المقدمة
يعد القطاع الزراعي في قطاع غزة من الأعمدة الرئيسية للاقتصاد المحلي، حيث يشكل مصدرًا حيويًا للغذاء والتشغيل. وفي عام 2023 شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة واستهدفت الممتلكات العامة والخاصة على نطاق واسع بما فيها البنية التحتية الزراعية، وترافق ذلك مع تشديد الحصار على القطاع وإغلاق شبه تام للمعابر، كما أجبرت العمليات العسكرية الإسرائيلية وأوامر الإخلاء الآلاف من السكان المدنيين إلى النزوح من مناطق سكناهم إلى جنوب قطاع غزة، وتشير المعلومات المتوفرة أن قطاع غزة بات منطقة غير قابلة للعيش مع انهيار البنية التحتية، وتدمير القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية.
انعكست التطورات الأمنية وخاصة إغلاق المعابر على المزارعين والعاملين في القطاع الزراعي نتيجة النقص الكبير في المدخلات الزراعية وارتفاع أسعارها، الأمر الذي ضاعف من المخاوف بشأن استمرارية الإنتاج الزراعي والدورة الزراعية وتأثير ذلك على الأمن الغذائي للسكان، خاصة في مناطق النزوح.
تدمير القطاع الزراعي في إطار سياسة التجويع الإسرائيلية:
تتبع إسرائيل سياسة التجويع كأداة من أدوات الضغط على سكان قطاع غزة، حيث تستهدف من خلالها تدمير البنية التحتية الاقتصادية والزراعية ومنع دخول السلع الأساسية، بما في ذلك المدخلات الزراعية. وتتجلى هذه السياسة في عدة جوانب:
- القيود على الواردات: تفرض إسرائيل قيودًا صارمة على استيراد البذور، الأسمدة، والمبيدات الزراعية، مما يعيق الإنتاج الزراعي ويؤدي إلى نقص حاد في المواد الغذائية.
- تدمير الأراضي الزراعية: العدوان المتكرر على غزة يستهدف الأراضي الزراعية والبنية التحتية المرتبطة بها، مما يقلل من القدرة الإنتاجية للأراضي ويزيد من الاعتماد على المساعدات الخارجية.
- الحد من الصيد: تفرض إسرائيل قيودًا على الصيد البحري، وهو مصدر غذائي هام لسكان غزة، مما يسهم في زيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي.
تداعيات تشديد الحصار على العملية الإنتاجية الزراعية:
شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي من حصارها المفروض منذ 16 عاماً على قطاع غزة، وقامت بإغلاق المعابر وحظرت دخول السلع والبضائع، إلى قطاع غزة، وأوقفت حركة التبادل التجاري من وإلى القطاع، وفي الوقت ذاته دفعت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى نزوح الآلاف من مناطق سكناهم، وقد انعكست هذه السياسية بشكل خطير على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في القطاع، والتي من بينها التأثيرات الخطيرة والخسائر الفادحة في القطاع الزراعي.
أولاً: تأثير إغلاق المعابر والحصار والنزوح على المدخلات الزراعية:
شكل إغلاق المعابر والحصار المفروض على غزة، إلى جانب النزوح الجماعي أكبر التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي. وانعكس ذلك سلباً على توفر المدخلات الزراعية وخاصة البذور، والأسمدة، المبيدات، والمعدات الزراعية الضرورية. خاصة بعد فصل شمال القطاع عن جنوبه وحظر الحركة بينهما، حيث طرأ نقص حاد في هذه المدخلات والتي تسببت بتأثيرات خطيرة نوردها على النحو الآتي:
- نقص البذور والأسمدة: أدى إغلاق المعابر إلى عدم قدرة المزارعين على استيراد البذور والأسمدة الضرورية، وحال ذلك دون قدرتهم على الشروع وبدء زراعة محاصيل جديدة، الأمر الذي يقلل من الإنتاجية وبالتالي إلى نقص في المحاصيل الغذائية الأساسية، مما يهدد الأمن الغذائي للسكان، خاصة في مناطق النزوح.
- شح المبيدات والمعدات الزراعية: عدم القدرة على استيراد المبيدات والمعدات الزراعية بسبب الإغلاق المشدد يؤدي إلى تعرض المحاصيل للتلف والانخفاض في الإنتاجية والجودة، مما يؤثر على العملية الإنتاجية والقدرة التنافسية للمنتجات الزراعية وترتب على ذلك نقص حاد في توفر الغذاء.
ثانياً: ارتفاع التكاليف الزراعية وتأثيرها على المنتجات
أدى نقص المدخلات الزراعية إلى ارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ، حيث تضاعفت الأسعار عدة مرات عن معدلاتها الطبيعية. وأدي ذلك إلى تأثير مباشر على أسعار المنتجات الزراعية النهائية.
ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية الأساسية: ندرة وانخفاض المدخلات الزراعية في السوق المحلي جراء إغلاق المعابر والحصار =تسبب في ارتفاع أسعارها بشكل كبير وملحوظ. على سبيل المثال، ارتفع سعر السماد الكيماوي السائل من 5 شيكل/لتر إلى 22 شيكل/لتر، والسماد الكيماوي N.P.K من 80 شيكل/كيس إلى 300 شيكل/كيس، والمغذيات النباتية من 50 شيكل/كيلو إلى 90 شيكل/كيلو، وشبكة الري من 120 شيكل/لفة إلى 300 شيكل/لفة، ونايلون الدفيئات الزراعية من 18 شيكل/متر إلى 75 شيكل/متر.
التحديات وانعكاسها على مستقبل القطاع الزراعي في قطاع غزة:
على ضوء التطورات والتحديات الحالية فإن استمرارية القطاع الزراعي في قطاع غزة غزة باتت على المحك، حيث يواجه المزارعون، خاصة في مناطق النزوح، صعوبة في الاستمرار في العمل بدون الدعم اللازم والمدخلات الضرورية. خاصة أن هذه الأزمة تتزامن مع بداية موسم زراعي جديد، مما يزيد من حدة الموقف ويتطلب تدخلاً عاجلاً:
- تهديد استدامة الإنتاج: نقص المدخلات وارتفاع التكاليف يهددان استدامة الإنتاج الزراعي، حيث يضطر العديد من المزارعين إلى تقليل المساحات المزروعة أو حتى التوقف عن الزراعة بشكل كامل.
- تعطيل الدورة الزراعية: تعتمد استمرارية الدورة الزراعية بشكل كبير على توافر المدخلات في الوقت المناسب. وفي حال تأخرت عملية توفير هذه المدخلات فهذا يؤثر سلباً على توقيت الزراعة وحصاد المحاصيل، مما يقلل من العائد الاقتصادي ويزيد من الضغوط على المزارعين.
- تفاقم انعدام الأمن الغذائي: يؤدي توقف أو تقليل الإنتاج الزراعي إلى تفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي في غزة، خاصة في مناطق النزوح، حيث يصبح الحصول على الغذاء أكثر صعوبة للسكان المحليين والنازحين.
انعكاس تدمير القطاع الزراعي على الأحوال المعيشية:
- تهديد الأمن الغذائي: - نقص المدخلات الزراعية نتيجة إغلاق المعابر والنزوح يهدد الأمن الغذائي للسكان في قطاع غزة، حيث يعتمد الكثيرون على الزراعة كمصدر رئيسي للغذاء والدخل، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة نقص الغذاء ويزيد من معدلات الجوع وسوء التغذية، خاصة بين السكان النازحين.
- زيادة تكاليف المعيشة: يؤدي ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية إلى زيادة تكاليف المعيشة للسكان المحليين والنازحين، حيث تعتبر هذه المنتجات من السلع الأساسية، ويتسبب ذلك في حرمان الأسر من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
- انخفاض القوة الشرائية: الارتفاع في أسعار المنتجات الزراعية يقلل من القوة الشرائية للمستهلكين، ويؤثر على الاقتصاد المحلي بشكل عام ويضاعف من معدلات الفقر والجوع، خاصة في مناطق النزوح.
- تفاقم القضايا الاجتماعية: يؤدي هذا الوضع إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية في غزة، ويزيد من حالة الضغط النفسي على الأسر ويضع تحديات كبيرة أمام الأسر حيث حيث يضطر المواطنين، خاصة شريحة النازحين، إلى تقليل استهلاكهم من المنتجات الزراعية الأساسية، مما يزيد من خطر انعدام الأمن الغذائي.
الخلاصة والتوصيات:
يمر القطاع الزراعي في غزة بمرحلة حرجة تتطلب تدخلاً سريعاً ومؤثراً من قبل المجتمع الدولي. حيث إن استمرارية هذا القطاع الحيوي تعتمد بشكل كبير على توفر المدخلات الزراعية والدعم اللازم للمزارعين، خاصة في مناطق النزوح. من الضروري العمل على فتح المعابر وتقديم الدعم المالي والتقني للمزارعين لضمان استمرار الإنتاج الزراعي وتخفيف المعاناة الاقتصادية والاجتماعية لسكان غزة، خاصة النازحين. لن يتحقق هذا إلا من خلال تعاون دولي جاد ومؤثر، لضمان مستقبل أفضل وأكثر استقراراً لهذا القطاع الحيوي وضمان الأمن الغذائي للسكان في غزة، وبناء عليه تطالب جمعية الإغاثة الزراعية بما يلي:
- نناشد المؤسسات الدولية ومنظمات الإغاثة الشروع فوراً بتقديم الدعم للقطاع الزراعي في غزة، خاصة في ضوء هذه التحديات الكبيرة الناتجة عن إغلاق المعابر والحصار والنزوح والتي ضاعفت من التحديات أمام القطاع الزراعي.
- تطالب المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية ويمارس الضغط الحقيقي والفاعل على دولة الاحتلال لوقف عدوانها على قطاع غزة والوصول إلى تفاهمات لوقف النار والشروع في وضع الحلول الكفيلة بتخفيف الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها سكان قطاع غزة ومن بينهم المزارعون النازحون في غزة.
- نطالب المجتمع الدولي بإلزام دولة الاحتلال الإسرائيلي بإنهاء الحصار وفتح المعابر الحدودية والسماح بدخول المدخلات الزراعية بشكل فوري ودون تأخير. تخفيف القيود المفروضة على التجارة الخارجية وخاصة المتعلقة بالسلع والمنتجات الزراعية وضمان استدامة القطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي للسكان المحليين والنازحين.
- نطالب المؤسسات الدولية وخاصة المعنية بالقطاعات الاقتصادية والزراعية تقديم الدعم المالي واللوجستي للمزارعين لمساعدتهم في تجاوز هذه الأزمة وتمكينهم من الاستمرار في زراعة أراضيهم، خاصة في مناطق النزوح.
- نناشد الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة بضرورة إطلاق برامج تنموية لدعم القطاع الزراعي على المدى الطويل، تشمل توفير التقنيات الحديثة، التدريب، والمساعدات الفنية للمزارعين.