واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي تصعيد هجماتها العسكرية على الطواقم والمنشآت الطبية، وكان أخرها تكرار الهجوم على مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، فبعد قصف مخزن الدواء والمستلزمات الطبية، يوم الخميس الموافق 31 أكتوبر 2024، بعد خمسة أيام من استلام الأدوية والمستلزمات الطبية من منظمة الصحة العالمية، كررت هجماتها على مدخل وساحة مستشفى كمال عدوان، لتوقع جرحى من أفراد الطاقم الطبي والمرضى وغيرهم من العاملين، وتفضي إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفى، مركز الميزان يدين ويستنكر بشدة إصرار قوات الاحتلال على استهداف المنشآت الطبية وتدميرها واستهداف الطواقم الطبية بالرغم من تحريم استهدافها المطلق في القانون الدولي الإنساني، وبالرغم من مذكرتي الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
وتشير أعمال الرصد والمراقبة التي يواصلها باحثو مركز الميزان لحقوق الإنسان، إلى أن تدمير المنشآت الطبية ومنع وصول الجرحى والمرضى إلى المستشفيات، من خلال استمرار استهداف سيارات الإسعاف وإغلاق الطرق المؤدية إلى المستشفيات في محافظة شمال غزة، مع اعتقال أفراد الطواقم الطبية والدفاع المدني، شكلا سمة رئيسة ترافقت مع أعمال القتل الجماعي والتهجير القسري. وفي هذا السياق رصد مركز الميزان تصاعد الهجمات على مستشفى كمال عدوان بعد حصار مستشفى العودة، وإخراج المستشفى الإندونيسي عن الخدمة، ففي يوم الخميس الموافق 21/11/2024، أصيبت سيدتان حوامل لحظة خروجهم من مستشفى العودة في منطقة تل الزعتر من محافظة شمال غزة، بعد أن ألقت طائرة مُسَيَّرَة قنبلة تجاههما بشكل مباشر، كما هاجمت الجمعة الموافق 22/11/2024، طائرة مسيرة مدخل الاستقبال والطوارئ بالقنابل، بينما يحاول الطاقم الطبي تقديم الإسعاف للجرحى، لتصيب أربعة من الطاقم الطبي بجراح، وعندما حاول الممرضون نقلهم إلى مبنى قسم الأشعة لتشخيص إصاباتهم، استهدفت المسيرات من يقومون بنقل المصابين فأصيب 2 آخرين من الكادر التمريضي بإصابات خطيرة، وتم إدخالهم إلى قسم العناية المركزة.
وأشار الدكتور حسام أبو صفية مدير المستشفى إلى أن قوات الاحتلال قصفت ساحة المستشفى حيث توجد مولدات الكهرباء، كما قصفت بالقرب من محطة الأكسجين ما أحدث عطل في تمديدات الأكسجين إلى أقسام المستشفى. ولفت أبو صفية إلى أنه يوجد في المستشفى 85 جريحاً، و8 حالات في العناية المركزة، و14 طفلاً في قسم الأطفال، و4 حالات حديثي الولادة. وأضاف أبو صفية هذه ليست المرة الأولى التي يقصف فيها المستشفى، في ظل حصار ظالم ومطبق على شمال قطاع غزة وعلى المنظومة الصحية وفي كل مرة يخلف القصف إصابات ودمار في البنية التحتية. ويضيف أن قوات الاحتلال تتعمد استهداف خزانات الوقود ومولدات الكهرباء في مستشفى كمال عدوان، ما تسبب في تسرب كمية من السولار، ما يهدد بإيقاف المولد الرئيسي عن العمل وانقطاع التيار الكهربائي عن المستشفى والمرضى، كما يهدد باشتعال الخزان والتسبب بكارثة.
تجدر الإشارة إلى أن قوات الاحتلال قصفت مستشفى كمال عدوان عند حوالي الساعة 23:30 من مساء يوم السبت الموافق 23/11/2024، ما تسبب في إصابة أبو صفية مدير المستشفى بشظايا في الفخذ الأيسر، ووصفت إصابته بالمتوسطة.
ويعاني مستشفى كمال عدوان أسوة بمستشفيات الشمال نقصاً شديداً في الأدوية والمعدات والمستلزمات والكادر الطبي المتخصص، ومع عدم السماح بإدخال الوفود الطبية، وشح المستلزمات الطبية وتقييد حركة واستهداف سيارات الإسعاف والدفاع المدني، فإن هذه الممارسات هي حكم بالموت على الجرحى والمرضى.
من ناحيته، صرّح الطبيب سعيد جودة أخصائي العظام، لمركز الميزان:
عند حوالي الساعة 16:00 من مساء الجمعة الموافق 22/11/2024 وأثناء العمل في مستشفى كمال عدوان، وبينما أرتدي الزي الطبي، وأتواجد قرب بوابة المستشفى (المدمرة)، شعرت بشيء ما يضرب جسدي فجأة، وشاهدته يرتطم بالأرض من حولي، كان مصدره من الجو، سقطت أرضاً، وحملني بعض الشبان وأفراد طاقم المستشفى إلى قسم الاستقبال والطوارئ، وهناك تبين أني أصبت بشظايا أعيرة نارية في مناطق مختلفة من الجسم (الساقين، والساعد الأيمن والوجه)، حيث قدم لي الزملاء العلاج اللازم، وعلمت أن عدداً من أفراد الطاقم قد أصيبوا في الحادثة، حيث فتحت طائرة مسيرة النار تجاه المستشفى والمتواجدين داخله بشكل مباشر".
مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يشدد على أن ممارسات قوات الاحتلال تجاه المنشآت والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف يشكل انتهاكات جسيمة ومنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، فبالإضافة لانتهاكها الحماية العامة للسكان المدنيين والأعيان المدنية، فإنها تنتهك نصوص المواد (17، 21، 22، 23، 50، 55 و56) من القانون، التي تفرض على القوة القائمة بالاحتلال ضمان تزويد السكان المدنيين في الأرض المحتلة بحاجتهم من الغذاء والدواء وأن تكفل حماية إرساليات الغذاء والدواء، وأن تعمل بكل ما تسمح به مواردها لضمان حسن تسيير وتشغيل المنشآت الطبية. ويحرم القانون الدولي استهداف المنشآت الطبية، وحتى في حالة الشك على أنها تستخدم لغير طبيعتها، وهذا ما نفته الوقائع بعد ترويج سلطات الاحتلال لأكاذيب حول مستشفى الشفاء وغيرها، وهو ما ثبت زيفه، وأن الهدف من نشر الأكاذيب تبرير غير المبرر وهو الهجوم على المستشفى وتدميره.
وعليه فإن مركز الميزان يطالب:
- المجتمع الدولي بموقف أكثر حزماً لوقف جريمة الإبادة الجماعية المستمرة للشهر الثاني من العام الثاني على التوالي، والعمل على إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة وضمان غوث سكانه بالمواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية وغيرها من الحاجات الأساسية لحفظ الحياة.
- الأطراف الموقعة على اتفاقيات جنيف واتفاقية قمع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها باتخاذ التدابير الواجبة عليهم لضمان وقف استهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، والإفراج عن أفراد الطواقم الطبية التي اعتقلتهم سلطات الاحتلال تعسفاً لوقف خدمات الرعاية الصحية، والضغط لضمان وصول الطواقم الطبية التطوعية من الجراحين في التخصصات المختلفة لإنقاذ حياة الجرحى والمرضى.
- المجتمع الدولي بالضغط على القوة القائمة بالاحتلال لإعادة التيار الكهربائي وتزويد قطاع غزة بالمياه بعد أكثر من 14 شهراً على قطعها.
- المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بالعمل على تزويد مستشفيات قطاع غزة بالمعدات والمستلزمات الضرورية لتقديم خدمات الرعاية الصحية، ولاسيما الأجهزة التشخيصية والمناظير بعد أن دمرت قوات الاحتلال هذه الأجهزة وتركت المرضى والأطباء دون قدرات تشخيصية حقيقية.
- المجتمع الدولي والدول الأطراف في ميثاق روما وأعضاء المحكمة الجنائية الدولية باتخاذ التدابير الكفيلة بتنفيذ مذكرتي الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، كما يهيب المركز المنظمات الحقوقية الزميلة لتصعيد نشاطاتها في ملاحقة كل من يثبت تورطه في جريمة الإبادة الجماعية من جنود وضباط ولاسيما وأن الجنود والضباط وثقوا في كثير من الحالات جرائمهم ونشروها على مواقع التواصل الاجتماعي.
مركز الميزان إذ يكرر استهجانه تصعيد قوات الاحتلال لجرائمها حتى بعد مذكرتي التوقيف، فإنه يشدد على أن استمرار تواطئ المجتمع الدولي وتحصينه لدولة الاحتلال وقادتها من الملاحقة والمحاسبة أسهما في حدوث هذه الإبادة، وعليه فإن السبيل لوقفها هو بالإعلان الجدي من كافة الدول مقاطعة دولة الاحتلال، وملاحقة قياداتها ومسئوليها في كل مكان.