منع الاجتماعات في القاعات المغلقة..

كتب سمير زقوت

التاريخ الإنساني مليء بالتجارب، وهناك نماذج مختلفة لنجاحات تحققت، فالغرب أسس نهضةً، ونجح برؤية غربية، وقدمت الصين نموذجاً مختلفاً ونجحت.

هناك آلاف النماذج.
كيف نجحت ماليزيا وكيف نجحت البرازيل وتحولت من دولة فاشلة إلى واحدة من العشرة الكبار؟

وهناك نماذج للدول الفاشلة.
في هذا السياق، يُمكن أن نصنف كل دول المنطقة العربية، باستثناء النفطية الريعية منها على الأقل حتى الآن، ففي أفريقيا نهضت راوندا من حرب أهلية مدمرة، وأصبحت أكثر اقتصادات أفريقيا نمواً، كيف يحدث هذا؟ كيف يحدث النجاح والفشل؟

أعتقد أن للنجاح أسس وقواعد تتعلق بحسن إدارة الشأن العام، وبالنهج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وقبل هذا كله الأسس التي تنظم العلاقة بين السلطة والشعب.

لا تشكل الموارد الاقتصادية الطبيعية عاملاً حاسماً، بل على العكس تجد دولاً تتمتع بثروات طبيعية كبيرة، ويعاني شعبها من الجوع، وبالعكس تجد دولاً فقيرة الموارد الطبيعية تحقق نجاحاً اقتصادياً باهراً.

اليابان والصين نموذجان رائعان في هذا السياق.

هناك كثير مما يمكن مناقشته، مثل الاهتمام بالتعليم والصحة والتنمية الصناعية والزراعية، وغيرها من الجوانب الكفيلة بإحداث نهضة.
لكني لن أناقش هنا سوى جانب واحد أعتبره أساساً ومؤسساً، ألا وهو سيادة القانون.
غياب سيادة القانون واحد من القواسم المشتركة بين الدول المتخلفة والفقيرة والتابعة، حيث سلطة استبداد تُفرغ القانون من أي محتوى تحت شعار الأمن.

بربكم هل رأيتم نظاماً بوليسياً مستبداً يقمع شعبه ولا يبرر ذلك بالأمن والمؤامرة الخارجية، وأن الأعداء يتربصون بالبلد، وأن قمع بعض الناس أو حرمانهم من أبسط حرياتهم، بل وتعذيبهم، هو لصالح الشعب بغالبيته ولتحقيق المصلحة الوطنية؟
أيعقل هذا ونحن في القرن الواحد والعشرين أن يلتمس من يدعي الثورة والتحرر والانعتاق أساليب بوليسية تخنق الفضاء العام، وتجعل إرادة الحاكم ورغبات المتنفذين فوق كل قانون؟

كيف لمن يدعي العمل لتحرير الشعب أن يكرس ثقافة القطيع، ويُقلص الفضاء العام، ويضرب الحريات والحقوق عرض الحائط؟ أي تناقض هذا؟ تقمع الناس وتحرمهم من أبسط الحقوق والحريات، التي ينص عليها القانون صراحة، باسم حريتهم؟!
أي سفور هذا بعد نحو 15 عاماً من الحكم ترى السلطة الحاكمة في نكوص يعود بها إلى اللحظات الأولى؟!

اعتادت حركة “حماس” على تدوير المسؤولين في الإدارات العامة في قطاع غزة، وهذا فعل محمود في ظل غياب المأسسة، واستمرار تفكك النظام السياسي الفلسطيني، وتعطيل مؤسساته الدستورية وإلغاء الانتخابات.
لكن من الواضح أن التدوير لا يستند إلى أسس موضوعية ومؤسسية، ويترك الأفراد إلى مبادراتهم التي تستند إلى قناعاتهم من دون اعتبار للقانون أو النظام الساري.

الدليل على ذلك أن المباحث العامة في غزة أصبحت تفرض شرطاً لعقد اجتماع في مكان مغلق هو الحصول على ترخيص مسبق، بل وضرورة عرض برنامج الاجتماع، والحصول على موافقة إذا كان هناك فقرة فنية وغيرها!
هذا كله ينتهك القانون الذي يمنع أفراد الأمن أو الشرطة حتى من التواجد في القاعات المغلقة.
وكانت الشرطة في السابق فرضت على المطاعم والفنادق التبليغ المسبق عن أي نشاط، ومن خلال هذه الآلية تأخذ علماً بكل نشاط مجتمعي ثقافي، أو سياسي بهدوء لتستخدم أدواتها في المراقبة والمتابعة، وهذا شكل يخالف القانون، لكنه أقل فجاجة وفظاظة في انتهاك القانون.

أعتقد أن سلطتي رام الله وغزة تشتركان في تغييب مبدأ سيادة القانون وانتهاكه وإعلاء مكانة الأمن، بل وتوظيف معظم الموارد لخدمة الأمن من دون أن يشعر المواطن بالأمن.

المشكلة الحقيقة عندما تتحدث صباح مساء حول تحرير الأرض والإنسان، وأنت تحول الإنسان إلى عبد خانع خائف من أن يدلي برأيه، ولا يتجرأ على الدفاع عن أبسط حقوقه، والطبيعي والمطلوب أن تُعزز من الحرية والكرامة كقيمة في حياة شعب يرزح تحت احتلال ظالم.

الغريب في الأمر، التمسك بالنموذج البوليسي بشكليه، شكل في رام الله لا يُعن بسلوك الأفراد ما لم يقترب من مربع السلطة، ونموذج في غزة يُعنى بأمن الحكم، كما يُعنى بأخلاقيات يعتقد أنها أساساً لحكمة.

وما استفزني للكتابة أن السعودية ألغت المطاوعة (على رغم أن ثقافتها الوافدة إلى فلسطين هي من أسس لشرطة الأخلاق)، وإيران ألغت شرطة الأخلاق، أجدنا في فلسطين كمن يُعيد اكتشاف العجلة أو من يذهب للحج والناس مروحه.

 

اشترك في القائمة البريدية