ورقة التوت التي تغطي عورة الاحتلال- جهاز تطبيق القانون العسكري كمنظومة لطمس الحقائق 

"من غير المجدي تعزيز العدالة وحماية حقوق الإنسان من خلال منظومة يقاس أداؤها في قدرته على مواصلة طمس الحقائق"أعلنت منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية صباح اليوم (الأربعاء 25 أيار، 2016) أنها سوف تتوقف عن إحالة الشكاوى إلى جهاز تطبيق القانون العسكريّ، حتى لا تساهم في المزيد من إساءة تمثيل عملها. في التقرير الذي صدر اليوم ورقة التوت التي تغطي عورة الاحتلال، أوضحت بتسيلم أن هذا القرار تمّ اتّخاذه في نهاية عملية تفكير طويلة أدارتها المنظمة واستنادا إلى المعرفة المكتسبة من مئات الشكاوى المقدمة من قبل بتسيلم إلى جهاز تطبيق القانون العسكريّ والعشرات من ملفات شرطة التحقيقات العسكريّة.

وأدت هذه التجربة بالمنظمة إلى الاعتراف بأنه لم يعد من المجدي تعزيز العدالة وحماية حقوق الإنسان من خلال جهاز يُقاس أداؤه في قدرته على مواصلة التستّر بنجاح على انتهاك القانون وعلى حماية المتسببين بالأذى. سوف تواصل منظمة بتسيلم توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة والإبلاغ عنها ولكنها ستتوقف عن تقديم الشكاوى وتنسيق اللقاءات بين محققي شرطة التحقيقات العسكرية والضحايا وشهود العيان الفلسطينيين والحصول على وثائق مختلفة لصالح سلطات التحقيق.
تمّ تعريف دور جهاز تطبيق القانون العسكري بشكل محدّد منذ البداية: من المفروض أنّه يحقّق فقط في حوادث عينية يشتبه فيها بالجنود بالتصرّف بشكل مخالف للأوامر أو التعليمات المعطاة لهم. لا يحقق الجهاز على الاطلاق في الأوامر نفسها وفي مسؤولية واضعي السياسات والتعليمات. هكذا فإنّه يكون موجهًا  فقط ضد الجنود ذوي الرتب الصغيرة، في حين أن القيادة السياسية أو العسكريّة العليا معفية من المسؤولية الجنائية مسبقا. لذلك حتى لو كان هذا الجهاز يفي بالمهمة الملقاة عليه إلا أن جدواه في تطبيق القانون محدودة. ويشير فحص أداء عمل جهاز تطبيق القانون العسكريّ إلى أنّه كذلك لا يسعى حتى إلى تنفيذ هذه المهمّة المحدودة.

يتضمن التقرير معطيات حول الشكاوى التي نقلتها منظمة بتسيلم إلى النيابة العسكرية منذ بداية العقد الماضي. فمنذ اندلاع الانتفاضة الثانية في أواخر العام 2000، توجهت منظمة بتسيلم إلى النيابة العسكرية للمطالبة بالتحقيق في 739 حالة قُتل فيها فلسطينيّون أو أصيبوا أو تعرضوا للضرب من قبل الجنود أو تضررت ممتلكاتهم أو استخدمهم الجنود كدروع بشرية. تحليل الإجابات التي حصلت عليها بتسيلم بشأن معالجة جهاز تطبيق القانون العسكري في 739 حالة يبيّن أنّه في ربع الحالات (182 حالة) لم يجر تحقيق على الإطلاق، وفيما يقارب نصف الحالات (343 حالة) تم إغلاق ملف التحقيق دون نتيجة، وفقط في حالات نادرة (25 حالة) تم تقديم لوائح اتهام ضدّ الجنود المتورطين. تم نقل 13 ملفًا إضافيًا للمحاكم التأديبية كما تتواجد 132 حالة في مراحل مختلفة من المعالجة، 44 حالة اخرى لم تتمكن النيابة العسكرية من تتبع وضعها.
لقد منحت 25 عاما من العمل مع جهاز تطبيق القانون العسكري بتسيلم خبرة جمّة ومعرفة تنظيمية واسعة ومفصلة حول طرق عمل واعتبارات الجهاز وعلى أساسها يمكن الإشارة إلى الإخفاقات الهيكلية التي تكمن في جوهر قدرتها على التعامل مع قدر كبير من الملفات، وإغلاق الغالبية العظمى منهما دون نتيجة.

تُجرى تحقيقات شرطة التحقيقات العسكريّة بطريقة تنطوي على إهمال لا يسمح للمحققين الوصول إلى الحقيقة. وبدلا من الأدلة تستند التحقيقات بشكل حصري تقريبا على إفادات الجنود والفلسطينيين. ومع ذلك فإنّه من الواضح أنّ محقّقي شرطة التحقيقات العسكريّة يجدون صعوبة في تسجيلها وفي حالات كثيرة يتم تسجيلها  بعد أشهر طويلة على وقوع الحدث. خلال تسجيل الإفادات يعمل المحققون مبدئيا ككتبة لا يبحثون عن الحقيقة حتى عندما تتكشف تناقضات في إفادات الجنود.

يصل ملف التحقيق إلى نيابة الشؤون الميدانيّة والتي يحدد نظامُ اعتباراتها بشكل مسبق تقريبًا إغلاقَ الملف بلا نتيجة. تُغلق ملفات كثيرة على أساس "انعدام التهمة"ـ لأنّ النيابة تقبل روايات الجنود المشتبه فيهم بارتكاب المخالفة على أساس المصداقيّة غالبا في ضوء غياب الأدلّة.
في حالات كثيرة تقرّر نيابة الشؤون الميدانيّة عدم فتح تحقيق جنائيّ على الإطلاق. تفسّر النيابة أحيانًا ذلك بادّعاء "انعدام التهمة" بشكل استثنائيّ ـ حتّى هنا يكون الأمر مبنيا على روايات الجنود. وأحيانًا في الحالات التي يُقتل فيها فلسطينيّون بذريعة وقوع "أحداث قتالية" استثنائية فإنّ هذه الأحداث تضمن للجنود إعفاء تامًا من التحقيقات الجنائية وذلك يفوق كثيرًا ما يوفره لهم القانون الإنساني الدولي.

يستمدّ جهاز تطبيق القانون العسكري شرعيّته أيضًا من التواجد الظاهري لمنظومات الرقابة  داخل الجهاز المدني والمتجسدة في هيئة المستشار القانوني للحكومة والمحكمة العليا، والتي يُفترض أن تراقب عمل النائب العسكري الرئيسيّ ـصاحب الصلاحيّات الواسعة بوجه خاصّ وعمل النيابة العسكريّة بوجه عام. إلّا أن المستشار القانوني يختار منح معظم صلاحياته للنائب العسكري الرئيسيّ ويمتنع عن التدخّل في قراراته. أما بالنسبة للمحكمة العليا فلا يُفترض بها أن تعمل منذ البداية كمنظومة للرقابة وفي الحالات القليلة التي طُلب منها ذلك غالبًا ما فضّلت عدم التدخل.

يتميز جهاز تطبيق القانون العسكري أيضا بجملة من المشاكل في نهجه اليوميّ: الجهاز ليس متاحًا على الإطلاق للمشتكين الفلسطينيين والذين لا يمكنهم أن يقدموا بأنفسهم  شكاوى في شرطة التحقيقات العسكريّة كما أنهم متعلّقون بمنظمات حقوق الإنسان أو محامين يقومون بتقديم الشكاوى بالوكالة عنهم. تستمر معالجة كلّ شكوى شهورا طويلة وحتى سنوات وكثيرًا  ما لا يسري  القانون العسكري على الجنود الذين قُدمت الشكاوى ضدّهم. لا تتمتع شرطة التحقيقات العسكريّة والنيابة على حد سواء بالشفافيّة كما أنّ الحصول على معلومات منهما- بشأن الشكوى المقدّمة والمعلومات العامة حول عملهم- منوط بتكرار التوجهات إليهم.

على مر السنين وعلى الرغم من إجراء بعض التغييرات في جهاز تطبيق القانون العسكري إلا أن هدف هذه التغييرات أساسا تعزيز الجهد الظاهري للوصول إلى الحقيقة وليس حل المشاكل الأساسية.

هناك أهميّة عالية للتحقيق الفعلي والناجع للبحث عن الحقيقة.  إن الدافع من وراء تحديد المسؤولية القانونية عن انتهاكات حقوق الإنسان والمساءلة والمحاسبة للمنتهكين موجود في جوهر الأنشطة الأساسية لمنظمات حقوق الإنسان في إسرائيل والعالم. فعلا ولمدة 25 عاما توجهنا إلى جهاز تطبيق القانون العسكري مطالبين بإجراء التحقيقات ضد جنود يشتبه فيهم بإلحاق الأذى بالفلسطينيين في محاولة لتحديد المسؤولية ومنع تكرار حوادث مماثلة.
اخترنا العمل بهذه الطريقة  أملا من جملة أمور أخرى بأن نساعد في تحقيق العدالة للضحايا الفلسطينيين وإنشاء رادع يمنع تكرار حالات شبيهة. لكن عمليًا فإن التعاون مع أجهزة تطبيق القانون والتحقيقات العسكريّة لا يحقق العدالة وإنما يمنح الشرعيّة لحُكم الاحتلال ويساعد على إثرائه

اشترك في القائمة البريدية