مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية ترحب بالقرار التاريخي للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت كخطوة مهمة نحو تحقيق المساءلة

ترحب كل من مؤسسة الحق، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بقرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. يُعد هذا القرار تاريخياً ومحورياً في المعركة ضد إفلات إسرائيل من العقاب، والذي طالما حرم الشعب الفلسطيني من الوصول إلى العدالة وأخضعه لعقود طويلة لنظام قائم على الإبادة واستيطان استعماري عنصري. وبالنسبة لنا، يعتبر هذا القرار بارقة أمل جديدة بعد مضي أكثر من عام على جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، ليكون بمثابة تذكير قوي بأن السعي لتحقيق العدالة لشعبنا الفلسطيني، مهما طال الزمن، لن يذهب سدى أبداً. يمثل هذا القرار الخطوة الأولى نحو محاسبة المسؤولين عن قتل مئات الآلاف وتدمير مئات آلاف المنازل السكنية وتجريف مئات آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية للشعب الفلسطيني، وهو تأكيد على أن الإفلات من العقاب لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.

وتأتي مذكرات الاعتقال استجابة مباشرة للهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكثر عام، والذي أوقع دماراً هائلاً في القطاع، وحرم السكان المدنيين من مقومات الحياة الأساسية لبقائهم. وقد يضمن، لأول مرة، أن تكون هناك مسؤولية جنائية فردية للأشخاص المسؤولين عن “تدمير جزء من السكان المدنيين”. ووجدت الدائرة “أسبابًا معقولة” للاعتقاد بأن كل من نتنياهو وغالانت يتحملان “المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية كمتورطين بشكل مشترك مع آخرين في ارتكاب هذه الأفعال: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغير ذلك من الأفعال اللاإنسانية”. كما قررت الدائرة أن هناك “أسبابًا معقولة للاعتقاد بأنهما يتحملان المسؤولية الجنائية كقادة مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين”.

وفي ضوء استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، وخطورة الوضع القائم بالنظر إلى تزايد أعداد الشهداء الفلسطينيين بشكل يومي، فضلاً عن الجرائم الدولية المستمرة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون في الأرض الفلسطينية المحتلة، تؤكد المؤسسات الثلاث أن هذا القرار طال انتظاره. إن السلوك الإجرامي، الذي يُعد في حد ذاته فظيعاً ومروعاً، لا يمثل إلا جزءًا بسيطًا من مجموع الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد أجيال من الشعب الفلسطيني، الذين جُردوا من ممتلكاتهم وتعرضوا للتشريد والقتل والنهب والاضطهاد، وجُبروا على اللجوء- بمن فيهم أغلب سكان غزة اللاجئين منذ نكبة عام 1948. إن الجرائم الحالية التي ترتكب في غزة تأتي في سياق احتلال غير قانوني ونظام فصل عنصري مستمر منذ عقود، يتسم بانتهاكات جسيمة ومستمرة ومتفاقمة لحقوق الإنسان، وقمع غير قانوني لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

وتشير المؤسسات إلى أن المحكمة، بتوجيهها تهماً ضد نتنياهو وغالانت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية متمثلة في أفعال غير إنسانية أخرى، لجأت إلى “الفئة المتبقية” من الجرائم ضد الإنسانية، المصممة لتجريم سلوك لا يعتبر على وجه التحديد أيا من الجرائم الأخرى بموجب المادة 7(1) من نظام روما الأساسي. وفي هذه الحالة، تشير الأفعال اللاإنسانية المحددة، والتي لم يتنبأ بها واضعو نظام روما الأساسي، إلى تعمد “تقييد أو منع وصول الإمدادات والمعدات الطبية إلى غزة، وخاصة أدوية التخدير وآلات التخدير”، مما أدى إلى إجبار الأطباء على إجراء عمليات جراحية للجرحى وتنفيذ عمليات بتر الأطراف، بما في ذلك للأطفال، دون تخدير، و/أو اللجوء إلى استخدام وسائل غير كافية وغير آمنة لتخدير المرضى، مما تسبب في آلام ومعاناة شديدة لهؤلاء الأشخاص”. هذا السلوك، وما تبعه من معاناة، وهوية المسؤولين عنه، تم بثه على نطاق واسع للعالم لأكثر من عام خلال أول إبادة جماعية تُبث على الهواء مباشرة.

ولدى التوصل إلى استنتاج مفاده وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، أكدت الدائرة أنه “لا يمكن تحديد أي ضرورة عسكرية واضحة أو مبرر آخر بموجب القانون الدولي الإنساني للقيود المفروضة على وصول عمليات الإغاثة الإنسانية”. وعلى وجه الخصوص، أشارت الدائرة إلى “تصريح نتنياهو الذي يربط وقف السلع الأساسية والمساعدات الإنسانية بأهداف الحرب”، وأكدت أن كلاً من نتنياهو وغالانت تجاهلا “التحذيرات والنداءات” التي وجهها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والأمين العام للأمم المتحدة، والدول، والمنظمات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بشأن الأزمة الإنسانية الكارثية والمفتعلة في غزة.

وفي حين لا يوجد شك في صحة استنتاج الدائرة بأن السلوك الإجرامي الذي وُجهت بشأنه التهم لنتنياهو وغالانت يتعلق بنزاع دولي مسلح، خاصة بالنظر إلى “العلاقة بين سلطة الاحتلال والسكان في الأرض المحتلة”، تؤكد مؤسساتنا على استنتاجات محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو 2024، والتي أكدت أن الأرض الفلسطينية المحتلة – المكونة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة – تُعد وحدة إقليمية واحدة يجب الحفاظ على وحدتها وتواصلها وسلامتها واحترامها (الفقرة 78). كما شددت على أن انسحاب إسرائيل العسكري المزعوم أو “فك الارتباط” عن قطاع غزة لم يغير وضعها القانوني، الذي لا يزال خاضعًا للاحتلال (الفقرة 94)، حيث تواصل إسرائيل ممارسة عناصر رئيسية من السلطة على قطاع غزة: “وبشكل أكثر وضوحاً منذ 7 أكتوبر 2023” (الفقرة 93). وعليه، فإن الإشارة في بيان الدائرة اليوم إلى أن “إسرائيل تحتل على الأقل أجزاء من فلسطين” تًعد غير دقيقة بالنظر إلى استنتاجات محكمة العدل الدولية.

اتسمت ردود الفعل من الشخصيات السياسية الإسرائيلية البارزة على إصدار مذكرات الاعتقال بالعدوانية كما كان متوقعاً، وشملت تهديدات بمزيد من عمليات الضم غير القانوني واتهامات للمحكمة الجنائية الدولية بمعاداة السامية. أما بالنسبة لحلفاء إسرائيل، فيُعد هذا التطور إشارة واضحة إلى أن الأوضاع لا يمكن أن تستمر كالمعتاد. كما يظهر الحاجة الملحة لإعادة تقييم العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل لضمان امتثالها لمبادئ القانون الدولي. ولابد من رفض وإنهاء الدعم السياسي لنظام وصفت محكمة العدل الدولية وجوده العسكري في الأرض الفلسطينية المحتلة بغير القانوني، ورئيس وزرائه متهم الآن بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني.

تدعو المؤسسات الدول الأطراف في نظام روما الأساسي والمنظمات الدولية إلى:  

  • الالتزام بالتعاون في تنفيذ أوامر إلقاء القبض على نتنياهو وغالانت، مع التأكيد على أهمية دور الدول الأوروبية نظرًا لموقعها الجغرافي، وعلاقاتها العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل، واحتمالية زيارة المسؤولين الإسرائيليين لأراضيها.
  • إغلاق حدودها كافة أمام تحركات كل من نتنياهو وغالانت الدولية، واعتقال مرتكبي الجرائم والعمل على تسليمهم للمحكمة في لاهاي.
  • مكتب المدعي العام إلى الاستمرار في التحقيق مع المتورطين في ارتكاب الجرائم الواردة في نظام روما الأساسي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك توجيه تهم جديدة إضافية ضد رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع السابق غالانت. 
  • مكتب المدعي العام لتقديم طلبات إضافية لإصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين والقادة العسكريين المسئولين عن الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك، جريمة الحرب المتمثلة في نقل مدنيي دولة الاحتلال إلى الأرض المحتلة، وإنشاء المستوطنات، والفصل العنصري، والإبادة الجماعية.  
  • الدول الأطراف ومؤسسات المجتمع المدني للعمل بشكل جماعي لحماية مكتب المدعي العام والمحكمة الجنائية الدولية والمحامين الذين يمثلون الضحايا الفلسطينيين والمنظمات غير الحكومية العاملة مع المحكمة، من أي هجمات محتملة، ومواجهة جميع أشكال العقوبات المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية.  
  • أهمية توفير الدعم المالي للمحكمة لضمان استمرارية التحقيق في الجرائم الدولية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ودفع القضايا المتعلقة بوضع دولة فلسطين على المدى الطويل. وتوصي المؤسسات الدول الأطراف بزيادة مساهماتها المالية للمحكمة على الفور لضمان استقلال المحكمة ونزاهتها وحمايتها من الهجمات.  
  • الدول الأطراف في نظام روما الأساسي إلى التحقيق وملاحقة مواطنيها أو أولئك الموجودين على أراضيها، ممن ارتكبوا جرائم دولية في الأرض الفلسطينية المحتلة.  
  • جميع الدول، استناداً إلى استنتاجات الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، على إنهاء العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل بسبب استمرار احتلالها غير القانوني للأرض الفلسطينية. كما ندعو الاتحاد الأوروبي إلى التعليق الفوري لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل.  
  • أهمية قيام جميع الدول بفرض حظر شامل على الأسلحة، لمنع أي تواطؤ محتمل في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت.

 

اشترك في القائمة البريدية