رام الله- عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) ورشة عمل لمناقشة مسودة ورقة بحثية أعدها بعنوان: "الرقابة والمساءلة على شركات الصرافة في غزة في ظل حرب الإبادة"، والتي جاءت بغرض تقديم توصيات للحد من التحديات التي يواجهها المواطنون والقطاع المصرفي في قطاع غزة في التعامل مع أزمة السيولة المالية بشكل عام، وعلى أهمية تعزيز فاعلية الرقابة الرسمية وغير الرسمية على عمل القطاع المصرفي بشكل خاص بما يشمل تشخيص مدى فاعلية رقابة ومساءلة سلطة النقد والمؤسسات الأخرى على شركات الصرافة هناك، إضافة إلى كفاءة نظام الشكاوى في القطاع المصرفي، وصولا إلى تقديم توصيات تساهم في التخفيف من حالة الابتزاز التي يتعرض لها المواطنون نتيجة نقص السيولة.
الاحتلال يتحمل بعدوانه وسياسته التدميرية مسؤولية تقويض عمل المؤسسات الفلسطينية المالية
استهلت الجلسة، والتي عقدت عبر منصة زووم، باستعراض الباحث الدكتور سامي أبو شمالة لأبزر استخلاصات وتوصيات الورقة البحثية، مشخصاً الواقع بما عجزت عنه المؤسسات الفلسطينية الرسمية والمؤسسات الدولية عن إدخال السيولة النقدية لقطاع غزة، في ظل رفض اسرائيلي ومعيقات أمنية ولوجستية على الأرض، حيث وجد المواطن الفلسطيني نفسه ضحية بين نيران الحرب وصعوبة توفير قوت يومه من جهة، واستغلال بعض الصرافين والتجار المكيّشين لحالة الفوضى وغياب سيادة القانون وضعف وتراجع دور المؤسسات الرقابية من جهة أخرى. وأكدت الورقة على أن الاحتلال يتحمل بعدوانه على غزة وسياسته التدميرية مسؤولية تقويض عمل المؤسسات الفلسطينية ومنها المؤسسات المالية، من خلال منعه دخول السيولة النقدية ومعدات الصيانة للصرافات الآلية والسيارات الخاصة بنقل الأموال، وتعمّده تقويض سيادة القانون في قطاع غزة، ناهيك عن تدمير مقرات البنوك وصرّافاتها، ما نتج عنه وجود فرع مصرفي وحيد وصراف آلي واحد يعمل في قطاع غزة.
ضعف المساءلة والرقابة أداة لشيوع ظاهرة الصرافة العشوائية في القطاع
ناقش الحضور أثر نقص السيولة وضعف المساءلة والرقابة الرسمية على أداء الصرافين مع انتشار ظاهرة الصرافة العشوائية في القطاع، ما أتاح الفرصة لبعض التجار المكيّشين والصرافين استغلال الظروف الراهنة بهدف الحصول على مكاسب غير عادلة، بما فيها حالات تلاعب من الصرافين في أسعار صرف العملات، مع عدم التزامهم بتسعيرة البورصات العالمية، بالإضافة الى تعرض المواطنون للابتزاز عند محاولة سحب أموالهم من البنوك أو عند حاجتهم لاستقبال حوالات خارجية بعمولات طائلة، إضافة لانتشار العملات الورقية المهترئة حيث يرفض التجار قبولها، والتي نتجت عن تكرار التداول اليومي لعملة الشيكل، ما أثّر على السيولة النقدية الخاصة بالتداول اليومي.
الحاجة إلى جهود توعوية إضافية من قبل سلطة النقد الفلسطينية
أشار الحضور لضعف الدور الإشرافي لسلطة النقد الفلسطينية والجهات الأخرى في الرقابة على شركات الصرافة والصرافين خلال حرب الإبادة الجماعية بفعل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وتقييده لعملها، حيث اكتفت سلطة النقد بعدد من حملات التوعية وبعض المتابعات الميدانية نظرا لصعوبة الحالة الأمنية، كما أن انعدام التنسيق بين سلطة النقد والجهات الحاكمة بغزة منذ الانقسام السياسي في العام 2006م، أضعف سلطة الردع للمخالفين والمحتالين والمبتزّين، كما انتشرت عمليات البلطجة على الصرّافات الآلية، بالإضافة إلى عمليات التدمير والتخريب التي تعرضت لها العديد من الصرافات الآلية، ما أخرجها عن الخدمة.
عملت سلطة النقد على خلق وتطوير بدائل الدفع النقدي، من خلال تشجيع المواطنين على فتح المحافظ الالكترونية لتبادل المدفوعات، وتعزيز نقاط البيع الالكترونية، بالإضافة لإطلاق نظام الدفع الفوري أي-براق iBURAQ بهدف تسريع عملية التحويل والمدفوعات، لكن دورها التوعوي بهذه الأدوات الرقمية لازال بحاجة إلى تطوير وبذل المزيد من الجهود.
الاستجابة للشكاوى أثناء حرب الإبادة لم تكن فعالة
أما على صعيد المساءلة الرسمية والمجتمعية للتعاطي مع الشكاوى، فلا يوجد لدى سلطة النقد احصائيات منشورة متعلقة بعدد الشكاوى وطبيعتها وآلية التعامل معها، حيث ظهرت شكاوى من المواطنين تفيد بأن الاستجابة للشكاوى الخاصة بهم خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة لم تكن فعالة، كما تعرضت الطواقم الشرطية بغزة للاستهداف عند محاولتها حماية مقرات المؤسسات المالية بالقطاع غزة، وحرصت فقط على القيام بإجراءات تنظيمية لطوابير بعض الصرافات الآلية نظرا لشكوى المواطنين بوجود حالات بلطجة على طوابير الصرافات الآلية. وأشار المشاركون إلى أهمية تحفيز سلطة النقد لموظفيها والعودة لأداء مهامهم، وزيادة جهود المتابعة والرقابة الميدانية في ظل الظروف الحالية، وتمكين مراكز سلطة النقد من متابعة الشكاوى وممارسة دورها الرقابي على شركات الصرافة والمخالفين من الصرافين، واتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين منهم بعد الحرب.
الحاجة لإطلاق حملات مناصرة إقليمية ودولية للضغط على الاحتلال وسماحه بدخول السيولة النقدية إلى القطاع
أوصى المشاركون بزيادة التنسيق بين سلطة النقد الفلسطينية والجهات الحاكمة في قطاع غزة، لتوفير بيئة رادعة للمحتالين والمبتزين ولحماية المواطنين، وبذل المزيد من الجهد للضغط على الاحتلال للسماح بدخول السيولة النقدية، واستبدال السيولة المهترئة والإصدارات القديمة من عملة الشيكل، وذلك عبر حملات المناصرة الإقليمية والعالمية، وكذلك عبر الجمعيات التي تنتمي لها سلطة النقد، إضافة للتنسيق مع المؤسسات الدولية لتعزيز طلبهم بإدخال السيولة، وتوعية وطمأنة المواطنين والتجار بأن العملات المهترئة والإصدارات القديمة من عملة الشيكل تحظى بقوة الإبراء القانوني، وأن السلطة ستقوم باستبدالها فور انتهاء القيود على حركة النقود لقطاع غزة.
لابدّ من تعزيز التعاون مع الغرف التجارية لردع المخالفين
كما أكد المشاركون على أهمية تعزيز التعاون بين سلطة النقد والغرف التجارية والقطاع الخاص لاتخاذ اجراءات تمنع تقاضي التجار عمولات طائلة عند بيع السيولة النقدية، والترويج لطرق الدفع الرقمية، وأهمية تعزيز المساءلة المجتمعية عبر إنشاء أجسام تنسيقية تضم ممثلين عن سلطة النقد والعشائر وجهات إنفاذ القانون بغزة، واللجان المحلية بهدف التنسيق المشترك والقيام بحملات مناصرة لرفض تعرض المواطنين للابتزاز عند محاولة الحصول على النقد، إضافة لإنشاء مبادرات وطنية من المجتمع المحلي، لتعزيز قيم النزاهة والإدارة المحلية والمساءلة المجتمعية عبر لجان محلية من ممثلي الغرف التجارية، ولجان الأحياء، وممثلي القطاع الخاص، للضغط من أجل إنهاء ظاهرة التكييش والعمولات الطائلة، ونشر قوائم سوداء لمن يثبت تورطه بهذه العمليات، ورفعها لجهات الاختصاص لأخذ الاجراءات القانونية بعد انتهاء الحرب.
تعقيبات مختلفة
وأكد الدكتور غسان أبو حطب، منسق مركز دراسات التنمية في جامعة بيرزيت- قطاع غزة، في مداخلته أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول جاهدا خلق وقائع مرتبطة بالواقع الاقتصادي في القطاع، وذلك بتأثيره على تشكيل خريطة اجتماعية وسياسية واقتصادية مستقبلية بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة. كما يساهم في تعزيز هذا الواقع التجار المكيّشين (ممن يحوزون على الثروة المالية)، وما نتج عنهم من سلسلة كبيرة من تجار البسطات وتجار الجملة، ومن أفراد الحماية والتأمين، إضافة لتواطؤ بعض الصرافين، ما يجعلهم شركاء بما يحدث من أزمات عمولة للمواطنين.
وفي مداخلة للدكتور سيف الدين عودة، رئيس قسم السياسات في سلطة النقد؛ أعرب بدوره عن قلقه إزاء أزمة السيولة النقدية التي خلقها الاحتلال بشكل متعمّد لسرقة الناس وتدمير الاقتصاد الفلسطيني، مشبّها إياها بأزمة الطحين، حيث لا تقل خطورة عنها. وأكد عودة بدوره أن الجهاز المصرفي يعاني أيضا في ظل الوضع الاستثنائي والنكبة، التي ضربت الاقتصاد – على حد وصفه- بحكم أننا لا نصدر العملة التي نتعامل بها في السوق، ولا نتحكم بالسيولة النقدية الداخلة والخارجة من وإلى القطاع. كما سلّط عودة الضوء على مئات الصرافين غير المرخصين من سلطة النقد، والذين يتلاعبون بأسعار الصرف في السوق حسب أهوائهم، بل يتحكمون في نظام التحويل الصيرفي والتقاص خارج المنظومة الرسمية، ودون أي رقابة تشريعية أو رسمية.
ودعا عودة بدوره إلى حل جذري، بتدخل المنظمات الأممية لإدخال السيولة النقدية إلى غزة، ما يتوجب أيضا إخراج السيولة المهترئة خارج القطاع، وإجبار الاحتلال على الالتزام بما جاء في بروتوكول باريس، كما دعا أيضاً اتحاد الغرف التجارية للتصرف بجرأة وفق أحكام الطوارئ، على نحو ينص على تشكيل لجنة تعمل على تحضير قائمة سوداء، وتجميد فوري لوقف الحسابات البنكية.
في حين أعرب عائد أبو رمضان، رئيس غرفة تجارة غزة، عن استعداد اتحاد الغرف التجارية للمساهمة في معالجة الإشكاليات بالتعاون مع وزارة الاقتصاد الوطني وسلطة النقد، منوّها أنهم يعملون بشكل مباشر مع المنظمات الأممية والإغاثية ومع جوال باي، كما دعا بدوره وزارة الاقتصاد الوطني وسلطة النقد للتدخل في موضوع التحويل الالكتروني.
كما أكد فيصل الشوا، نائب رئيس مركز التجارة الفلسطيني بال تريد، على ضرورة تشكيل لجنة مصغرة تدار من سلطة النقد والقطاع الخاص والمجتمع المدني وغيرها من جهات الاختصاص للاستمرار في تحريك الإشكاليات، وإيجاد حلول في ظل استمرار حرب الإبادة.
وأكد د. رأفت الأعرج، المشرف الإقليمي للرقابة في سلطة النقد الفلسطينية في غزة، أننا في ظرف استثنائي، حيث أن أغلب القطاعات متعطلة، ولا يمكن تنفيذ الخدمة المصرفية دون بنية تحتية الكترونية خاصة بالاتصالات، علماً أن الأمور قد ساءت أكثر من خلال استهداف الاحتلال لفروع البنوك، ولشبكة الاتصالات بصفتها العصب الرئيسي لعمل التحويلات الالكترونية.
واختتم الجلسة وائل بعلوشة، مدير مكتب ائتلاف أمان في غزة، مؤكداً على أهمية التعافي المبكر، وإيجاد حلول سريعة وعاجلة للمواطنين عبر الرقمنة، واقترح تشكيل لجنة ممثلة من جميع القطاعات ذات العلاقة، لتفعيل المطالبات وتحسين الخدمات المصرفية المقدمة حاليا في الحرب، وهو أمر عاجل ومطلوب، علماً أن ائتلاف أمان يتابع القضية عن كثب، وسيستمر في ذلك في إطار تعزيز فاعلية الرقابة الرسمية وغير الرسمية على عمل القطاع المصرفي في القطاع.