تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف البنية التحتية في قطاع غزة بشكل منظم ومتعمد، بما في ذلك المرافق الخدمية الحيوية التي لا غنى عنها وحياة السكان، كالمرافق العامة ومعدات البلديات والمستشفيات ومصادر الغذاء والمياه، وبسبب أوامر النزوح المتكررة ودفع المدنيين للتكدس في مساحات جغرافية ضيقة، وسط انتشار أكوام القمامة في محيط أماكن تجمعات النازحين في مراكز الإيواء والخيام، حيث تنعدم وسائل جمع النفايات والتخلص منها أو معالجتها بصورة آمنة، وانتشرت الأوبئة والأمراض المعدية نتيجة التلوث وتكاثر الحشرات والقوارض في تلك المناطق المكتظة بالسكان، في ظل أوضاع معيشية متدهورة وغير إنسانية.
وواصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي منع دخول الوقود اللازم لعمل المستشفيات وتشغيل آبار المياه، والمعدات البلدية الضرورية، وتفاقمت الأوضاع الصحية والبيئية بشكل خطير في غياب الحد الأدنى من مقومات الصرف الصحي والسلامة العامة، وتلوث التربة والمياه الجوفية نتيجة تسرب الملوثات، وتلوث الهواء الناجم عن الحرق العشوائي للنفايات ما أدى إلى زيادة معدلات الإصابة بالأمراض الجلدية والمعدية بين السكان، وتفشي أمراض التهاب الكبد الوبائي والأمراض الجلدية.
وظهرت أمراض نادرة وخطيرة، كمتلازمة غيلان باريه، وهو مرض نادر يشكل خطراً على الحياة، إذ يهاجم الجهاز المناعي للجسم والجهاز العصبي الطرفي فيه، وقد يؤدي إلى الشلل الكامل أو الوفاة، وقد أشارت وزارة الصحة إلى تسجيل ثلاث حالات وفاة بهذا المرض، كما سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الإصابة، وبلغت 95 حالة إصابة، من بينها 45 طفلاً دون سن الخامسة عشرة.
صرح الدكتور أحمد الفرا مدير مستشفى التحرير للأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي: منذ قرابة الشهرين لاحظنا أن هناك موجة من أمراض الشلل أو الشلل الارتخائي المتصاعد، حيث تبدأ الحالات بنزلة معوية بسيطة أو انفلونزا، وبعد يومين أو ثلاثة يبدأ الطفل بعدم القدرة على الوقوف أو الجلوس، ثم إلى صعوبة في البلع أو التنفس، من ثم تصل إلى الشلل التام في كافة الأطراف، والأعداد كبيرة جداً، قرابة 40-45 حالة دون 15 عاماً، وقرابة 50 حالة فوق 15 عام، وبالمقارنة بفترة ما قبل الحرب، كانت تكتشف حالة واحدة في السنة بكاملها، والأمر مرتبط بتلوث مياه الشرب واختلاطها بمياه الصرف الصحي ونقص جهاز المناعة والفيتامينات وغياب الأدوية الفعالة لعلاج هذا المرض.[1]
وتتفاقم الأزمة بفعل الحصار المشدد وانتشار المجاعة وسوء التغذية بين 2.3 مليون إنسان من السكان المدنيين، بينهم أكثر من 1،2 مليون طفل، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفع عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة إلى 239 شهيداً بينهم 106 أطفال.[2] كما أن هناك 40،000 رضيع أقل من سنة، يعانون من سوء تغذية وحياتهم مهددة، و250،000 طفل أقل من 5 سنوات يعانون من نقص غذاء يهدد حياتهم مباشرة، و1،200،000 طفل أقل من 18 عاماً، يعيشون حالة انعدام أمن غذائي حاد.[3]
وفي الوقت نفسه، تسبب الحصار والاستهداف المنظم للمستشفيات، ومنع دخول الوقود والأدوية ومستلزمات النظافة إلى تفاقم الواقع الصحي في القطاع، حيث أشار مكتب الشؤون الإنسانية، إلى أن أكثر من 40 % من الأسر تفتقر إلى الصابون في منازلها، على حين تسجل المصاريف المرتبطة بالنظافة الصحية ارتفاعاً متواصلاً، وثمة حاجة ماسة إلى كميات كبيرة من الصابون وأوعية المياه لدعم ممارسات النظافة الصحية الأساسية للحيلولة دون مزيد من التدهور في الظروف الصحية العامة.[4]
وأفاد مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، بأنه لا يوجد في المستشفيات ما نعالج به الجرحى والمرضى، والأدوية مفقودة، وظهرت بكتيريا تسبب التهابات كبيرة لجروح المصابين تؤدي للوفاة أو البتر، وازدادت حالات الإصابة بالشلل الرخوي وارتفاع عدد الوفيات بسببه، وأيضا التهاب الحمى الشوكية وتفشي الأمراض الجلدية بسبب ارتفاع الحرارة وشح المياه وأدوات النظافة.[5] وأعلنت الأمم المتحدة أن حالات التهاب السحايا المشتبه بها بلغت خلال شهر يوليو وأوائل أغسطس من هذا العام 452 حالة، وهو أعلى رقم منذ بدء التصعيد.
في حين شكلت أوامر الإخلاء المتكررة ودفع السكان إلى مناطق مكتظة، عاملاً أساسياً في تفاقم الأمراض، في ظل عجز متواصل ومتصاعد في رصيد الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث صرح ممثل منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة الدكتور ريك بيبركورن "يستمر النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وقد تفاقم، حيث وصل مخزون 52% من الأدوية و68% من المستلزمات الطبية إلى الصفر، وتفاقمت الأزمة بسبب أوامر الإخلاء في مدينة غزة، والتي وضعت الآن مستودع منظمة الصحة العالمية في منطقة إخلاء.[6]
مركز الميزان لحقوق الإنسان يدين بشدة استمرار جرائم قوات الاحتلال في سياق حرب الإبادة الجماعية، واستمرارها في فرض الحصار المشدد على قطاع غزة، ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية الوقود والمساعدات الإنسانية ما فاقم من الأوضاع الصحية للمدنيين. ويؤكد المركز بأن الظروف المعيشية والصحية القاسية التي فرضتها إسرائيل عمداً، والعمل على تكريس الجوع والعطش، وتفشي الأمراض في ظل نقص الدواء، يأتي ضمن نهج متعمد لتكريس الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، ومنع الحد الأدنى من الخدمات الأساسية بهدف إلى إيقاع أكبر الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين، والدفع بقطاع غزة ليكون غير قابل للحياة، ومكاناً للموت والدمار.
وعليه، يطالب المركز المجتمع الدولي بالتدخل لإجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية، والعمل على تمكين الجهات المختصة من تقديم خدماتها المنقذة للحياة، وإنهاء كافة القيود والمعوقات أمام حصول المرضى على خدمات الرعاية الصحية، والسماح بسفر المرضى إلى الخارج لتلقي العلاج، وتسهيل مرور المساعدات والوقود وإرساليات الأدوية والمتسهلكات والمستلزمات الطبية كافة، والسماح للطواقم الطبية والوفود بالدخول إلى قطاع غزة، وإعادة تأهيل المستشفيات ومراكز الخدمات الصحية والخدمات الأساسية كالمياه والصرف الصحي وخدمات جمع النفايات ونقلها إلى المكبات، والكهرباء، وغيرها من الخدمات التي لا غنى عنها لحياة السكان.
--------------------------------
مقابلة نشرتها وزارة الصحة على صفحتها الرسمية[1]
بيان وزارة الصحة[2]
وزارة الصحة الفلسطينية[3]
آخر المستجدات رقم 311 قطاع غزة[4]
مقابلة مع الدكتور محمد أبو سلمية [5]
تقرير الأمم المتحدة[6]