مصطفى إبراهيم
كاتب وحقوقي فلسطيني
كان رهيباً على حكومة إسرائيل ذاك اليوم الذي أصدرت فيه محكمة الجنايات الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في قطاع غزة.
صدمة مذكرة الاعتقال تتجاوز حقيقة اتهام شخصين، بل تمتد إلى اتهام “حكومة الحرب” بكاملها، إذ يسلط القرار الضوء على مدى غطرستها وانفصالها عن أي سمة من سمات الإنسانية وانتهاكها الأعراف والقوانين الدولية الإنسانيّة.
لطالما نظر الفلسطينيون الى المحكمة الجنائية الدولية بشك لعدم قدرتها على إنصافهم، كونها مؤسسة ضعيفة، تعكس المؤامرات السياسية للمجتمع الدولي المنافق والمتواطئ، لكن هذه المرة قد تكون المحكمة استطاعت التغلب على ضعفها وخوفها لهول الكارثة الإنسانية التي يشهد عليها العالم بكامله، إلى جانب تحرك شعبي في العواصم الأوروبية التي وقف بعضها إلى جانب الحق الفلسطيني كما في إسبانيا.
لكن على رغم مذكرة الاعتقال، ما زال الجيش الإسرائيلي بدعم من الحكومة اليمنيّة مستمراً في حرب الإبادة الجماعية، إذ يقتل الجيش الإسرائيلي يومياً عشرات الغزيين، وما زال مستمراً في تنفيذ “عملية عسكرية” منذ نحو شهرين في شمال قطاع غزة لطرد السكان وإجبارهم على المغادرة بالقصف وتدمير المستشفيات ومنازلهم فوق رؤوس قاطنيها، ناهيك بتجويع الفلسطينيين في عموم قطاع غزة.
حتى في ظل تنفيذها حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ أكثر من عام، لم تتوقف إسرائيل عن تحدي المجتمع الدولي، ولم تتوقف عن الادعاء بأنها “واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة العربية” وجزء أساسي من “العالم الحر”، ولا تريد أن يوضع اسمها في مصاف الدول التي ترتكب جرائم حرب يتزعمها مجرم مطلوب للعدالة هو ومن حوله.
على رغم التشكيك في قدرة المجتمع الدولي على تنفيذ قرار الاعتقال، بل وتداول أنباء عن أن ألمانيا لن تعتقل نتانياهو وأن أميركا ستفرض عقوبات على المحكمة وقضاتها، لكن مذكرات الاعتقال التي قالت الدول الأوروبية في غالبيتها إنها ستنفذها، تمتلك قيمة رمزية، إذ لن يتغير الكثير في المدى القريب.
لكن جرائم حكومة إسرائيل ستظل راسخة في أذهان العالم حتى أشدّ مؤيديها. فإسرائيل الدولة التي تدعي الديمقراطية أصبحت بشكل رسمي ودولي، ضمن الدول التي ارتكبت جرائم إبادة جماعية.
لم يعد في مقدور إسرائيل أن تتحرك على جبهات مختلفة، ولم يعد في وسعها أن تلعب دور الضحية عندما تُتهم بالوحشية وارتكاب الجرائم، بل كشفت المذكرات حقيقة ممارساتها، وموقف أميركا الواضح في دعمها حدّ استخدام الفيتو ضد أي قرار يدعو الى وقف إطلاق النار.
نتانياهو جلب وصمة عار إلى إسرائيل، إذ تحول إلى مجرم حرب، متهم بالفساد ومطلوب للمحاكمة داخل إسرائيل وخارجها، ناهيك باتهامه من المعارضة بإطالة أمد الحرب على غزة من أجل مصالحه السياسية الشخصية والتهرب من الاتهام إثر جرائم الفساد التي تلاحقه.
في المقابل، رحب الفلسطينيون بالقرار التاريخي للمحكمة الجنائية الدولية، بوصفه خطوة مهمة نحو تحقيق المساءلة، لكن ما زال الطريق طويلاً، والقرار بحاجة الى عمل شاق ومستمر من النضال القانوني والضغط والمناصرة في سبيل تطبيقه.
القرار يعني أن مسؤولية الفلسطينيين أصبحت أشد، عليهم الاستمرار برصد الجرائم وتوثيقها ليس في قطاع غزة فحسب، بل في الضفة الغربية، لأن القرار تضمن إدانات لإسرائيل بارتكاب جرائم الاضطهاد والفصل العنصري، وتطبيقها “الفوقية اليهودية “من خلال خطط الحكومة لضمّ الضفة الغربية، وهذه اأيضاً جريمة حرب.
الترحيب العربي بالقرار لا يكفي من دون اتخاذ مواقف رسمية عربية، هذه فرصة للدول العربية للتخلص من مواقفها العاجزة عن اتخاذ مواقف رسمية تدعم جهود الفلسطينيين في توجهاتهم القانونية، وإنصاف الضحايا وتنفيذ قرار المحكمة وفرض عقوبات على إسرائيل ومقاطعتها.
وعلى المجتمع الدولي التوقف عن التعامل بازدواجية كما حدث في قرار اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمقاطعة التي قامت بها أميركا وأوروبا، والتوقف عن تزويد إسرائيل بالأسلحة ودعمها سياسياً، ووقف الشراكة السياسية والاقتصادية معها.