أثر جائحة كورونا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة

بقلم/ أ.محسن أبو رمضان

يعيش قطاع غزة ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تنعكس بصورة واضحة من خلال الارتفاع غير المسبوق لمعدلات الفقر والبطالة والأمن الغذائي، حيث تبلغ نسبة البطالة حوالي 54% من حجم القوى العاملة، والفقر العام حوالي 65% والفقر الشديد 34% وانعدام الأمن الغذائي بنسبة لا تقل عن 60%.

هناك أربعة عوامل تلعب دور كبير في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة:

  1. الاحتلال والحصار المفروض على قطاع غزة منذ 14 عام مصحوباً بثلاث عمليات عسكرية عدوانية واسعة (2008/2012/2014) تم من خلالها تدمير البنية التحتية والمرافق الإنتاجية الى جانب القيود في حرية الحركة للبضائع والأفراد عبر آلية الرقابة GRM.
  2. الانقسام وتداعياته على الحالة الاقتصادية وخاصة على الموظفين العموميين الذين أصبحوا يحصلون عل 50 او 30% من قيمة الراتب، الأمر الذي أضر بقطاع واسع من الطبقة المتوسطة الى جانب عدم اعتماد آليات توظيفية بإدماج الخريجين الجدد في قطاع الوظيفة العمومية.
  3. نقص التمويل الدولي والذي يبرز بوضوح في العجز المالي التي تعيشه الاونروا وتراجع العديد من المساعدات الدولية وشروط التمويل الجديدة والتركيز على برامج الإغاثة بدلاً من التنمية.
  4. جائحة كورونا جاءت في ظل أزمة معقدة ومركبة يعيشها الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة، فقد عمقت من حالة التهميش وفاقمت من مظاهر الفقر والبطالة وافرزت مظاهر اجتماعية مقلقة مثل التسول، وعمالة الأطفال وانكفاء الشباب وحالة الإحباط وتعزيز الرغبة بالهجرة والعزوف عن المشاركة في النشاطات الاجتماعية والسياسية.

اثرت جائحة كورونا على العديد من القطاعات أبرزها قطاع العمال المياومين والمشاريع المندرجة في الاقتصاد غير الرسمي الذي يشكل حوالي 85% من بنية الاقتصاد في القطاع.

قامت سلطة النقد باتخاذ بعض السبل والإجراءات لمعالجة تداعيات أزمة كورونا على أوضاع بعض القطاعات الاجتماعية ومنهم رجال الأعمال والمستفيدين من القروض تتضمن هذه الإجراءات تأجيل دفع الأقساط وإجراءات لإعادة الجدولة الا أنه بسبب الشلل الحاصل بالعمليات الاقتصادية بالقطاع نتيجة إجراءات منع التجول الناتج عن جائحة كورونا لم يسعف هذه القطاعات ولم يساعد بالدرجة المطلوبة على إعادة تأهيلها علماً بأن بعض الحكومات في بلدان العالم توفر حزم مالية لأصحاب المشاريع من أجل الإبقاء على حيوية السوق وعدم الاندراج الى حالة الانكماش الاقتصادي.

علماً بأن حالة الانكماش الاقتصادي قدرت ب 8% حتى نهاية هذا العام بما يتعلق بالاقتصاد الفلسطيني بصورة عامة حسب جهاز الإحصاء الفلسطيني وحسب البنك الدولي.

كما أن المديونية والعجز المالي التي تعيشها السلطة الفلسطينية أثر بصورة كبيرة على حركة الاقتصاد إضافة الى ضعف تحصيلات الضريبة المحلية والى جانب أزمة المقاصة.

أثرت الجائحة على نمط العلاقات الاجتماعية من خلال الحجر المنزلي والانعزال، الأمر الذي أدى الى تعزيز الفردانية والابتعاد عن الاندماج بالأنشطة الاجتماعية وقد شمل ذلك العديد من القطاعات الاجتماعية والاقتصادية حيث أن تقنية الاونلاين لا تستجيب بصورة حيوية للتفاعلات الاجتماعية وقد أثر ذلك بصورة بارزة على قطاع التعليم.

إن التفاعل مع جائحة كورونا يتطلب تظافر أدوار كل من الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات العمل الأهلي بهدف العمل على إعادة تأهيل القطاعات المتضررة وخاصة أصحاب المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر وتحديداً النساء والشباب كما يتطلب دوراً أكبر للقطاع الخاص وتحديداً بالخارج لتوفير صندوق قادر على اسناد أصحاب المشاريع الصغيرة والمبادرات الصغيرة والمشاريع متناهية الصغر ودمج بعض الخريجين في سوق العمل بوسائل متعددة.

من الأهمية الالتفات الى التداعيات الاجتماعية جراء جائحة كورونا ومنها مشاكل الشباب والنساء والأطفال عبر تعزيز التمكين النفسي والاجتماعي وغيرها من البرامج الاسنادية بهدف الابتعاد عن المظاهر السلبية الناتجة عن جائحة كورونا واستبدالها ببرامج تساعد على ملئ الوقت والفراغ بصورة إيجابية بهدف تعزيز ثقافة الصمود والتماسك الاجتماعي.

يشار هنا بأن حجم الخسائر سيصل الى 2.5 مليار مع نهاية العام، وسيتراجع الناتج المحلي الإجمالي الى 13.5% بالمقارنة مع عام 2019.

هناك زيادة في حجم المديونية العامة للسلطة وصلت الى 8 مليار دولار وهي ديون متراكمة من مصادر مختلفة منها البنوك المحلية، صندوق الاستثمار، صندوق التأمين والمعاشات وديون خارجية مثل القرض القطري.

حاولت السلطة الفلسطينية عبر صندوق الاستثمار تقديم حزم مالية للمنشئات عبر القطاع المصرفي بنسب فوائد محدودة الا انه من غير المؤكد أن تساهم هذه المحاولة بتعافي الاقتصاد المحلي خاصة في ظل استمرارية أزمة المقاصة التي تشكل حوالي 70% من الموازنة العامة الى جانب تراجع العائدات المحلية نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي والتجاري.

وبما يتعلق بالقطاعات التي تضررت من جائحة كورونا حسب جهاز الإحصاء المركزي فهي على النحو التالي: الانشاءات 21%، الزراعة 9%، الخدمات 3% والاتصالات 5%.

وبما يتعلق بقطاع غزة فما زالت أزمة الموظفين العموميين تشكل مصدر استنزاف لقطاع واسع من الطبقة الوسطى بما يساهم في زيادة نقص السيولة النقدية وزيادة الاحتياج لدى شرائح اجتماعية جديدة، إضافة الى المساهمات التي تقدمها الاونروا ووزارة التنمية الاجتماعية حيث يتطلب زيادة مساحة ورقعة تقديم الخدمات لفئات عديدة خاصة عمال المياومة وضرورة انتظام هذه المساعدات إضافة الى بلورة اليات تساهم في فتح فرص عمل وخاصة للشباب والخريجين الجدد.

ومن الهام الاستفادة من القطاع المصرفي الذي مازال يملك ودائع بحوالي 13 مليار دولار، 91% منها من أموال المودعين. ومن المؤشرات على تأثيرات الجائحة على الاقتصاد تراجع نصيب الفرد السنوي بالربع الأول من عام 2020 الى 802 دولار ولكن في قطاع غزة فهو أقل من 500%.

ومن الأدوات اللازمة للمساهمة في تجاوز الازمة الاقتصادية الناتجة من جائحة كورونا تعزيز عملية الانفكاك الاقتصادي ودعم المنتج الوطني وتعزيز اليات المشاركة في صناعة القرار التنموي والاغاثي عبر تشكيل هيئة تتكون من ممثلي الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات العمل الأهلي.

 

اشترك في القائمة البريدية