تقرير ميداني: رفح تحت سطوة النار والحصار.. قصف الاحتلال المنازل واعتقال الناجين تعبير صارخ عن جريمة الإبادة الجماعية

يعرب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء الكارثة الإنسانية المتفاقمة الناجمة عن الهجوم البري الواسع لقوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، وفصلها بالكامل عن خانيونس، منذ 31 مارس 2025، مع استمرار جرائم القصف وتدمير ما تبقى من منازل في المحافظة.

ورغم أوامر التهجير القسري الجماعي التي أصدرتها قوات الاحتلال للسكان في رفح وأجبرت ما يقرب من 100 ألف مدني على النزوح مجددًا نحو مواصي خان يونس، يوم الاثنين/31/3/2025، إلا أن العديد من العائلات لم تتمكن من مغادرة المحافظة؛ بسبب غياب وسائل النقل، وخوف السائقين من الاستهداف المباشر، وعدم قدرة العائلات المنهكة ماديًا على تحمل تكاليف الإخلاء، ولأن الأماكن التي يطلب من المدنيين التوجه إليها غير آمنة أصلاً حيث تتعرض مراكز الإيواء وخيام النازحين للقصف المتكرر. هذا الواقع المأساوي اضطر العديد للبقاء في ظروف غاية في القسوة والخطر.

وخلال الأيام الماضية، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزلين مأهولين على الأقل في حي خربة العدس برفح دون سابق إنذار، ما أسفر عن مقتل 13 مواطنًا، منهم عائلة مكونة من 9 أفراد وهم الزوجان وأطفالهما الستة، واصابة شاب بجراح طفيفة ولا يزال محاصراً مع 5 من السكان بينهم 4 مسنين منهم سيدتان، وأرسلوا العديد من المناشدات للمؤسسات الدولية من أجل إجلائهم إلى خارج مدينة رفح.

ووفق المعلومات التي جمعها طاقم المركز، ففي ساعات الفجر الأولى من يوم 15 أبريل 2025، قصفت طائرات الاحتلال منزلاً لعائلة قشطة في حي خربة العدس، في مدينة رفح. أسفر القصف عن مقتل 9 من السكان بينهم عائلة مكونة من 8 أفراد، بعد تدمير المنزل عليهم، وهم: أشرف نعيم سليم قشطة، 54 عاماً، وزوجته منال سعيد حمدان الشاعر/قشطة، 41 عاماً، وأبناؤهما الستة، بينهم 4 أطفال وهم: شهد، 23 عاماً، وماريا، 18 عاماً، وآية، 16 عاماً، ومها، 14 عاماً، وإيمان، 11 عاماً، وطاهر 6 أعوام، ومسن من الجيران وهو سليمان محمد قشطة. ولا تزال جثامينهم تحت الأنقاض ولم تتمكن طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إلى المنزل المدمر بسبب استمرار الهجوم البري لقوات الاحتلال في مدينة رفح.

كما قصف طائرات الاحتلال مساء يوم الخميس الموافق/17/4/2025، منزلاً آخر لعائلة قشطة في الحي نفسه، ما أدى إلى مقتل 4 من السكان وهم، شريقي ملاحي حافظ قشطة، ويحيى صبحي شريقي قشطة، وسعيد ياسين جاسر، وحسن إبراهيم. كما أصيب عبد الله شريقي ملاحي قشطة، 28 عاماً، بجراح.  وأفادت المواطنة صابرين شريقي ملاحي قشطة، 47 عاماً، لباحث المركز أن الاتصالات حالياً منقطعة منذ 3 أيام مع شقيقها عبد الله، المحاصر في حي خربة العدس، وكانت تتواصل معه عن طريق الهاتف المحمول وعن طريق شبكة الانترنت.

ووفق المعلومات المتوفرة لباحث المركز؛ فإن هناك مناشدات يومية لإجلاء مواطنين بقوا عالقين في أحياء رفح خاصة الشمالية منها بعد الهجوم البري من قوات الاحتلال، حيث رفض في حينه العديد من المواطنين خاصة المسنين مغادرة منازلهم أو أنهم لم يتمكنوا من مغادرة مناطق سكنهم نتيجة القصف والهجوم البري.

وبعد مماطلة متكررة من قوات الاحتلال، تمكنت منظمة الصحة العالمية صباح يوم السبت الموافق 26 إبريل 2025، من إجلاء عائلة مكونة من 26 فرداً، بينهم 4 نساء، و7 أطفال، وجريحتان من سكان شارع العروبة، في حي الجنينة في مدينة رفح، بعد أن بقوا عالقين في المنطقة طوال الأسابيع الماضية.

 ووفق متابعة طاقم المركز، اعتقلت قوات الاحتلال خلال عملية الإجلاء 4 من أفراد العائلة بينهم ثلاثة أشقاء وهم: شرف ومحمد ومحمود شريف خليل الشيخ خليل، وآلاء محمد مصبح /الشيخ خليل وهي زوجة محمد شريف الشيخ خليل. وبعد مرور عدة ساعات أفرجت قوات الاحتلال عن كل من شرف شريف خليل الشيخ خليل، وآلاء محمد مصبح /الشيخ خليل.

 كما احتجز جنود الاحتلال بقية أفراد العائلة عدة ساعات وفتشوهم قبل السماح بنقلهم إلى مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خان يونس وعددهم 22 فرداً، نقل 20 منهم في حافلة، ونقلت سيدة وطفلة وهما، نعيمة موسى الحلو (الشيخ خليل) وإسراء شريف الشيخ خليل في سيارة إسعاف جراء إصابتهما بكسور بعد قصف منزل بجوار منزلهم قبل عدة أيام، وتم تثبيت الكسور للمصابتين باستخدام قطع من الخشب وربطها حول الكسور بأسلاك.

وعن معاناتهم خلال الحصار، أفادت إحدى الناجيات، المواطنة سهام زياد ديب عاشور/ الشيخ خليل، 33 عاما، لباحث المركز بما يلي:
“كنا نتناول الطعام ونشرب الماء بكميات محدودة حتى ما تخلص بسرعة. وقبل عدة أيام وفي ساعات الفجر الأولى قصفت الطائرات الإسرائيلية منزلا بجوار منزلنا، وكان صوت القصف والانفجار عنيفا جداً، وأدى إلى وصول الركام إلى منزلنا وانهيار بعض جدرانه، وإصابة زوجة عمي نعيمة موسى الحلو/الشيخ خليل، وطفلتهما إسراء بكسور في أيديهما، وقمنا بتثبيت الكسور عن طريق ربطها بقطع من الخشب والأسلاك وإعطائهما مسكنات لتحمل ألم الكسور.”

وعن التنكيل الذي تعرضوا له خلال إجلائهم أفادت بما يلي:
“تحركنا من أمام المنزل وعندما وصلنا بالقرب من مفترق المشروع (حي التنور) القريب من منزلنا توقفنا أمام حاجز للجيش الإسرائيلي تتمركز حوله عدة دبابات وعدد كبير من الجنود، وفوق رؤوسنا طائرات كواد كابتر، وطلب الجنود من عمي شريف النزول من الباص وطلبوا منه خلع ملابسه ثم ارتدائها، وبعد ذلك طلبوا من بقية الرجال النزول من الباص وهم زوجي شرف وشقيقيه محمد، ومحمود، وطلبوا منهم خلع ملابسهم ثم ارتدوها وأجبروهم على الجلوس على ركبهم على الرصيف ووجوههم نحو المنازل السكنية، ثم طلب الجنود من النساء والأطفال النزول من الباص والوقوف بجواره وطلبوا من النساء، والأطفال الذين يلبسوا جاكيتات أن يخلعوها ويلقوها على الأرض، ثم سمحوا للأطفال بالصعود إلى الباص، وبعد ذلك سمحوا للنساء بالصعود إلى الباص ما عدا سلفتي آلاء محمد مصبح/الشيخ خليل زوجة محمد شقيق زوجي، ثم سمحوا لعمي شريف خليل الشيخ خليل بالصعود إلى الباص، ولم يسمحوا لزوجي شريف وشقيقه محمد ومحمود بالصعود إلى الباص وقام الجنود باعتقالهم مع آلاء محمد مصبح/الشيخ خليل زوجة محمد خليل الشيخ خليل. استمر توقيف الباص والتفيش والاعتقال حوالي ساعتين وكان معنا 7 أطفال منهم رضيعان كانوا يبكون طوال فترة التفتيش، ثم سمح الجنود للباص وسيارة الإسعاف وسيارة الصحة العالمية بمواصلة السير نحو شارع صلاح الدين شرق رفح”.

وعائلة شريف الشيخ خليل واحدة من عدة عائلات في مدينة رفح لم تتمكن من النزوح بعد أوامر التهجير التي أصدرتها قوات الاحتلال نهاية مارس 2025، بسبب عدم قدرتهم على النزوح، فاضطرت العائلة المذكورة وعائلات أخرى إلى البقاء في مدينة رفح بعد بداية العملية البرية الثانية لقوات الاحتلال في المدينة، وعاشوا ظروفاً صعبة بسبب القصف حولهم حيث سيطر عليهم الخوف والقلق والرعب وتوقع الاستهداف والموت في كل دقيقة، ولم يتوقف الأطفال عن البكاء والصراخ مع سماعهم أصوات القصف وإطلاق النار.

وعانت العائلة كما غيرها من العائلات طوال فترة الحصار من الجوع والخوف من القصف الإسرائيلي، ودأبت على توجيه عدة مناشدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والاتصالات من أجهزة الجوال النقال لإجلائها خارج مدينة رفح.

تدلل هذه الوقائع أن الاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي بتضييق الخناق على المدنيين، بل يتعمد استخدام الإجلاء الإنساني كفخ للاعتقال والمزيد من المعاناة. كما أن قوات الاحتلال تراجعت عدة مرات عن التنسيق لتنفيذ عمليات إجلاء جديدة لمواطنين عالقين.

يذكر أن قوات الاحتلال تواصل هجومها البري على رفح، واستكملت فصلها عن خانيونس عبر محور موراج الذي أقامته على حساب أراضي المواطنين بعمق يتراوح من 500 إلى 1000 متر وفق المعلومات الأولية من غرب رفح إلى شرقها، وأقامت على جانبيه سواتر ومواقع لها.

وإذ يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات هذه الجرائم فإنه يدعو إلى تحرك عاجل من المجتمع الدولي لتوفير حماية فورية للمدنيين العالقين في رفح، وفتح ممرات إنسانية آمنة تحت إشراف دولي للسماح بإجلائهم دون شروط أو مخاطر اعتقال.

ويشدد المركز على أن السكوت عن هذه الجرائم هو تواطؤ صريح في تنفيذها، وأن على المجتمع الدولي أن يقف أمام مسؤولياته، ليس فقط تجاه القانون، بل تجاه الإنسانية ذاتها؛ وهو ما يتطلب حاجة ملحّة لتدخّل دولي عاجل يضع حدًا للجرائم والانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.

ويدعو المركز إلى اتخاذ تدابير فورية وجادة لوقف جريمة الإبادة الجماعية الجارية، وضمان محاسبة المسؤولين الإسرائيليين على جرائمهم أمام العدالة الدولية. كما يطالب الدول الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية بالوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لحماية المدنيين الفلسطينيين من القتل الجماعي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

اشترك في القائمة البريدية