المركز الفلسطيني: قوات الاحتلال الإسرائيلي تقيم جداراً يستكمل عزل وحصار قرية سنجل في محافظة رام الله

بخطى متسارعة، تعمل قوات الاحتلال الإسرائيلي على إقامة جدار عازل حول قرية سنجل، شمال شرقي محافظة رام الله، وسط الضفة الغربية، لتكتمل حلقات حصار القرية المحاطة من جميع الاتجاهات بمجموعة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي تمثل جزءًا من المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي في الضفة الغربية.  يأتي ذلك في إطار حملة محمومة للاستيلاء على المزيد من الأرض في كافة أنحاء الضفة الغربية وتصعيد النشاطات الاستيطانية والمضي قدماً في مخططات الضم.

يذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بقرار محكمة العدل الدولية في أغسطس 2024 بأن الاحتلال الإسرائيلي في للأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وأن دولة الاحتلال الإسرائيلي ملزمة، بين أمور أخرى، بالوقف الفوري لجميع نشاطاتها الاستيطانية وإخلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينية المحتلة.

ووفقا للمتابعة الميدانية لباحثة المركز، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي أعمال التجريف في أراضي بلدة سنجل على طول نحو 1500 متر، مستخدمة آليات عسكرية ثقيلة، بهدف إقامة جدار إسمنتي يفصل البلدة عن الشارع الالتفافي رقم 60 الذي يسلكه المستوطنون ويمتد على طول الجزء الشرقي من أراضي سنجل، ويعد من المحاور الاستراتيجية في مخططات التوسع الاستيطاني الإسرائيلي. أسفرت عمليات التجريف وأعمال إقامة الجدار التي بدأت منذ 28 سبتمبر 2024، عن تجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية واقتلاع وتدمير حوالي 200 شجرة، بينها 135 شجرة زيتون معمرة، وتدمير جدران استنادية.

ولغرض إقامة الجدار، شقت سلطات الاحتلال طريقًا في أراضي المواطنين بعمق 6 أمتار وطول 1500 متر حتى الآن، ورصفته بمادة البسكورس، وهو يبعد 14 مترًا عن الشارع الالتفافي 60 الذي يربط جنوب الضفة بشمالها، ويمتد من منطقة يطا مرورًا ببني نعيم وسعير وصولًا إلى عتصيون. ثم يتفرع ليمر شمال غربي مدينة بيت لحم، ليصل إلى مناطق مثل جبع ومعسكر عنتوت الواقع قرب حزما وجبع، وينتهي بشرق مدينة البيرة، ومن هناك يستمر في الامتداد نحو مناطق شمال الضفة الغربية، وفق طاقم المركز.

تأثيرات الجدار:

ومن شأن استكمال بناء الجدار العازل، تحقيق مخطط استيطاني إسرائيلي يعزل البلدة عن المناطق الفلسطينية ويفرض عقابا جماعيا على أهالي البلدة ويضعها داخل منطقة محاصرة ومطوقة بالمستوطنات والجدران العازلة والبوابات العسكرية المغلقة.

ووفق المعلومات التي جمعتها باحثة المركز من المواطنين والبلدية، فإن الجدار الجديد يعزل بلدة سنجل بالكامل عن شارع 60 وعن أراضي البلدة الواقعة خلف الشارع، أي في الجزء الشرقي من البلدة، وتقدر مساحتها بنحو 8 آلاف دونم من أراضي البلدة. كما يعزل الجدار عائلات وبيوت من بلدة سنجل تقع في الجزء الشرقي، علما أن جميع الأراضي التي سيتم عزلها هي من الأراضي الخاصة بأهالي سنجل، ولديهم أوراق ثبوتية تدلل على ملكيتهم الخاصة لها من إخراجات قيد مسجلة وموثقة.  ويبلغ عدد البيوت في الجزء الشرقي من البلدة والتي سيتم عزلها 15 بيتاً، يقطنها نحو 150 مواطناً، بعضها مشيد قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وبعضها حاصل بالأصل على تراخيص بناء من الإدارة المدنية التابعة للاحتلال.

ووفقًا للمخططات الصادرة عن الاحتلال، سيبلغ ارتفاع الجدار المزمع إقامته 4.5 أمتار، ويصادر نحو 30 دونمًا من أراضي البلدة، وتلك المصادرة بشكل مباشر بموجب قرار وضع يد من قائد جيش الاحتلال. وعلى طول الجدار سيكون هنالك شارع أمني تسير به دوريات الاحتلال. هذا الشارع سيكون له آثار كارثية على البلدة؛ فإضافة لعزل عدد كبير من سكان القرية ومساحات واسعة من أراضيها، سيؤدي بناء الجدار إلى عزل البلدة بالكامل عن محيطها، مما يحوّل البلدة إلى سجن مغلق على سكانها وعددهم 7500 نسمة. كما سيعيق وصول السكان إلى مدن رام الله ونابلس، ويربط تنقلهم ببوابة عسكرية، ما يضطرهم إلى اتخاذ مسارات بديلة طويلة تتجاوز 55 كم للوصول إلى رام الله، مقارنة بـ 20 كم وهذا سيحدث قريبا.

مستوطنات وبؤر وبوابات تحكم الحصار

منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، فرضت سلطات الاحتلال حصارًا مشددًا على بلدة سنجل من خلال إغلاق مداخلها الرئيسية واقامة بوابة عسكرية على المدخل الرئيسي من الجهة الجنوبية للبلدة، ونصب حواجز عسكرية طيارة على المداخل الأخرى. وجاء الجدار ليضيف حلقة إضافية في حصار وخنق البلدة.

وفي فبراير 2024، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمرًا عسكريًّا بمصادرة 30 دونمًا من الأراضي المحاذية للشارع العام في بلدتي سنجل وترمسعيا1. وأبلغت المواطنين الفلسطينيين أن الأراضي المصادرة ستستخدم لإنشاء سياج أمني لحماية المستوطنين الذين يسلكون شارع 60 بحجة حمايتهم من خطر إلقاء الحجارة، وهي واحدة من الحجج التي تستخدمها تلك القوات للاستيلاء على الأرض الفلسطينية.

وفي أغسطس 2024، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمرًا إضافيًا بالاستيلاء على 15 دونماً أخرى من الأراضي الزراعية، بهدف إنشاء السياج العازل (مرفق صور الأوامر العسكرية).

ووفقا للمعلومات الي حصلت عليها الباحثة حين التقت رئيس بلدية سنجل، د. معتز طوافشة، فقد تجاوزت أعمال التجريف المسار الذي حددته الأوامر العسكرية الصادرة عن جيش الاحتلال لبناء الجدار العازل.  ووفقاً لإفادة د. طوافشة، هناك 13 منزلًا تقع في مسار الجدار العازل، مما يعرضها لخطر التدمير أو العزل عن بقية البلدة. كما أن حوالي ثمانية آلاف دونم من الأراضي الزراعية القريبة من المستوطنات، شمال شرق البلدة مهددة بالعزل الكلي، ما يعني أن هذه الأراضي ستكون عرضة للسيطرة الإسرائيلية التامة.  وأضاف د. طوافشة أن بلدية سنجل رفعت التماسًا إلى الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، اعتراضًا على مخططات بناء السياج العازل، حيث طالبت بإيقاف العمل بالمخططات التي تهدد حياة السكان وحقوقهم في الأرض.  ومع ذلك، رفضت سلطات الاحتلال الاعتراضات الفلسطينية.

شهادات أصحاب الأراضي

وحول تفاصيل أوامر الاحتلال لإقامة الجدار، أفاد أحد أصحاب الأراضي المواطن عايد راجح أحمد غفري لباحثة المركز بما يلي:

بتاريخ 24/9/2024، حوالي الساعة العاشرة صباحا، حضرت طواقم من الإدارة المدنية التابعة للاحتلال وكان معهم ضباط ومساحون ومهندسون، وضعوا تحت حماية جيش الاحتلال علامات دهان باللون الأحمر على أشجار الزيتون الخاصة بالبلدة، على طول ما مسافته نحو 1.5 كم، وهي المسافة التي سيمر بها الجدار، وهي تبعد نحو 14 مترا إلى الغرب من حدود شارع (60)، أي بما معناه أن الجدار سيكون في قلب أراضي المواطنين، بحيث سيكون الجدار من المدخل الرئيسي لبلدة سنجل الواقع شرق البلدة، وهذا المدخل سيتم وضع بوابة على هذا المدخل، كبديل للبوابة الحالية المؤقتة التي هي عبارة عن قاطع معدني، بحيث تكون البوابة الجديدة دائمة كتلك الموجودة في مقاطع جدار الضم، وهذا ما أبلغنا به ضباط الإدارة المدنية به عند قدومهم. بعد ذلك يسير الجدار باتجاه الشمال وصولا إلى منطقة “محول الكهرباء”، ويبدو أن هذه هي المرحلة الاولى من الجدار. هذا المسار سيؤدي إلى إغلاق تام لـ 3 مداخل كانت تربط البلدة بشارع 60 وهي مغلقة منذ أكتوبر 2023 بالسواتر الترابية وأسيجة.وفي /9/29 /2024، الساعة السادسة والنصف صباحًا، بدأت قوات الاحتلال بتنفيذ أعمال التجريف باستخدام ثلاث جرافات ضخمة، حيث جرّفت المحاصيل الزراعية واقتلعت حوالي 70 شجرة زيتون معمرة، تمهيدًا لبناء الجدار وشارع أمني بموازاته.

كما أفاد المواطن موسى سميح عيسى شبانة لباحثة المركز بما يلي:

في 8/10/2023، أي بعد يوم من أحداث السابع من اكتوبر لعام 2023، فوجئت بجنود الاحتلال يأتون إلى مشتلي بسيارة مدنية تحمل لوحة ترخيص إسرائيلية، وتقدموا نحوي بطريقة غاضبة وهم يشهرون أسلحتهم في وجهي ويهددوني قائلين: إن رأيناك في هذا المكان مرة أخرى سنطلق النار عليك. بعدها لم أفتح المشتل، لكن أصبحت بين الفينة والأخرى آتي من ناحية قرية سنجل من باب المشتل الجانبي كي أسقي الأشجار والنباتات في المشتل، وقد نقلت عددا منا الأشجار منه عن طريق المخاطرة عبر الوصول بسيارتي الصغيرة من داخل القرية إليه، لأن السيارات الكبيرة رفض أصحابها الحضور معي للمشتل لنقل كل ما فيه، كونهم خافوا من الاعتداء عليهم ومصادرة مركباتهم إن رآهم الجنود. استمر الأمر على هذا النحو لغاية أول شهر أكتوبر 2024، حيث بدأ الاحتلال بإقامه جدار عازل يفصل ما بين الجهة الشرقية لقرية سنجل حيث مشتلي وشارع 60 الالتفافي، ووصلت أعمال الحفر والتجريف إلى ناحية مشتلي. أنا متخوف من الذهاب إلى المنطقة حيث تعمل الجرافات الإسرائيلية بسبب تواجد جنود الاحتلال معها في النهار، ووجود دوريات مشاة للجيش في المنطقة بالليل، لكن أنا عندما كنت أمر بالسيارة على شارع 60 أرى الآليات وهي تعمل في مكان المشتل الخاص بي، لغاية يوم 19/11/2019، حيث لاحظت يومها عدم وجود آليات أو جنود احتلال في المنطقة، فتجرأت ونزلت إلى المشتل، لأجد أن آليات الاحتلال شقت طريقًا للجدار وسط المشتل، ودفنت الأشجار والنباتات التي كانت في قطعة الأرض التي شقت الطريق فيها، وعددها ليس أقل من 200 شتلة زيتون ولوزيات وأشتال لأشجار تل واشتال عنب، وقامت بعد حفر وتجريف الارض برصفها بالباسكورس بعرض نحو 6 متر، ووجدت أيضا أشتال أخرى حوالي 500 شتلة وقد ذبلت لأنني لم أستطيع الوصول إليها منذ فترة لريّها، وأيضا البئر القديمة على حدود الشارع تضرر بسبب أعمال التجريف، والمنزل البعيد عن الشارع بحدود متر واحد فقط لم يتضرر. أنا قمت مؤقتا بافتتاح مشتل جديد قرب منزلي داخل قرية سنجل، بعيدا عن الشارع الالتفافي، لكن الحركة شبه معدمه حاليا، كوني كنت أعتمد على الزبائن من خارج القرية الذين يأتون عبر الطريق الالتفافي، لكن حاليا لا يصلني إلا القليل من الزبائن إذ لأن قرية سنجل شبه مغلقة، كون الاحتلال يغلق المدخل الرئيسي ببوابة حديدة، والمداخل الفرعية إلاّ مدخلا واحدا مغلقا بالتراب والصخور. 

وتقع بلدة سنجل في شمال شرقي محافظة رام الله، ويقطنها نحو 7500 نسمة، ويحيط بها خمس مستوطنات على شكل حزام استيطاني يطوقها من الغرب إلى الشرق. والمستوطنات الخمس هي: “معاليه ليفونة”، “عيلية”، “هارواة”، “جفعات هاروئيه”، و”شيلو”. إلى جانب ثلاث بؤر استيطانية رعوية إلى الشمال الشرقي من البلدة.

تظهر المعلومات التي جمعتها باحثة المركز، أن هذه المستوطنات والبؤر تعمل على فرض سيطرة كاملة على الأراضي الفلسطينية في المنطقة مع استمرار الاحتلال أيضا في توسيعها بين الحين والآخر؛ بهدف تمديد شارع رقم 60 الالتفافي، وهو أحد الشوارع الرئيسية التي تخترق الضفة الغربية والذي يستخدم لتعزيز سيطرة المستوطنين وربط المستوطنات بشبكة طرق تسهّل تنقلهم.  بالإضافة إلى ذلك، يوجد معسكر لجيش الاحتلال الإسرائيلي مقام في الجهة الشمالية من أراضي البلدة.

وفي حين تدعي سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن بناء الجدار جاء لدواعي أمنية وفق الأمر العسكري الإسرائيلي، تدلل المعلومات الميدانية أن بناء الجدار العازل يهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض تعزز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية وعزل سكان البلدة عن أراضيهم الزراعية بالكامل والتي تمتد خلف الجدار العازل وتبلغ مساحتها حوالي 8000 دونم.

تشكل الإجراءات التي يتخذها الاحتلال الإسرائيلي في بلدة سنجل، بما في ذلك بناء الجدار العازل وتوسيع المستوطنات، جزءاً من عملية الاستيلاء المنظم والمستمر على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 لصالح مخططات الضم والهندسة الديمغرافية للسكان.  إن كافة الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي غير قانونية وفقاً للقانون الدولي.  ويذكر المركز بالقرار الصادر عن محكمة العدل الدولية في أغسطس 2024 بأن الاحتلال الإسرائيلي في للأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وأن دولة الاحتلال الإسرائيلي ملزمة، بين أمور أخرى، بالوقف الفوري لجميع نشاطاتها الاستيطانية وإخلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينية المحتلة. كما يذكر المركز المجتمع الدولي بالتزامتاته وفق القانون الدولي ليس فقط بعد الاعتراف بشرعية الواقع غير القانوني للاحتلال الإسرائيلي، إنما باتخاذ خطوات جدية لإنهائه ووضع حد لجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة التي تمارسها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

 

 

 

اشترك في القائمة البريدية