المركز الفلسطيني يوجه نداء عاجل لوقف خطة الاحتلال محو غزة ومنع تهجير سكانها قسرًا

يحذر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من التداعيات الكارثية للخطة الإسرائيلية المعلنة، الرامية إلى السيطرة الكاملة على مدينة غزة وتفريغها من سكانها وتهجيرهم قسرًا نحو جنوب القطاع. يأتي هذا التطور ضمن مخطط ممنهج لمحو المدن الفلسطينية، ودفع السكان إلى التكدس في أقل من 5% من مساحة القطاع، تمهيدًا لترحيلهم خارج الحدود في أكبر عملية تطهير عرقي تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ النكبة، بينما يصمت المجتمع الدولي أو يعجز عن التدخل الجاد لوقف الإبادة الجماعية التي تدخل الآن شهرها الثالث والعشرين.

وتابع المركز بقلق بالغ واستهجان شديد ما أعلنه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الجمعة الماضي، حول موافقة المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) على خطة تشمل “الاستعداد للسيطرة على مدينة غزة، مع ضمان تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين خارج مناطق القتال”. ووفق الإعلان، تتضمن الخطة خمسة مبادئ أساسية من بينها فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على كامل قطاع غزة، وإنشاء إدارة مدنية بديلة لا تتبع لا “حماس” ولا السلطة الفلسطينية.1

ويمثل قرار الاحتلال بالعودة لتنفيذ الهجوم البري بشكل واسع في مدينة غزة، مع قرار معلن بتفريغ المدينة من سكانها والنازحين فيها تصعيدًا خطيرًا يهدد ويمس حياة مليون إنسان، يشملون سكان المدنية والنازحين إليها من محافظة شمال غزة، بعد أن جرى تفريغ غالبية سكانها ودفهم في الأسابيع الأخيرة إلى الجزء الغربي من مدينة غزة، بعد قربة عامين لم تتوقف فيهما محاولات تفريغ المدينة من سكانها بالكامل. هذه التحركات تنفذ فعليًا قرار التهجير الجماعي الصادر عن سلطات الاحتلال في 13 أكتوبر 2023، الذي أسس لمرحلة متقدمة من السياسة الإسرائيلية القائمة على الترحيل القسري الجماعي.

طوال 22 شهرًا، أصدرت قوات الاحتلال مئات أوامر التهجير القسري، مستهدفة مئات الآلاف من الفلسطينيين. ونفذت هجمات برية واسعة في كل مناطق قطاع غزة، دمرت خلالها بشكل شبه كامل محافظات رفح وخان يونس وشمال غزة. وقد دفعت هذه السياسات أكثر من مليوني شخص للتكدس في نطاق لا يتجاوز 12% من مساحة القطاع، في ظروف لا إنسانية تفتقر لأبسط مقومات البقاء.

ورغم الدمار الهائل، لم تتوقف الهجمات البرية والجوية على مدينة غزة طوال الأشهر الماضية، وبلغت نسبة تدمير مبانيها ومعالمها أكثر من 65%، واليوم، يعيش نحو مليون مواطن في القسم الغربي والشمالي من المدينة، معظمهم من سكان المدينة الأصليين إضافة إلى نازحين من شمال القطاع، وسط أنقاض المنازل والبنى التحتية، وفي خيام مؤقتة، مهددين مجددًا بالترحيل القسري نحو الجنوب، الذي يتعرض هو الآخر للاستباحة الإسرائيلية.

تنفيذ الخطة الإسرائيلية لا يعني فقط سقوط مزيد من الضحايا المدنيين في ظل الاكتظاظ الحاد، بل يعني كذلك تكدس سكان القطاع بأكمله في مساحة لا تتجاوز 5% من مجمل مساحته البالغة 365 كم2. هذه الكثافة السكانية ستكون الأعلى في العالم، مع الإشارة إلى أن المناطق التي يُطلب من السكان الانتقال إليها غير مؤهلة للحياة، وتتعرض يوميًا للقصف الإسرائيلي من الجو والبر والبحر، ويتعرض سكانها للتجويع الممنهج.

وتنذر هذه الخطة بوقف عمل المرافق الصحية الرئيسية المتبقية في المدينة، خاصة مستشفى الشفاء والمعمداني، اللذين أُجبرا على التوقف عن العمل عدة مرات سابقًا، مما يهدد بانهيار كامل للمنظومة الصحية، ويُعرض الجرحى والمرضى للهلاك.

إن سعي إسرائيل للسيطرة الكاملة على مدينة غزة يمهد لمحو شامل لمعالمها الحضارية والأثرية والتاريخية، في استكمال لما نفذته بالفعل في رفح وخان يونس وشمال غزة. بذلك، تُكرس إسرائيل أكبر عملية تغيير قسري للواقع الديمغرافي والثقافي في القطاع، بما يندرج ضمن جريمة الإبادة الجماعية، ومحاولة منهجية لطمس الوجود الفلسطيني ودفع الناجين نحو الرحيل القسري خارج الوطن.ء

يطالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي، وخاصة: الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمفوض السامي لحقوق الإنسان، باتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لوقف تنفيذ الخطة الإسرائيلية، ومنع تكرار نكبة جديدة بحق الفلسطينيين، وحماية مدينة غزة، أكبر المدن الفلسطينية، التي تضم مئات المعالم التاريخية والحضارية، وإلزام إسرائيل بوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد سكان قطاع غزة.

كما يحذر شركاء إسرائيل في جريمة الإبادة الجماعية، سواء بدعمهم العسكري والسياسي غير المحدود لدولة الاحتلال أو بصمتهم، وتطالبهم بالوفاء بالتزاماتهم القانونية قبل فوات الأوان، وتطالبهم باتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين الفلسطينيين ومنع استكمال جريمة الإبادة الجماعية المستمرة.


  1. سي إن إن، إسرائيل..”الكابينت” يمنح نتنياهو “الضوء الأخضر” للسيطرة على مدينة غزة رغم المعارضة في الداخل والخارج، 8/8/2025، الرابط ↩︎

اشترك في القائمة البريدية