الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان: الاحتلال الإسرائيلي يسعى بشكل ممنهج لتقويض سيادة القانون في قطاع غزة، وننظر ببالغ القلق إلى تصاعد الفلتان الأمني والاعتداءات على المواطنين

تُعبّر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" عن قلقها العميق إزاء حالة الانفلات الأمني المتزايدة في قطاع غزة، والتي تأتي في سياق حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي لم تقتصر على القتل والدمار، بل امتدت بشكل ممنهج لضرب مقومات النظام العام وسيادة القانون، من خلال استهداف عناصر أجهزة إنفاذ القانون، وتصفية أفراد الشرطة، وتدمير مقار المحاكم والسجون ومراكز الشرطة، ما أحدث فراغًا أمنيًا وبيئة خصبة لانتشار العنف والفوضى والانتهاكات والجرائم وأخذ القانون باليد.

وفي هذا السياق، تدين الهيئة بأشد العبارات حادثة الاعتداء على عدد من المواطنين في ليلة الأربعاء 11 حزيران/يونيو 2025، عند الساعة 10:30 مساءً، حيث كانوا يستقلون حافلة في شارع الإسطبل بمنطقة المواصي  بخانيونس، أثناء توجههم لعملهم لدى شركة محلية متعاقدة لتوريد عمال إلى "مؤسسة غزة الإنسانية"، وفق الآلية الإسرائيلية الأمريكية.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها الهيئة، فقد تم اعتراض الحافلة من قبل مجموعة مسلحة، حيث جرى إطلاق النار على سائقها والركاب، وإنزالهم بالقوة، وتجريدهم من بعض ملابسهم وتقييدهم، والاستيلاء على جوالاتهم وهوياتهم ومتعلقاتهم الشخصية، ثم تعرضوا للاعتداء الجسدي، قبل أن يتم إطلاق النار على أرجل عدد منهم دون أي تحقيق أو سؤال قانوني، بل واتهامهم بالعمالة، ما شكّل تحريضًا علنيًا ضدهم، حيث قام عدد من المواطنين بالاعتداء عليهم بوسائل متعددة، بينما كانوا ينزفون على الأرض.

كما تم نقلهم بعد ساعتين من الحدث تقريبا لمستشفى ناصر بخانيونس وإعادة الاعتداء عليهم مرة أخرى، وقد بلغت حصيلة الضحايا مقتل 12 مواطنًا، وإصابة 17 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.

تؤكد الهيئة أن هذه الجريمة تمثل انتهاكًا جسيمًا للحق في الحياة، والكرامة، وسلامة الجسد، وتشكل جريمة قتل خارج إطار القانون، وخرقًا فاضحًا للمعايير الوطنية والدولية لحقوق الإنسان، ولا يمكن تبريرها بأي ذريعة. كما تكشف الحادثة عن غياب خطير للضبط الأمني، وتراخي مؤسسات إنفاذ القانون في أداء دورها، وسط انهيار المنظومة القضائية، وفقدان الثقة المجتمعية بإمكانية تحقيق العدالة.

وتشير الهيئة إلى أن استمرار الادعاء بأن المنفذين ينتمون لوحدات أمنية غير معرّفة رسميًا أو علنًا، يعكس حالة من الفوضى المؤسسية، وتحولًا خطيرًا في طبيعة السلطة والسلاح إلى أدوات خارج القانون مع غياب المحاسبة والملاحقة.

كما تؤكد الهيئة أن هذه الحادثة ليست معزولة، بل تندرج ضمن نمط متصاعد من الاعتداءات والانتهاكات، ومنها ما شهده القطاع خلال الأسابيع الماضية من اعتداءات في المنطقة الوسطى وشارع صلاح الدين، والتي طالت مواطنين أبرياء بلا مبرر قانوني، ووسط غياب شبه تام للردع أو التدخل الرسمي.

وإذ تؤكد الهيئة أن هذه الممارسات تُظهر إخفاقًا واضحًا في حماية المواطنين، فإنها تدعو إلى تحرك عاجل لحماية منظومة القانون، ومنع انهيار ما تبقى من الضبط المجتمعي، خصوصًا مع استمرار الظروف الكارثية التي يعيشها القطاع نتيجة الحرب، وما خلفته من دمار ونزوح واسع وفقر مدقع.

وعليه، تطالب الهيئة بما يلي:

  1. فتح تحقيق جنائي عاجل جاد، ومحايد في ملابسات الحادثة، ونشر نتائجه بشفافية، وضمان تقديم جميع المتورطين في التخطيط أو التنفيذ أو التحريض للمساءلة القضائية.
  2. مراجعة شاملة للإجراءات الأمنية وسلوك العناصر الميدانية، وضمان الالتزام الصارم بالقانون في التعامل مع المدنيين، وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة الداخلية.
  3. إصدار موقف رسمي واضح يدين الجريمة، ويؤكد على الالتزام بمبدأ سيادة القانون، واحترام الحق في الحياة والكرامة، واتخاذ خطوات عملية لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات.
  4. دعوة جميع الجهات الفلسطينية الفاعلة إلى التكاتف لمنع تفكك النسيج الاجتماعي، والعمل على حماية أرواح الناس من أي ممارسات خارج القانون، خصوصًا في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة التي تستهدف تدمير مقومات البقاء والحياة في القطاع.

اشترك في القائمة البريدية