تأتي مناسبة يوم الأسير الفلسطيني الموافق 17/4/2025، في ظل تصاعد الانتهاكات الوحشية غير المسبوقة التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، وسط تفشي الأمراض بينهم على نحو خطير، واستمرار تدهور أوضاعهم المعيشية، وتصاعد جرائم التعذيب النفسي والجسدي ما يضع حياتهم على المحك وينذر بحصد المزيد من الأرواح.
هذا بالإضافة إلى التغييرات الواسعة التي أجرتها سلطات الاحتلال منذ أكتوبر 2023، على قوانينها لإضفاء الشرعية على الانتهاكات الإسرائيلية وتحصين مقترفيها، في إنكار مستمر لقواعد الحماية المستقرة بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي تجاهل مستمر للنداءات التي أطلقتها الهيئات الدولية القائمة على إنفاذ أحكام القانون الدولي، فيما يخص أوضاع المعتقلين الفلسطينيين، ولا سيما المتصلة بإيقاف جريمة الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
وفي هذا السياق رصد مركز الميزان لحقوق الإنسان على مدار (18) شهراً من جريمة الإبادة الجماعية التي تواصلها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، أنماطاً هائلة من الانتهاكات الإسرائيلية التي تتوزع على مراحل أربع، تتمثل أولها في القبض الذي يتخلله إجبار المعتقلين على خلع ملابسهم بالكامل والاعتداء عليهم بالضرب والسب والشتم وأحياناً استخدامهم كدروع بشرية واقتيادهم إلى مسرح العمليات العسكرية بعد تقييد أيديهم وتعصيب أعينهم، ثم نقلهم للجلوس تحت أشعة الشمس الحارقة في فصل الصيف وفوق حصى مدببة قبل انتقالهم للمرحلة الثانية، وهي مرحلة التحقيق التي يتم خلالها الاستخدام المميت للتعذيب الجسدي والنفسي كالضرب بالمطرقة، والشبح وخلع الظافر وإطلاق الكلاب عليهم، والشبح لساعات طويلة، والضرب بالأيدي والأرجل، وإدخالهم في غرف موسيقى صاخبة، وأحيانا اغتصابهم مثلما حصل في معسكر سديه تيمان.
أما المرحلة الثالثة المتعلقة بالظروف المعيشية، فيتخللها الحرمان من النوم الكافي والفراش والغطاء الكافيين، ومنع الاستحمام المنتظم، وعدم تقديم الطعام والشراب الكافي والمناسب، والتكديس داخل السجن، والحرمان من تلقي الزيارات سواء من الأهل أو المحامي، وأخيراً مرحلة التعديلات التشريعية التي انطلقت بعد أيام من السابع من أكتوبر، والتي وفرت غطاءً قانونياً لكل ما سبق وأكثر من الانتهاكات التي تُرتكب بحق المعتقلين، وأطلقت يد جهاز الأمن ليُمارس ما يشاء من أفعال بعيداً عن رقابة القضاء.
وطالت التعديلات قانون المقاتل غير الشرعي وحرمت بموجبها المعتقل من الحق في تلقي زيارة المحامي لمدة (75) يوماً، ووفق قانون الإجراءات الجنائية الإسرائيلي فيستمر الحرمان لمدة (120) يوماً، إضافة إلى التعديلات التشريعية الأخرى التي طالت القوانين الإسرائيلية المتعلقة بالاحتجاز، إضافة إلى عدم توفير الرعاية الصحية مما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة في صفوف المعتقلين الفلسطينيين في تعمد لممارسة سياسة الإهمال الطبي بحقهم، هذا إلى جانب التعديلات التي وسعت من قدرة الضباط على إصدار أوامر القبض، وكذلك التعديلات التي استهدفت إطالة أمد التوقيف.
وبحسب الإحصاءات الصادرة عن مؤسسات الأسرى، فقد بلغت حصيلة حالات الاعتقال منذ بدء الإبادة الجماعية (16400) حالة اعتقال، من بينهم أكثر من (510) من النساء، ونحو (1300) من الأطفال، هذا المعطى لا يشمل حالات الاعتقال من غزة والتي تقدر بالآلاف، بما فيهم النساء والأطفال. كما توفى (63) معتقلاً على الأقل ممن تم الإعلان عن هوياتهم فقط، من بينهم (40) من قطاع غزة، فيما يواصل الاحتلال إخفاء هويات العشرات من الشهداء، واحتجاز جثامينهم، علماً أن عدد الشهداء المعتقلين الموثقة أسمائهم منذ عام 1967، (300) معتقلاً، كان آخرهم الطفل وليد أحمد من سلواد. كما يبلغ اليوم عدد المعتقلين في السجون الإسرائيلية، أكثر من 9900 أسير/ ة، من بينهم (29) سيدة، ومن السيدات سيدة واحدة من غزة، وطفلة، بينما بلغ عدد المعتقلين الأطفال ممن تقل أعمارهم عن (18 عاماً) – نحو (400) طفل موزعين على سجون (مجدو، عوفر)، وقد بلغ عدد المعتقلون الإداريون إلى أكثر من (3498) معتقلًا إدارياً (حتى بداية نيسان) من بينهم (4) سيدات، وأكثر من (100) طفل، فيما يبلغ عدد المعتقلين الذين صنفهم الاحتلال (كمقاتلين غير شرعيين) وفقاً لمعطى إدارة السّجون، (1747) وهذا المعطى حتى بداية نيسان 2025م. وهذه المعطيات لا تشمل كافة معتقلي قطاع غزة الذين يخضعون لجريمة (الاختفاء القسري).
تجدر الإشارة إلى أن مركز الميزان رصد اعتقال سلطات الاحتلال عشرات العاملين في المجال الصحي، كالأطباء والممرضين والمسعفين والإداريين، في انتهاك واضح لقواعد الحماية التي وضعها البروتوكول الثاني الملحق باتفاقية جنيف الرابعة، والتي تحظر التعرض للعاملين في المجال الصحي والإغاثي والإنساني.
مركز الميزان لحقوق الإنسان يؤكد على أن الانتهاكات الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين ترقى لاعتبارها جريمة حرب بموجب ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية باعتبار الانتهاكات الجسيمة الواردة في المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة هي إحدى صور تلك الجريمة، ولا سيما القتل العمد والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة. كما أنها تُشكل انتهاكاً خطيراً للمعايير القانونية الدولية الخاصة بحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم ولا سيما قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، وغيرها من الإعلانات والمواثيق والاتفاقات الدولية.
وعليه، يطالب مركز الميزان المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه ما يجري في قطاع غزة من جريمة إبادة جماعية متصاعدة، ويُشدد على وجوب الإسراع في اتخاذ إجراءات فاعلة من شأنها أن توقف الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأشخاص المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، ويدعو الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي إلى تبني خطوات عملية لإعمال الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في يوليو من العام الماضي والقاضي بأن الاحتلال غير قاوني ويجب انهائه فورا وكذلك خطوات عملية لاعمال التدابير الاجرائية التي قررتها المحكمة ايضا وكذلك دعم جهود التحقيق التي تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم الاسرائيلية التي ترتكبها في الاراضي الفلسطينية وتنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة عنها.