المنظمات الأهلية في قطاع غزة في ظل الكارثة الإنسانية المستمرة

بقلم/ أمجد الشوا

كارثة إنسانية غير مسبوقة طالت كل مقومات الحياة في قطاع غزة من قتل وتدمير وتجويع وتعطيش وإجبار أكثر من 90%‎ من سكان قطاع غزة على النزوح أكثر من مرة، وحرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية والخدمات الإنسانية الأساسية، وسط تخاذل المجتمع الدولي وصمته تجاه جرائم الإبادة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين.

لا يستطيع المرء التفكر كثيرًا بالتفاصيل، عليه أن يستجيب بسرعة وبدون تأخير، ورغم صرخات المواطنين الفلسطينيين الذين حاصرهم ركام المنازل التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي، كانت الاستجابة، لكن مع قلة الإمكانيات والمخاطر التي تعرض لها رجال الدفاع المدني وطواقم الدفاع المدني والإسعاف وعمال الإغاثة ارتفع عدد شهداء قطاع غزة إلى أكثر من 60 ألفًا، 70‎% منهم من الأطفال والنساء إضافة إلى مائة وعشرة آلاف مصاب، ودمار نحو 80%‎ من المساكن والمؤسسات والبنية التحتية.

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كان من أول قرارات مجلس الحرب في حكومة الاحتلال هو وقف إمدادات الغذاء والدواء والكهرباء والماء، والبدء في تهجير السكان عن منازلهم في غزة والشمال إلى الجنوب، وسط قصف عنيف لمختلف أنحاء قطاع غزة، حيث لم يكن هناك أي مكان آمن للجوء إليه.

والبدء برحلة الألم والأوجاع والمعاناة لسكان القطاع.

كانت المنظمات الأهلية الفلسطينية المستجيب الأول في تقديم الخدمات الإغاثية للفلسطينيين سواء الخدمات الصحية والطبية وغيرها من خلال مستشفياتها وعياداتها وطواقمها الذين عملوا من خلال التنقل بين مراكز الإيواء، أو من خلال نقاط طبية انتشرت في مختلف مناطق القطاع لتساهم في تضميد الجراح وعلاج المرضى، وكذلك من خلال تقديم المواد الغذائية والمياه ومواد النظافة الشخصية واحتياجات النساء والملابس، وكذلك برامج الدعم النفسي للأطفال والنساء، وبرامج دعم ذوي الإعاقة ورصد وتوثيق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي قانونيًا وغيرها.

ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية في ظل قيام الاحتلال بفرض القيود أمام دخول المساعدات الغذائية واقتحام المستشفيات في مدينة غزة وشمال القطاع، وتسجيل أعداد من وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية، عملت المنظمات الأهلية الفلسطينية جنبًا إلى جنب مع وكالات الأمم المتحدة من أجل تقديم ما يمكن للتخفيف من معاناة المواطنين.

كل يوم يتكشف هول الكارثة الإنسانية التي يعيشها أبناء شعبنا جراء العدوان الإسرائيلي خلال الأربعة عشر شهرًا الماضية وكذلك نماذج الصمود التي يمر بها شعبنا الصامد في ظل استمرار القصف وإغلاق المعابر ومنع كافة المساعدات الإنسانية وغيرها.

وعلى الرغم من صعوبة العمل في ظل عدم توفر المواصلات والاتصالات والوقود وانقطاع الكهرباء المستمر منذ بداية العدوان وخدمات الإنترنت بالنسبة للمنظمات الأهلية، وعلى الرغم من نزوح معظم الموظفين والموظفات، فقد عملت على إنشاء مراكز جديدة لها في مناطق النزوح، وبادرت بالتنسيق مع كافة الجهات الإنسانية العاملة في قطاع غزة من أجل الاستمرار في أداء رسالتها وخدماتها.

واستجابت عدد من المؤسسات بتحويل مقارها إلى مراكز لإيواء النازحين واستضافتهم وتوفير كافة إمكانياتها المتاحة لخدمتهم، كما قامت بعض المؤسسات بتقديم المعونة النقدية للنساء النازحات في مناطق قطاع غزة بالتعاون مع المؤسسات الدولية ومزودي الخدمات المصرفية والصرافة.

كما عملت العديد من المنظمات الأهلية على توزيع الطرود الغذائية ذات القيمة الغذائية من الخضروات الطازجة والمعلبات، والمواد غير الغذائية ودعم شراء الملابس الشتوية للأشخاص النازحين في قطاع غزة، وكذلك توفير مواد الإيواء من فرشات وأغطية في ظل تعدد الاحتياجات المختلفة للفئات النازحة من المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح هذه المواد في الأسواق، بالإضافة إلى توفير فرص عمل للخريجين لتعزيز قدراتهم على الصمود ومواجهة الظروف الاقتصادية المتردية بسبب الحرب والحصار المستمرين على قطاع غزة.

كما قامت العديد من المنظمات الأهلية الفلسطينية بإنشاء المطابخ المجتمعية (التكيات) لتوزيع الوجبات الجاهزة الساخنة، وبالذات خلال شهر رمضان المبارك الذي حل في ظل اشتداد أزمة التجويع واشتداد الهجمة من قبل الاحتلال على الأهالي في كافة مناطق القطاع.

لم يقتصر تقديم الخدمات على الإغاثة والغذاء فقط، فقد اتسعت دائرة تقديم الخدمات لتشمل الأشخاص من ذوي الإعاقة والأطفال وتقديم كافة المساعدات الممكنة لذوي الإعاقة بما فيها مبتوري الأطراف، حيث وفرت المنظمات العاملة في قطاع التأهيل الكراسي الخاصة بذوي الإعاقة الحركية والسماعات والبطاريات لذوي الإعاقة السمعية، وغيرها من المساعدات التي تمكن الأشخاص من ذوي الإعاقة من التعامل مع الأوضاع أثناء الأزمة.

في مجال الخدمات الصحية والإسعاف، ظهر جليًا دور المنظمات الأهلية وموظفيها في تعزيز صمود المواطنين، والعمل في ظل ظروف لا يمكن تخيلها تحت تهديد سلطات الاحتلال للطواقم الطبية لهذه المؤسسات بإخلاء مقراتهم، إلا أنهم استمروا في البقاء مع المرضى وتقديم الخدمة الصحية المتوفرة لديهم، حيث ظهرت العديد من الأمثلة التي لم تغادر فيها الطواقم الطبية مقرات الخدمة لأسابيع مستمرة.

وفي مجالات الحماية، عملت معظم المؤسسات على توفير الدعم النفسي والاجتماعي لكافة الفئات، وبالذات النساء والفتيات ذوات الإعاقة، وبدون الإعاقة، وتوزيع حقائب الكرامة عليهن، وكذلك تنظيم لجان للحماية المجتمعية تستهدف مجتمعات النزوح والإيواء، حيث تهدف هذه اللجان إلى فهم أشمل وأعمق لاحتياجات النازحين في مختلف القطاعات، ومشاركة هذه الاحتياجات مع أصحاب العلاقة وصولًا إلى استجابة إنسانية مرنة وكريمة، في ظل استمرار الأزمة حتى بعد إعلان مراحل وقف إطلاق النار.

كما عقدت المنظمات الأهلية العديد من البرامج والدورات التدريبية حول "الإسعاف الأولي النفسي" لمقدمي الخدمة والأخصائيين النفسيين في مراكز الإيواء، وتوزيع المعلومات الخاصة بالتواصل والإبلاغ عن مشاكل الحماية في مراكز النزوح.

وفي المجال التعليمي، قامت بعض المؤسسات بمبادرات تعليمية في الخيام والمدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، حيث تم تنفيذ أنشطة تعليمية وترفيهية من خلال المساحات التعليمية المؤقتة التي قامت بإنشائها في أماكن النزوح.

وفي المجال الحقوقي والمناصرة، قامت العديد من المنظمات الأهلية بإصدار البيانات والتقارير الخاصة وأوراق الحقائق التي اشتملت على توثيق انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المواطنين الفلسطينيين، من صحفيين ومرضى وأطباء والعاملين في مجال الإسعاف والدفاع المدني والمعتقلين، حيث طالبت هذه المنظمات المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية وفعالة لضمان منح آليات التحقيق الدولية للتحقيق في الجرائم والانتهاكات التي يقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي، والعمل على تفعيل دور الرقابة الدولية في ظل ازدياد خطر حدوث المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان دون رادع، مما يعزز حلقة الانتهاكات والإفلات من العقاب.

والآن ومع وقف إطلاق النار، وفي ظل عودة النازحين من الجنوب إلى شمال قطاع غزة، تتكشف المزيد من أهوال العدوان وقلة الإمكانيات، لتستمر المنظمات الأهلية في العمل على تقديم كافة الخدمات الممكنة من خدمات الرعاية الصحية والمواصلات وتقديم التوعية اللازمة لتفادي الأخطار الناجمة عن المخلفات الحربية غير المنفجرة من أجل ضمان عودة سالمة لهم.

أمجد الشوا

 

اشترك في القائمة البريدية