يستنكر مركز الميزان لحقوق الإنسان ادعاء قوات الاحتلال الإسرائيلي بوجود مناطق خالية جنوب قطاع غزة لاستقبال المهجرين من مناطق شمال القطاع، ويؤكد المركز بأن إعلان قوات الاحتلال هو بمثابة تضليل للرأي العام، ومحاولة لتبرير عمليات التهجير الجماعي والتطهير العرقي التي تخطط للقيام بها في محافظة غزة وشمال غزة، ويحذر المركز من أن مخططات التهجير لا تعني سوى تعميق الكارثة الإنسانية ووضع المدنيين أمام مخاطر حقيقية على حياتهم، لا سيما أن المناطق التي أشار لها بيان جيش الاحتلال هي مناطق بالفعل مكتظة لدرجة لا يمكن وصفها، وتفتقر لأبسط مقومات الحياة، ويتواصل استهداف المدنيين فيها بالقصف وإطلاق النار.
وبحسب بيان جيش الاحتلال الذي نشر صباح اليوم، فقد اعتبر حقيقة أنه لا توجد أماكن فارغة جنوب القطاع، عبارة عن إشاعات فارغة، وأن هناك مناطق شاسعة فارغة كما هو الحال في مخيمات الوسطى وفي المواصي، وأن إخلاء مدينة غزة وشمال غزة، لا مفر منه، وبالتالي ستحصل كل عائلة تنتقل إلى الجنوب على أوفر المساعدات الإنسانية التي جاري العمل عليها في هذه الأيام، حيث بدأ الجيش بالعمل على إدخال الخيم، وتمهيد مناطق لإنشاء مجمعات توزيع المساعدات الإنسانية ومد خط مياه وغيرها، وأن إخلاء مدينة غزة لا مفر منه.
تجدر الإشارة إلى أنه وبتاريخ 8 أغسطس 2025، صادق المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) على خطة لاحتلال مدينة غزة بالكامل، في حين يأتي بيان جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم، في إطار المضي قدماً في هذا المخطط الذي سبقه تدمير واسع النطاق في مناطق جباليا والصفطاوي شمال القطاع، وحي الزيتون والصبرة شرق مدينة غزة، والذي ما زال مستمراً حتى لحظة كتابة هذا البيان، فقوات الاحتلال توسع عملياتها العسكرية الآن على الأرض وتتوغل في هذه المناطق، ومن المتوقع أن يؤدي تنفيذ هذه الخطة إلى تصعيد غير مسبوق في معدلات القتل والدمار، وزيادة حالات النزوح الداخلي القسري، وسط ظروف إنسانية متدهورة أصلاً.
وحول المناطق الخالية في جنوب قطاع غزة، تؤكد المعطيات أن تلك المناطق لم يعد بإمكانها استيعاب المزيد، حيث تشكل الكثافة السكانية الآن في تلك المناطق 45 ألف نسمة لكل كيلو متر مربع، وبتهجير سكان غزة وشمالها نحوها ستصبح حوالي 90-100 ألف، وذلك بعد سيطرتها على مدينة رفح وتدميرها بالكامل في منتصف العام الماضي 2025، وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة.
أفاد المواطن (ح. م)، رجعت أنا وأسرتي المكونة من 6 أفراد إلى مدينة غزة من مدينة خان يونس أين كنت أعيش في خيمة في وقت التهدئة بداية العام الحالي 2025، واستأجرنا منزلاً بعد تدمير منزلنا بالكامل في المدينة، وبعد أوامر الإخلاء المتكررة التي طالب فيها جيش الاحتلال الانتقال إلى الجنوب، توجهت بتاريخ 24/8/2025، إلى منطقة مواصي خانيونس، عند خيمة تعود لأحد أقاربنا، مكثت هناك يومين كاملين وأنا أبحث في كل المنطقة عن مكان لأضع فيه خيمتي ولم أجد، الخيم متراصة بجانب بعض وبالكاد تستطيع السير بينها، حتى الشوارع الرئيسية مغلقة ويوجد عليها خيم ولا يوجد متسع لوضع خيمة أخرى، حتى إني توجهت إلى منطقة معسكر خان يونس، ولكني وجدت الامور خطيرة جدا هناك، وقوات الاحتلال تقصف ما يتحرك في المنطقة، عدت إلى مدينة غزة ولا أعلم إلى أين أذهب، أنا الآن قررت البقاء في المنزل، وطلبت من بعض الأقارب للبحث لي عن مكان حتى مقابل مادي، ولكن لم يجد أحد لي مكان حتى الآن ولا أعرف ماذا أفعل.
وتفترش مئات الأسر من المهجرين قسراً في تلك المناطق الشوارع والميادين العامة في المناطق الغربية لمحافظة الوسطى ومواصي خان يونس، ويعيشون ظروفاً إنسانية بالغة القسوة، دون توفر الحد الأدنى من متطلبات البقاء على قيد الحياة، من مأوى ومياه وغذاء، وعرضة لتقلبات الجو صيفاً وشتاءً، مع تدهور في مكونات البيئة وارتفاع معدلات التلوث وانتشار الأوبئة والأمراض، ويلاحقون ويستهدفون بالقصف وإطلاق النار في خيامهم، وقتلت الأطفال والنساء والمرضى والمسنين منذ بدأ حرب الإبادة الجماعية، لم تستثنيهم، وحولتهم إلى أهداف عسكرية مشروعة، وأصبحت هذه الجرائم ترتكب بشكل علني ومتكرر.
وحول توفير المساعدات الإنسانية للمهجرين حسب بيان الاحتلال الإسرائيلي، فإن الوقائع على الأرض تدحض ذلك، فبالإضافة إلى أعمال التدمير واسعة النطاق التي تواصلها قوات الاحتلال، بما في ذلك مهاجمة النازحين في خيامهم أو في مراكز الإيواء في المناطق التي صنفتها سبقاً بأنها مناطق إنسانية وآمنة، تمارس سلوكاً واضحاً ومنظماً في منع الإمداد الإنساني عن السكان المدنيين، سواء إمدادات الغذاء والمياه أو الدواء والوقود، والاستمرار في استخدام التجويع كسلاح، وعسكرت عمليات توزيع المساعدات وجعلتها أداة للقتل، حيث أعلنت الأمم المتحدة الجمعة الماضية 22/8/2025، عن تفشي المجاعة رسمياً في غزة في قطاع غزة.
يتضح من سلوك قوات الاحتلال أن عمليات التهجير الجماعي القسري لم تكن تهدف إلى حماية المدنيين كما تدعي، بل هي جزء من جريمة الإبادة الجماعية، الرامية إلى تعميق معاناة المدنيين، وجعلهم عرضة لكل أنواع جرائم القتل والتجويع والظروف غير الإنسانية بهدف تدميرهم مادياً ومعنوياً، ما يستوجب تدخلاً حقيقياً وعاجلاً لحماية أرواح الأبرياء.
وبحسب عصام يونس مدير مركز الميزان (فإن قوات الاحتلال تواصل جرائمها بإصدارها أوامر نزوح جديدة للمواطنين في مدينة غزة وشمالها دون توقف أو رادع أو تدخل من المجتمع الدولي، إن إجبار المواطنين على النزوح في وقت أصبحت مساحة ما تسيطر عليه قواتها وهو حوالي ٩٠٪ من مساحة القطاع، يعني تهجيراً قسرياً وإلحاق أذى غير مسبوق بالسكان الذين أجبروا على النزوح مرات عديدة، في وقت تكتظ فيه المساحة المتبقية من القطاع بالسكان إلى الحد الذي لا يوجد معه متسع لإقامة خيمة، ذلك بالتوازي مع سياسة التجويع والتعطيش ومنع وصول المساعدات الإنسانية وانعدام الخدمات الصحية، ما يعني خلق طوابير موت مؤكدة، وكارثة غير مسبوقة ستعصف بهم. إن الغرض الرئيسي مما تقوم به دولة الاحتلال هو تكرار سيناريو مدينة رفح وبيت حانون وبيت لاهيا، تهجير السكان وطردهم من القطاع والاستيطان فيه، وهو ما صرح به وزراء في الحكومة الإسرائيلية مراراً).
إن المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تهجير سكان غزة وشمالها لجنوب القطاع، سيضعهم في ظروف أقرب إلى معسكرات جماعية، تذكر بأساليب الإذلال الجماعي والحرمان الممنهج المستخدمة في فترات مظلمة من التاريخ، ويخشى أن تكون هذه الخطوة مقدمة لخلق بيئة من الفوضى والمعاناة والانهيار التام، تستخدم لاحقاً كمبرر أو كفرصة لفرض حلول إنسانية زائفة، مثل الترحيل الجماعي إلى خارج القطاع، ما يعد تهجيراً قسرياً، وجريمة بموجب القانون الدولي الإنساني وميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يستنكر بيان جيش الاحتلال الإسرائيلي ومزاعم وجود أماكن خالية، ونيتها توفير المساعدات الإنسانية، فإنه يؤكد أن هذا البيان ليس سوى محاولة لتضليل الرأي العام بما يخدم المخطط الإسرائيلي لتهجير سكان غزة، وخلق وقائع على الأرض تلحق الأذى البالغ بالمدنيين الفلسطينيين وإيقاع أكبر الخسائر في صفوفهم، والدفع بقطاع غزة ليكون غير قابل للحياة، ومكاناً للموت والدمار.
ويدين المركز في الوقت ذاته الخطة الإسرائيلية الرامية إلى احتلال قطاع غزة بالكامل، ويؤكد المركز أن هذه التصعيد الخطير والمنهجي، يمهد لمزيد من الدمار الشامل، والاقتلاع القسري للسكان المدنيين، وهو ما أصبح واضحاً من خلال تصريحات القادة الإسرائيليين المتكررة والعلنية، ومن خلال الممارسة على الأرض، ما يشكل تطهيراً عرقياً وتهديداً وجودياً لحياة ما يزيد عن مليوني إنسان.
ويعيد المركز تحذيره من توسيع نطاق الكارثة الإنسانية وتصاعد الجرائم والتهجير القسري، ويحمل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الجرائم الجارية بحق المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك القتل العمد، والتجويع، وتدمير مقومات الحياة كمقدمة لتهجير السكان الأصليين.
وعليه، يطالب المركز لا سيما الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، وهيئات الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، ومجلس الأمن بالتحرك الفوري والجاد لوقف حرب الإبادة على قطاع غزة فوراً، ومنع تنفيذ مخطط تهجير السكان قسرياً، وضمان وقف حرب الإبادة الجماعية، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتأمين الحماية الفورية للمدنيين، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب بحق سكان القطاع.