يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات الجريمة المروعة التي ارتكبتها قوات الأمن الأمريكية الخاصة المتعاقدة مع منظمة “غزة الإنسانية” GHF، التي أفضت صباح اليوم إلى مقتل 18 مواطنًا بينهم 5 أطفال بالاختناق، وإصابة العشرات، إلى جانب مقتل مواطنين منهما امرأة برصاص قوات الاحتلال قرب نقطة توزيع المساعدات في رفح.
ووفق إفادات شهود العيان والمعلومات التي جمعها طاقم المركز، فقد سقط عشرات المواطنين بين قتلى ومصابين جراء التزاحم، والتدافع، وإطلاق عناصر أمن الشركة الأمريكية الأمنية العاملة في مركز توزيع المساعدات الإسرائيلي/الأمريكي، في حي الحشاش شمال غربي مدينة رفح، قنابل الصوت، ورش غاز الفلفل تجاه المواطنين، عند حوالي الساعة 06:10 صباح الأربعاء الموافق 16 يوليو 2025، أثناء انتظار فتح مركز المساعدات أمام ممر (طريق) ضيق طوله حوالي 150 متراً، وعرضه حوالي 4 أمتار، وفي نهايته بوابة تؤدي إلى مركز توزيع المساعدات الإسرائيلية/الأمريكية (جنوب محور موراج) في حي الحشاش شمال غرب مدينة رفح. أسفر ذلك عن مقتل 19 مواطناً بينهم 5 أطفال جراء الاختناق، يحتفظ المركز بأسمائهم، وإصابة العشرات بحالات اختناق، كما قتل مواطنان اثنان برصاص قوات الاحتلال أحدهما امرأة قرب نفس مركز المساعدات، وهما: المسنة مريم حامد محمد أبو ختلة، 57 عاماً، وأحمد محمود عيد محارب، 21 عاماً.
وفي إفادته لطاقم المركز، يروي المواطن محمد حمادة فوزي زعرب، 20 عاماً، من سكان خان يونس، تفاصيل الجريمة قائلاً:
“عند حوالي الساعة 04:00 فجراً، خرجت من منطقة النزوح في شارع 5 في مواصي خان يونس، مع عدد من أقاربي، ومشينا إلى مركز المساعدات الأمريكية القريب من شارع الطينة (شارع المسلخ)، جنوب خان يونس. وعند حوالي الساعة 06:10 صباحاً، لم نعد نسمع صوت إطلاق نار من الجنود الإسرائيليين قبل فتح مركز المساعدات، وجريت مع مئات المواطنين نحو مركز المساعدات في ممر عرضه حوالي 3 أمتار، وطوله حوالي 150 متراً، وكان الازدحام شديدا، وقبل أن يصل بعض المواطنين إلى بوابة مركز التوزيع في نهاية الممر سقط بعضهم بسبب الزحمة وسقط آخرون فوقهم، وشاهدت الجنود الأمريكيين يلقوا 3 قنابل صوت تجاهنا، ورشوا غاز الفلفل علينا، وكنت من الذين سقطوا مع قريبي رمضان عمر زعرب، 19 عاماً، ولم أكن قادرا على التنفس، ثم فتحت البوابة وأكمل المواطنون المشي من فوقنا ودخلوا إلى مركز المساعدات، وبعد حوالي ربع ساعة قام عدد من المواطنين بنقل وإخراج الذين سقطوا على الأرض، ونقلوني مع قريبي رمضان إلى مستشفى ناصر عبر كارة يجرها حمار مع 3 آخرين، ونقل آخرون في تكتك، وفي قسم الاستقبال تحسنت حالتي، وقام ممرض بتركيب محلول لقريبي رمضان زعرب وأعطاه عدة حقن، وبعدها تحسن وضعه”.
كما أفاد المواطن إسلام ناهض مصطفى شهوان، 26 عاماُ من سكان خان يونس، لطاقم المركز بما يلي:
“عند حوالي الساعة 03:00 فجراً، خرجت مع أخي منتصر، 36 عاماً، و6 من أقاربي من مكان نزوحنا في شارع الرشيد، قرب استراحة كرزة، في مواصي خان يونس، وذهبنا إلى مركز المساعدات الأمريكية مشياً على الأقدام من شارع الطينة، وبيارة الليمون (شارع المسلخ التركي)، جنوب مدينة خان يونس، ووصلنا في حوالي الساعة 04:00 فجراً، وكان الجنود يطلقوا النار حولنا ونحن نحتمي مع مواطنين آخرين عددهم بالآلاف خلف الأشجار والركام أو مبطوحين على الأرض. عند حوالي الساعة 05:30 فجراً، أصيبت بجواري امرأة في عمر الخمسين بعيار ناري في جبهتها وخرج من رأسها من الخلف وعمل فتحت كبيرة في رأسها، وتوفيت على الفور، وقام بعض المواطنين بحملها وإخراجها من المنطقة. وعند حوالي الساعة 06:00 صباحاً، توقف إطلاق النار، وشاهد بعض المواطنين يرفع راية (علم) باللون الأخضر ليعرف الناس أن مركز التوزيع قد تم فتحه، فتوجه مئات من المواطنين وهم يجرون بسرعة نحو مركز المساعدات عبر طريق ضيق وعرضه يمكن 3.5 متر، وطوله يمكن 150 مترا، وفي نهايته بوابة أمام مركز المساعدات، وفي دقائق معدودة امتلأ الطريق الضيق (الممر) بالمواطنين، وكان الوضع فوضى والكل يزاحم، فقام جندي أمريكي بوضع عصا صعق الكهرباء على السياج، وقام جنود أمريكيون آخرون بإلقاء حوالي 4 قنابل صوت تجاه المواطنين ورشوهم بغاز الفلفل فزاد التزاحم، وسقط العشرات منهم على الأرض، وداس فوقهم آخرين، وكان من بين الذين سقطوا أخي منتصر، 36 عاماً، ولكن ساعده أحد المواطنين على الوقوف وأخرجه من تحت الأقدام، ثم أخذناه ومشينا فيه إلى خارج الممر، وشاهدت عندها تكتكا فيه حوالي 7 جثث لمواطنين اختنقوا من التزاحم والسقوط على الأرض، ولم نجد وسيلة نقل للعودة إلى خيمتنا ومشينا حتى وصلناها، وكان أخي منتصر يحتمل الألم، وبعد عدة ساعات اتصلنا على الإسعاف وجاءت سيارة إسعاف ونقلته إلى مستشفى ناصر في خان يونس، وتبين إصابته برضوض وكدمات في الصدر وصعوبة في التنفس.
تدلل هذه المعطيات على صوابية موقف المركز بأن آلية توزيع المساعدات صنعت لقتل المجوعين وإذلالهم ومطلوب وقفها فوراً. كما يؤكد التورط المباشر في صناعة الفوضى والازدحام وإطلاق النار والقنابل تجاه المجوّعين، أن المؤسسة ليس إلا ذراع تنفيذي للاحتلال لإدارة التجويع وتسهيل قتل الفلسطينيين.
ومنذ افتتاح هذه المراكز في 27 مايو الماضي، قتلت قوات الاحتلال 851 فلسطينيا وأصابت أكثر من 5,634 آخرين قرب هذه المركز، دون معالجة مشكلة التجويع التي لا تزال تتفشى. هذا القتل هو جزء من الإبادة الجماعية في ظروف لا تشكل على الإطلاق خطرا علي حياه جنود الاحتلال أو العاملين في مراكز التوزيع.
يعيد المركز، التأكيد أن هذه التطورات تدلل على أن هذه الآلية لتوزيع المساعدات” تخالف بشكل كامل معايير العمل الإنساني والإغاثي التي نص عليها القانون الدولي الإنساني، وأنها فعل مهين ومذل في حد ذاته، وأنها تمس بالكرامة الإنسانية خاصة للمدنيين الفلسطينيين الذين عانوا على مدار 21 شهرًا من تجويع إسرائيلي ممنهج ومتعمد، في واحدة من أبشع الجرائم الجماعية المعاصرة.
كما أن الآلية الإسرائيلية لا تقدم حلولا عملية لإنهاء مأساة التجويع، بل توفر بيئة للفوضى فضلا عن كونها خطوة متعمدة لإقصاء المنظمات الدولية والهيئات الإنسانية المحايدة، وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالاتها، وخاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” من القيام بدورها في غزة.
وبناء على ذلك، يحث المركز المجتمع الدولي الضغط على دولة الاحتلال لإلغاء هذه الآلية التي يطلب فيها من المواطنين الانتقال لمناطق خطيرة تحت سيطرة الاحتلال، والعودة لإدخال المساعدات وتمكين المنظمات الدولية من توزيع المساعدات وسط مناطق النزوح المختلفة، إلى جانب إدخال البضائع بشكل حر دون أي قيود.
كما يدعو المجتمع الدولي، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى تحمل مسؤولياتهم الإنسانية والقانونية على الفور، والتدخل العاجل والضغط على الاحتلال، من أجل وقف جريمة الإبادة الجماعية المستمرة، وفتح جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، واستئناف إدخال المساعدات الإنسانية دون قيود وبشكل فوري وواسع النطاق، وتحت إشراف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، بعيدًا عن أي تدخل عسكري أو سياسي من أي أطراف أخرى.