تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي قتل الفلسطينيين المجوّعين قرب نقاط توزيع المساعدات التي أقامتها في مناطق تحت سيطرتها في قطاع غزة، وتحويل هذه النقاط إلى ساحات للموت والإذلال، في وقت تستمر فيه في القتل الجماعي وارتكاب جرائم مروعة منها قتل المسعفين والصحفيين، في إطار جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 20 شهرًا.
ورغم فشل مراكز التوزيع التي أنشأها الاحتلال وتديرها منظمة غزة الإنسانية، في تقديم المساعدات الإنسانية لمستحقها بشكل عادل، واصلت قوات الاحتلال العمل بها، وباتت تتحول إلى ساحات للقتل اليومي.
ووثقت طواقمنا في الأيام الماضية، مقتل عشرات المواطنين وإصابة مئات آخرين جراء إطلاق قوات الاحتلال النار على المدنيين المجوّعين قرب تلك النقاط.
ووفق المعلومات التي توفرت لطاقم المركز، ففي فجر اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025، قتلت قوات الاحتلال 17 مواطنًا وأصابت 224 آخرين في محيط محور، نتساريم جنوب مدينة غزة، خلال محاولتهم التوجه للحصول على المساعدات من نقطة التوزيع المقامة في المنطقة.
وعند حوالي الساعة 06:00 من يوم الاثنين 9 يونيو 2025، أطلقت قوات الاحتلال نيران أسلحتها الرشاشة تجاه أعداد كبيرة من النازحين قرب ميدان العلم في حي المواصي، غرب مدينة رفح، أثناء محاولتهم الوصول إلى نقطة توزيع مساعدات أقامتها قوات الاحتلال في حي تل السلطان، جنوب غرب مدينة رفح. أدى ذلك إلى مقتل 14 من النازحين، بينهم امرأة، وإصابة 90 آخرين بجراح مختلفة.
وأفاد شهود عيان، بأن عددًا من المسلحين الفلسطينيين المدنيين الذين ينطلقون من مراكز سيطرة قوات الاحتلال تمركزوا في منطقة دوار العلم التي يتجمع بها النازحون في طريقهم لمركز توزيع المساعدات، وأجبروهم على الاصطفاف في طابور، وأطلقوا النار على عدد منهم ما أدى إلى إصابات منهم، قبل أن يتراجعوا عن المنطقة.
وفي جريمة مماثلة، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتها الرشاشة وقذائفها من الزوارق الحربية والآليات وطائرات كواد كابتر عند حوالي الساعة 05:00 من يوم الأحد الموافق 8 يونيو 2025، تجاه آلاف النازحين في المنطقة نفسها، شمال غرب مدينة رفح. أسفر ذلك عن مقتل 12 نازحاً، بينهم طفل، و”أصم” من ذوي الإعاقة، وإصابة 100 آخرين بجراح مختلفة.
كما أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتها الرشاشة عند حوالي الساعة 06:00 من يوم السبت 7 يونيو 2025، تجاه آلاف النازحين في المنطقة نفسها، شمال غرب مدينة رفح. ما أدى إلى مقتل 8 من النازحين بينهم شقيقان أحدهما امرأة، وإصابة 50 آخرين بجراح مختلفة.
وفي جريمة أخرى استهدفت مسعفين، قصفت قوات الاحتلال عند حوالي الساعة 23:00 من يوم الاثنين الموافق 9 يويو 2025، ثلاثة مسعفين خلال محاولتهم انتشال جثامين قتلى بعد قصف إسرائيلي استهدف منزلا في منطقة مسجد المحطة في شارع يافا شرق مدينة غزة. أسفر ذلك عن مقتل ثلاثة مسعفين هم: حسين محيسن وبراء عفانة ورائد العطاء من الخدمات الطبية. كما قتل برفقتهم المصور الصحفي مؤمن أبو العوف الذي كان برفقتهم لتوثيق ما يجري.
وتأتي هذه الجريمة كامتداد لنهج إسرائيلي، ونمط متكرر ترتكبه قوات الاحتلال من خلال استهداف طواقم الإسعاف والدفاع المدني خلال قيامهم بمهام إنسانية لانتشال جثامين قتلى أو إسعاف جرحى، لتقويض الجهود الإنسانية وعرقلة عمليات الإنقاذ ومنع وصول الخدمات الطبية الأساسية إلى السكان المدنيين، وهو ما يرقى إلى جريمة حرب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (روما 1998)، التي تجرّم استهداف الأشخاص والمرافق المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني.
وإذ يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، جرائم القتل التي ترتكبها قوات الاحتلال بشكل واسع في قطاع غزة، فإنه يجدد تأكيده أن استمرار القوات الإسرائيلية في تنفيذ آلية توزيع المساعدات الحالية رغم ما تسببت به من فوضى وإيقاع عشرات القتلى ومئات الجرحى منذ انطلاقها، يدلل على أن الهدف منها ليس توفير الإغاثة الفعلية للمحاصرين والجوعى في قطاع غزة، بل يراد منها أن تتحول فخًّا للموت وساحة للإذلال وانتهاك الكرامة الإنسانية، في سياق سياسة تجويع ممنهجة وغير مسبوقة تنفذها قوات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين منذ عدة أشهر.
وبناء على ذلك، يجدد المركز مطالبته المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لإلغاء هذه الآلية التي يطلب فيها من المواطنين الانتقال لمناطق خطيرة تحت سيطرة الاحتلال، والعودة لإدخال المساعدات وتمكين المنظمات الدولية من توزيع المساعدات وسط مناطق النزوح المختلفة، إلى جانب إدخال البضائع بشكل حر دون أي قيود.
ويجدد المركز مطالبته باتخاذ تدابير فورية وجادة لوقف جريمة الإبادة الجماعية الجارية، وضمان محاسبة المسؤولين الإسرائيليين على جرائمهم أمام العدالة الدولية. كما يطالب الدول الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية بالوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لحماية المدنيين الفلسطينيين من القتل الجماعي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.