يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشدّ العبارات الجريمة المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم في منطقة الحي السعودي شمال غرب مدينة رفح، والتي أسفرت عن مقتل 27 مدنيًّا، بينهم أطفال، وإصابة 180 آخرين بجراح مختلفة، معظمها في مناطق الرأس والصدر، في اعتداء مباشر أثناء انتظارهم الحصول على مساعدات غذائية.
تشكل هذه الجريمة امتداداً لسلسلة ممنهجة ونمطًا متكررًا من عمليات القتل العمد باستخدام “مراكز توزيع المساعدات” كفخاخ موت جماعي، يديرها الاحتلال الإسرائيلي وتعمل فيها منظمة غزة الإنسانية بحراسة من شركة أمنية أميركية خاصة، وتتم تحت حماية قوات الاحتلال وبإشراف مباشر من وحدات عسكرية تستخدم القناصة والرشاشات الثقيلة لتفريق المدنيين المجوّعين بالقوة المميتة، رغم إدراكها التام لطبيعة الوضع الإنساني الكارثي وسوء التغذية الحاد الذي يعانيه السكان.
وفي هذا السياق، يقول المحامي راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:
“مرةً أخرى، تثبت ما تُسمى مراكز توزيع المساعدات الإنسانية أنها في حقيقتها ليست سوى منصات لتوزيع الموت على المدنيين المجوعين في قطاع غزة. لقد تحوّلت هذه المراكز إلى أدوات للإذلال الجماعي والقهر والتصفية، تحت غطاء كاذب من العمل الإنساني. لم تكن هذه المراكز يوماً وسيلة للنجاة، بل أصبحت عنوانًا صارخًا على الانهيار الأخلاقي الكامل للاحتلال وشركائه الدوليين، الذين يضفون الشرعية على قتل المدنيين وتجويعهم في سياق حرب إبادة مستمرة منذ أكثر من 21 شهرًا.”
ووفق إفادات شهود العيان والمعلومات التي جمعها المركز، فقد أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، عند حوالي الساعة 09:55 صباح اليوم السبت الموافق 12/7/2025، نيران أسلحتها الرشاشة تجاه آلاف المواطنين المجوعين أثناء انتظارهم فتح مركز توزيع المساعدات الإسرائيلية/الأمريكية في الحي السعودي شمال غرب مدينة رفح. أسفر ذلك عن مقتل 27 مواطناً، بينهم عدد من الأطفال، وإصابة 180 آخرين بجروح مختلفة، جراح غالبيتهم خطيرة.
وفي إفادته لطاقم المركز، روى المواطن محمد محمد الزيتونية، 34 عاماً، تفاصيل ما حدث قائلاً:
“جئت مع شقيقي محمود،33 عاماً، مساء أمس الجمعة، من مدينة غزة حيث نسكن، إلى مواصي مدينة رفح، ونمنا في شارع الرشيد بجوار مسجد معاوية، وفجر اليوم السبت، توجهنا إلى مركز المساعدات قرب شارع المحررات شمال غرب رفح، وذلك من أجل الحصول على الطحين. في حوالي الساعة 09:55 صباحاً، وأثناء انتظارنا مع مئات المواطنين ونحن منبطحين في حفر أو خلف مكعبات باطون أو أعمدة الكهرباء، أصيب شقيقي بعيار ناري في جبهته (رأسه) وخرج من مؤخرة الرأس وفارق الحياة على الفور، وأصيب بجواره 7 مواطنين، اثنان منهم استشهدوا جراء إصابتهم في الرأس، ونقل الشهداء الثلاثة على عربة يجرها حمار إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني في مواصي رفح ثم نقل في مركبة إسعاف إلى مشرحة مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس”.
بدوره، أفاد المواطن حسن مازن حسن الشاعر، 28 عاماً، من سكان مدينة خان يونس، لطاقم المركز بما يلي:
“وصلت مع عدد من جيراني إلى شارع المحررات قرب المنتزه الإقليمي في مواصي خان يونس في حوالي الساعة 09:00 صباحاً، من أجل الدخول إلى مركز المساعدات شمال غرب رفح والحصول كرتونة مساعدات، وأثناء انتظار فتح مركز المساعدات الذي يبعد عن مكان انتظارنا حوالي 500 مم، وبينما كنا مع مئات المواطنين منبطحين على الأرض، وفي الحفر سمعنا أحد المواطنين يقول تم فتح مركز المساعدات، فوقف المئات من المواطنين وركضوا باتجاه مركز المساعدات، فأطلقت 3 دبابات كانت تتمركز على بعد حوالي 300 متر من المكان، تجاههم فأصيب العشرات، وشاهدت أحد المواطنين يصاب بعيار ناري في رأسه من الخلف، وعندما اقتربت منه عرفته، وهو ممدوح عدنان محمود أبو عية (زعرب) 32 عاماً، واستشهد فور إصابته، وتم نقله بمساعدة سائق تكتك ومصاب آخر إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني في مواصي رفح ثم نقل في مركبة إسعاف إلى مشرحة مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس”.
كما أفاد الطفل محمد سامي خليل دهليز، 16 عاماً، من سكان مدينة رفح لطاقم المركز بما يلي:
“ذهبت في حوالي الساعة 08:30 صباحاً مع عدد من أقاربي وجيراني من منطقة النزوح قرب المنتزه الإقليمي في مواصي خان يونس، نحو مركز المساعدات القريب من شارع المحررات (الشاكوش) في الحي السعودي شمال غرب مدينة رفح، وفي حوالي الساعة 09:55 صباحاً، وأثناء انتظارنا فتح مركز المساعدات، شاهدت تمركز 3 دبابات على بعد حوال 500 متر من مكان تواجدنا، وأثناء تحرك إحدى الدبابات من مكانها اعتقد المواطنون أن ذلك إشارة على فتح مركز المساعدات فقام عدد كبير منهم وجروا باتجاه مركز المساعدات، فأطلقت الدبابات نيران رشاشاتها تجاههم، وفي نفس التوقيت ترجل عدد من الجنود من موقع الإرسال المجاور لمركز المساعدات، وأطلقوا النار تجاه مئات المواطنين الذين كانوا في حفرة على بعد حوالي 500 متر من مركز المساعدات، وهو ما أدى إلى إصابة العديد من المواطنين أمامي، وكان منهم قريبي فراس أسامة عبد الحميد فوجو، 16 عاماً، وأصيب بعيار ناري في بطنه، وحملته مع شبان آخرين ووضعناه على كارة يجرها حمار، مع 5 مصابين آخرين إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني في مواصي رفح، وأعلن الأطباء استشهاده فيه، ثم نقل في سيارة إسعاف مع شهداء آخرين إلى مشرحة مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس”.
إن جريمة اليوم ليست حادثاً معزولاً، بل جزء من نمط واضح تتكرر فيه نفس الآلية: إعلان فتح مركز مساعدات، تجمع آلاف المدنيين الجوعى، ثم إطلاق النار الكثيف عليهم من دبابات وقناصة ومواقع عسكرية لقوات الاحتلال متمركزة حول المنطقة.
وبلغت حصيلة الضحايا المدنيين في محيط هذه النقاط، منذ بدء استخدامها كمصيدة دموية بتاريخ 27 مايو 2025، ما لا يقل عن 805 قتلى، وأكثر من 5252 مصاباً، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال وكبار السن.
يحذر المركز من التواطؤ الدولي مع هذه الجرائم، خاصة الدور الأمريكي المتصاعد، من خلال تمويل ودعم مؤسسة “غزة الإنسانية” التي تدير هذه المراكز، وتوفير الحماية لشركات أمنية خاصة يشتبه في مشاركتها المباشرة في عمليات القتل والترويع وامتهان الكرامة الإنسانية، ما يجعلها جميعاً أطرافاً مسؤولة جنائياً بموجب القانون الدولي.
إن استخدام المساعدات الإنسانية كأداة قتل ممنهج يرقى إلى جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويقع ضمن سياسة التجويع كسلاح حرب محظور وفقاً لاتفاقيات جنيف، وكل ما يجري هو في إطار هندسة التجويع الذي يستخدم كسلاح حرب، وأداة لتنفيذ الجريمة الأخطر، الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
بناء على ذلك، يجدد المركز مطالبته بالوقف الفوري لعمل مراكز المساعدات في مناطق تحت سيطرة الاحتلال ووقف عمل منظمة غزة الإنسانية، التي تحولت إلى أدوات قتل، ومساءلة القائمين عليها.
وطالب المركز بإدراج المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين عن إدارة هذه المراكز ضمن قوائم الملاحقة القضائية الدولية.
ويحذر المركز من أن التغاضي عن هذه الجرائم يمثل مشاركة مباشرة في ارتكابها، ويُشجع الاحتلال على المضي في سياسة القتل الجماعي تحت عنوان “الإغاثة”، ويؤكد أن العدالة للضحايا لن تتحقق إلا بالمحاسبة والملاحقة الجنائية الدولية لكل من أعطى الأوامر، أو وفر الأدوات، أو تستر على هذه الجرائم.
ويجدد المركز دعوته للمجتمع الدولي، إلى التحرّك العاجل للوقف الفوري للإبادة الجماعية، وضمان توفير حماية فاعلة للمدنيين، وضمان ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن وعادل ويحفظ الكرامة الإنسانية، ويحذر بأنه ما لم يتحرك العالم فورًا، فإن المزيد من الأطفال والنساء سيسقطون، والمزيد من دماء الأبرياء ستُراق دون أي مبرر.