مقال بعنوان "مخططات الطرق الهيكلية والتنظيمية في غزة بين حاجة المجتمع والمس بحقوق الناس"

 

بقلم / سمير زقوت

نشطت وزارة الحكم المحلي في الآونة الأخيرة في إيداع مخططات شبكة الطرق، أهم ما لفتني فيها هو عدد الشكاوى والاحتجاجات الكبيرة من السكان في معظم مناطق قطاع غزة، سيما وأن المخططات تنطوي على تغييرات مهمة، على حجم الشوارع والطرق الداخلية. ولا شك في أن هدف التخطيط، في هذا المضمار، هو التسهيل على السكان وجعل الحركة والتنقل والوصول إلى الخدمات أسهل بكثير اليوم وفي المستقبل، لأن المخططات تنظر في مستقبل النمو السكاني والتوسع العمراني.

ومن نافلة القول إن التخطيط العمراني عموماً يستشرف الحاجات المستقبلية للتجمعات السكانية، ويسعى لتلبية أو الاستعداد لتلبية حاجات التجمعات السكانية المستقبلية من الخدمات الأساسية، والتي تقتضي فيما تقتضي توسعة طرق واستحداث طرق وشوارع جديدة، وإنشاء مدارس، ومستشفيات ومراكز صحية، ومتنزهات وأندية وتخصيص أراض للمقابر وما إلى ذلك.

وعليه فإن التخطيط العمراني هو حاجة ماسة ويقع في صلب إعمال حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكن التحديات أمام التخطيط العمراني كبيرة وتنطوي في جزء منها على مساس بحقوق الإنسان، بالنظر لأن المدن أنشأت في فلسطين، شأنها شأن مدن العالم كافة، دون تخطيط مسبق، ما يجعل المهمة شاقة وتتطلب إمكانات مادية ضخمة لتعويض السكان ممن ستضطر الحكومة إلى هدم منازلهم، أو انتزاع أراضيهم للمنفعة العامة أو اقتطاع جزء منها.

المشكلة التي استرعت اهتمامي في المخططات الجديدة للشوارع الهيكلية والتنظيمية، وبعد اتصال كثير من المتضررين، هي توسعة الشوارع التنظيمية من ثمانية أمتار لعرض الشارع ليصبح عشرة أمتار. وعلى سبيل المثال لا الحصر شارع إلى الشمال من شارع النزاز الموازي لمدخل دير البلح على طريق البحر، يصل طريق البحر بشارع هيكلي موازي لا يقل عرضه عن 20م، وطول الشارع الفرعي لا يتجاوز 200م وعلى جانبيه منازل، ولا توجد أي مؤسسة عامة، أو خاصة، حكومية أو شبه حكومية، أو أهلية. وتجدر الإشارة إلى أن السكان عندما شيدوا منازلهم التزموا بمخططات البلدية في حينه، التي تحدد عرض الشارع بثمانية أمتار، ما الداعي إلى التغيير؟ لو أن هناك منشآت تقدم خدمات لكان الأمر مفهوماً.

أحدهم في شمال غزة اشتكى أنه سيفقد 23٪ من أرضه البالغة مساحتها 300 م2، لأن الشارع الهيكلي تحول عرضه من 16م إلى 20م، وآخرين في النصيرات والمغراقة سيفقدون أكثر من هذه النسبة، وطبعاً كلنا يدرك أن الدوائر الحكومية ليس بمقدورها تعويض أحد أو توفير بدائل متناسبة.

إن التخطيط في مثل حالتنا، التي تعاني فيها الحكومة من عجز مالي مستعصٍ ومستدام، والفقر يضرب أطنابه، والأرض شحيحة، يجب أن يبحث في أفضل الطرق لتجنب تكبيد الناس خسارة كبيرة، فيما الحكومة ليس بمقدورها تعويضهم، لذلك فالشوارع التنظيمية التي لا تؤدي إلى مدرسة أو أي منشأة ثمانية أمتار تكفيها وزيادة، فهي تسمح بمرور سيارتين متقابلتين وتبقي هامشاً للمشاة على الجانبي بافتراض أن السيارات تتقابل في مثل هذه الشوارع وأن هناك مشاة.

وتجدر الإشارة إلى أن البلديات -حسب الادعاء- لم تُشرَك في عملية التخطيط، وهي تتفهم شكاوى السكان واعتراضاتهم على المخططات الجديدة، بل وتشير للناس أنها أيضاً تحتج على هذه المخططات.

وعليه أدعو القائمين على عملية التخطيط وفي مقدمتهم وزارة الحكم المحلي، ولجنة العمل الحكومي وأي أطراف شاركت في إعداد المخططات الجديدة، لإعادة النظر في مخططاتها، وأن تأخذ في الاعتبار شكاوى السكان، وأن تسعى دائماً للموازنة بين الحاجة التنظيمية وحقوق الناس.

 

 

اشترك في القائمة البريدية