرة في ظل الحرب. 

وأشار إلى أن الهيئة وثّقت حوالي 50 حالة خلال فترة قصيرة، معظمها يتعلق بعدم تنفيذ قرارات إفراج عن موقوفين أو إعادة موظفين إلى وظائفهم بناءً على أحكام القضاء الإداري. وأوضح أن قاعدة بيانات وطنية أُنشئت لتوثيق هذه الحالات، مما يعكس تفاقم الظاهرة.
وأضاف العاروري أن تعديل قانون مكافحة الفساد عام 2018 أضعف النص الذي كان يعتبر الامتناع عن تنفيذ الأحكام جريمة فساد، مما قلّل من فعالية المساءلة القانونية. وطالب بإعادة تجريم هذا الفعل بوضوح، مشيرًا إلى أن الهيئة خاطبت النيابة العامة، مجلس القضاء الأعلى، وزارة الداخلية، والقضاء العسكري لتحمّل مسؤولياتهم في ضمان التنفيذ.
أكد نائب محافظ الخليل، السيد تيسير الفاخوري، أهمية مثل هذه اللقاءات في تعزيز الشراكة بين المجتمع المدني والجهات الرسمية، داعيًا إلى عقد جلسات دورية لمتابعة هذا الملف. وشدد على تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه رغم التحديات، مؤكدًا أن استقلال القضاء هو الضمانة الأساسية لصون هذه الحقوق.

من جهته، تساءل الأستاذ سائد العويوي، عضو مجلس نقابة المحامين، عن وجود انتقائية في تنفيذ الأحكام أو توجيهات عليا تعيقها، مطالبًا بتحديد الجهات المسؤولة عن الامتناع ومحاسبتها. وأبدى استعداد النقابة للتعاون مع الهيئات الحقوقية لتوثيق الحالات وتحريك الشكاوى.
من جانبها، رصدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان 144 شكوى منذ بداية العام، منها 36 في الخليل، تتعلق بعدم تنفيذ قرارات المحاكم، معتبرة أن هذه الظاهرة تُعد انتهاكًا لحقوق الإنسان وتقوّض الثقة بالقضاء.

وقال فريد الأطرش مدير مكتب الهئية المستقلة لحقوق الإنسان في الجنوب أنّ الهيئة تتلقى شكاوى متكررة من مواطنين وعائلات موقوفين صدرت بحقهم قرارات قضائية لم تُنفّذ، وتعمل على متابعة تلك الشكاوى رسميًا مع الجهات المختصة حتى ضمان المعالجة القانونية لها.
كما شدّد على أنّ الهيئة على استعداد كامل للتعاون مع “استقلال” ومع النقابات والمؤسسات القانونية لإنشاء آلية رصد وطنية موحدة لتوثيق الحالات ومتابعتها، مؤكدًا أنّ احترام القضاء وتنفيذ أحكامه هو الشرط الأول لأي إصلاح سياسي أو إداري حقيقي.

فيما تحدث الأستاذ سهيل عاشور عن نوعين من الامتناع: صريح يتمثل في الرفض المباشر، وضمني يتم عبر عراقيل إدارية. ودعا إلى إشراك القضاء العسكري في النقاشات لضمان التكامل بين القضاءين المدني والعسكري.

أما العميد حاتم عرعر، مدير التحقيق في جهاز الشرطة الفلسطينية، أكد التزام الشرطة بتنفيذ قرارات المحاكم، مشيرًا إلى أن التأخير قد يعود لأسباب إدارية أو تباطؤ في عمل الأجهزة. واقترح تطوير آلية إلكترونية تربط المحاكم بمراكز الشرطة لتفادي التأخير، مؤكدًا أن أي تجاوزات فردية تُتابع داخليًا.
بدوره، أكد الأستاذ عيسى عمرو ، ممثل القضاء العسكري، أن أي توقيف يخالف قرارات الإفراج يُعد جريمة تستوجب الملاحقة، داعيًا إلى تعزيز التعاون بين القضاءين المدني والعسكري.

المستشار  القانوني في جهاز  المخابرات  ابراهيم  الريان قال ممثل جهاز المخابرات العامة أوضح أن الجهاز يعمل تحت إشراف النيابة العامة، ويتابع الحالات المنظورة امام المحاكم، وقد قدم عدد من هذه الحالات مؤكدًا التزامه بتنفيذ القرارات القضائية فور استكمال الإجراءات النظامية.
اختتمت الجلسة بجملة من التوصيات العملية، تشمل:

  1. إعادة تجريم الامتناع عن تنفيذ الأحكام في التشريعات الفلسطينية، لضمان المساءلة القانونية.
  2. تحديد مسؤوليات الجهات القضائية والتنفيذية بوضوح لتفادي التداخل أو التأخير.
  3. إنشاء آلية وطنية موحدة لمتابعة تنفيذ الأحكام، بالتعاون بين الجهات الحقوقية والرسمية.
  4. تعزيز دور النيابة العامة والشرطة في الإشراف على تنفيذ الأحكام.
  5. إطلاق حملات توعية لنشر ثقافة احترام القضاء بين المواطنين والمؤسسات.
  6. عقد جلسات حوار دورية بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني لضمان استمرارية المتابعة.

تأتي هذه الجلسة في ظل تحديات معقدة تواجه النظام القضائي الفلسطيني، بما في ذلك ضعف التنسيق بين الجهات الرسمية، نقص الموارد، والتدخلات السياسية المحتملة. وتؤكد الجلسة على أهمية الرقابة المجتمعية في مراقبة أداء السلطات وضمان احترام سيادة القانون، مما يسهم في تعزيز الثقة بالقضاء واستقرار المجتمع.
تُعد هذه الجلسة جزءًا من جهود “استقلال” المستمرة لتعزيز العدالة وسيادة القانون في فلسطين. وأكد المشاركون على أن احترام قرارات القضاء هو معيار أساسي لاستقرار المجتمع وصون حقوق المواطنين، مشددين على ضرورة تكاتف الجهود بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني لبناء دولة القانون.
 

اشترك في القائمة البريدية