مركز “شمس”: إعلان الاحتلال للضفة الغربية كمنطقة عسكرية مغلقة: تكريس للفصل العنصري وانتهاك للقانون الدولي

يؤكد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” أن إغلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ،وقال المركز أن جيش الاحتلال وفي خطوة تصعيدية خطيرة، أعلن إغلاق الضفة الغربية المحتلة باعتبارها “منطقة عسكرية مغلقة”، مانعاً المواطنين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، أو التنقل بحرية داخل مناطق سكناهم، وموصداً بذلك أبواب الحياة اليومية في وجه أكثر من ثلاثة ملايين مواطن. هذا القرار، الذي جاء دون إعلان مسبق، وبتعليمات عسكرية تعسفية، يشكل أحدث الأدلة على أن سياسات الاحتلال تجاوزت حدود السيطرة (الأمنية) إلى فرض واقع فصل عنصري علني ومنهجي. فلم يعد الأمر مقتصراً على الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش أو الجدران الإسمنتية، بل بات يتعداه إلى حرمان الفلسطيني من حقه الأساسي في الحياة والتنقل، وتحويل أرضه إلى مساحة محظورة عليه، وكأن وجوده ذاته أصبح تهديداً عسكرياً.

يشدد مركز “شمس” على أن الطبيعة القانونية للأرض الفلسطينية المحتلة ، بما فيها القدس ، تعتبر أراضٍ محتلة بموجب القانون الدولي، وتسري عليها أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب. كما يخضع الاحتلال الإسرائيلي أيضاً للالتزامات الواردة في القانون الدولي العرفي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتتحمل إسرائيل بوصفها قوة احتلال مسؤوليات قانونية مباشرة تجاه السكان المدنيين في الأراضي التي تحتلها.

يشير مركز “شمس” أن قرار “الإغلاق العسكري” مخالف للقانون الدولي الإنساني ، لا سيما لاتفاقية جنيف الرابعة ، خاصة للمادة (5) من الاتفاقية ، التي لا تسمح بتقييد الحقوق إلا بشكل فردي ومؤقت ولحالات تهديد محددة، ولا تبرر الإجراءات الشاملة والجماعية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على كامل المناطق الجغرافية ، وللمادة (27) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تؤكد على ضرورة احترام حقوق وكرامة المدنيين في جميع الأوقات، وتكفل لهم الحماية من التهجير والإقصاء والمعاملة التمييزية. وإعلان المناطق المأهولة كـ”مغلقة عسكرياً” يُعد انتهاكاً مباشراً لهذه الحماية ، وأيضاً يمثل انتهاكاً للمادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر بشكل صريح العقوبات الجماعية. وللمادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري والترحيل الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين، أياً كانت دواعيه. ويشمل هذا الحظر جميع الإجراءات التي تؤدي، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى إبعاد السكان عن أماكن إقامتهم، بما في ذلك منعهم من الوصول إلى أراضيهم أو تنقلهم اليومي المعتاد، التي تُعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي. ويُعد إعلان منطقة يسكنها مدنيون مغلقة بالكامل وحرمانهم من التنقل، دون تمييز أو إجراءات قضائية، نموذجاً واضحاً للعقوبات الجماعية.

كما يشكل قرار الإغلاق العسكري مخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة (13) حيث تنص على” أنه لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة. لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده” . وللعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، حيث تنص المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على أن “لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته”. هذا الحق أساسي وغير قابل للتقييد التعسفي. إن فرض الحظر العسكري على مناطق سكنية واسعة وحرمان المواطنين من التنقل داخلها يُعد تقييداً غير متناسب، وغير مبرر قانوناً، ويشكل خرقاً لهذا الحق المعترف به دولياً.

لافتاً إلى أن هذا القرار يأتِ في سياق عقلية العقاب الجماعي، دون أدنى اعتبار للمعايير الدولية التي تحكم علاقة القوة المحتلة بالسكان المدنيين. إذ أن القانون الدولي الإنساني، وبالأخص اتفاقية جنيف الرابعة، يُلزم القوة القائمة بالاحتلال باحترام حقوق السكان، ويمنع فرض القيود عليهم إلا في حالات الضرورة القصوى، وبشكل مؤقت ومتناسب. غير أن ما تقوم به دولة الاحتلال اليوم هو فرض واقع دائم من الحصار والحظر، دون رقابة أو مساءلة.

يؤكد مركز “شمس” أن ما يجري في الضفة الغربية اليوم ليس إجراءً مؤقتاً ضمن سياق (أمني)، بل هو سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها، وعزلهم عن بعضهم البعض، وتدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي للشعب الفلسطيني. وبالتالي فإن منع الفلسطينيين من التنقل داخل أرضهم هو جوهر الاحتلال، وأحد أعتى أشكال القمع. ولا يمكن لأي مجتمع دولي يدعي احترام حقوق الإنسان أن يغض الطرف عن هذه السياسات التي تشكل جريمة ضد الإنسانية، ليس فقط لأنها تنتهك القانون، بل لأنها تقوض أسس الحياة الإنسانية.

يوضح مركز “شمس” على أن سياسة الاحتلال لم تعد خافية على أحد ، فقد بات واضحاً أن هذه السياسة تهدف إلى ترسيخ واقع التهجير البطيء، وتفتيت الجغرافيا الفلسطينية، وعزل القرى والمخيمات والمدن عن بعضها البعض في إطار مخطط استيطاني طويل الأمد. مسببة آثار نفسية واجتماعية كارثية. فالشعور بالعجز وفقدان السيطرة على أبسط تفاصيل الحياة اليومية يعمق الإحباط واليأس لدى الفلسطينيين، ويغذي الغضب والتوتر في صفوف الشباب الذين باتوا يرون في هذه الإجراءات عدواناً على كرامتهم وإنسانيتهم. كما أن فرض هذه الإجراءات في أشهر الصيف، الذي يعد موسماً للمناسبات الاجتماعية والزراعة الصيفية والمواسم والأنشطة المجتمعية والسفر العائلي، زاد من وطأة الانعزال والانكماش داخل القرى والمدن والمخيمات.

هذا إلى جانب تعزيز الانتشار العسكري في محيط المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ، مما جعل الوصول إلى أماكن العمل، والمؤسسات التعليمية، والمراكز الصحية، ضرباً من المعاناة اليومية. لقد باتت حياة الفلسطينيين تحت رحمة قرارات عسكرية ، وتُنفذ بأدوات القمع والعقاب الجماعي. وأدى هذا الإعلان إلى تعطيل العملية التعليمية في العديد من المناطق، حيث لم يتمكن آلاف الطلبة الجامعيين من الوصول إلى جامعاتهم ، فيما عُلّقت مواعيد العمليات الطبية ونقل المرضى في الكثير من المستشفيات نتيجة إغلاق الطرق وملاحقة سيارات الإسعاف من قبل قوات الاحتلال.

يطالب مركز “شمس” المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والاتحاد الأوروبي، وجميع الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني، والتحرك العاجل لوضع حد لإجراءات الإغلاق العسكري التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.وقال المركز أن هذا الصمت على هذه الانتهاكات الجسيمة، أو الاكتفاء بالتنديد اللفظي، يرقى إلى مرتبة التواطؤ غير المباشر ويشجع سلطات الاحتلال على المضي قدماً في سياساتها الاستعمارية. كما دعا إلى تفعيل جميع آليات الضغط والمساءلة الدولية، بما في ذلك إحالة هذه الانتهاكات إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإرسال بعثات تحقيق أممية للاطلاع على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

اشترك في القائمة البريدية