غزة - مجتمعات فقيرة وهشة ، لا تملك الا القليل القليل من الموارد والقدرات، تصارع الحياة والحياة تصارعها، نالت منها الحروب والاجتياحات والحصار ما لم ينله أي مجتمع اخر، تحاول هذه المجتمعات ان تقوى على الحياة وتتصارع معها من اجل البقاء، لكن العوامل الخارجية (المخاطر) نالت منها وقوضت كل مقوماتها للصمود، ولم تعد هذه المجتمعات قادرة على السيطرة على مواردها ولا 8الاستفادة من قدراتها، الفقر يتغلغل في كل منزل وفي كل حارة من حاراتها، شباب عاطلين عن العمل بالألاف منهم الخريج ومنهم العامل ومنهم من يسعى للعمل، مزارعين، تجار، سائقين، حرفيين، عمال، الا ان أعمالهم ومحاولاتهم لا تغني من جوع.
اوضاع اقتصادية، صحية، تعليمية واجتماعية وبنية تحتية دون الحد الأدنى من مقومات المجتمعات السليمة، لم تدع هذه الأوضاع الفرصة لكل محاولات التنمية ان تظهر في هذه المجتمعات لحجم الاحتياج الهائل فيها.
مشروع " تعزيز صمود المجتمعات والتأثير على السياسات" الذي تنفذه الإغاثة الزراعية بالشراكة مع صندوق (روى) للمبادرات الفلسطينية المبدعة حمل في ثناياه تحديات في معظمها تهدف لتعزيز صمود المجتمعات الفقيرة والهشة وتمكينها من مواجهة المخاطر والتخفيف من اثارها والحد منها.
اخذت لجان الحماية المجتمعية المشكلة من قبل الإغاثة الزراعية في محافظة غزة هذه التحديات على محمل الجد، واستطاعت ومن خلال خططها المجتمعية المعدة مسبقاً ان تطلق أربع مبادرات مجتمعية في أربع تجمعات من أكثر التجمعات التي واجهت ولا تزال تواجهه اخطار بشرية معظمها ناتجة عن الممارسات الإسرائيلية من اجتياحات وحروب طالت كل مناحي الحياة فيها، ودمرت كل شيء ينبض بالحياة فيها. حيث تقع هذه التجمعات في المناطق الحدودية مع دولة الاحتلال وفي خط المواجهة الأول.
فمنذ عامين تقريباً تشكلت لجان الحماية المجتمعية في تلك المناطق، وحصلت على تدريب كافي من قبل الإغاثة الزراعية منه ما هو نظري ومنه ما هو عملي، واشتمل التدريب لأعضاء تلك اللجان على منهجيات الحد من مخاطر الكوارث، ومنهجية سبل العيش المستدام الى جانب أداة تقييم أوجه الضعف والقدرات بالمشاركةPVCA ، ومن خلال تمكين تلك اللجان والعمل معهم بشكل تشاركي في كافة الأنشطة والتدريبات، تم تحديد كافة القضايا والمشاكل التي تعاني منها المجتمعات المستهدفة، الى جانب تصنيف القدرات والموارد التي تملكها، ووضعت اللجان خطط مجتمعية لها تستند على خمسة محاور رئيسية (الاقتصاد، التعليم، الصحة، البنية التحتية والعلاقات الاجتماعية).
واعتمدت الخطط المجتمعية على سقف زمني لحل تلك القضايا والمشاكل التي تواجهها على المستوى القريب والبعيد، لقد بدأت لجان الحماية على تنفيذ مبادرات مجتمعية تهدف الى المساهمة في حل مشاكل تعاني منها مجتمعاتها،
في منطقة المغراقة أطلقت مبادرتها معالجة وحل ضعف الخدمات الصحية، ومن خلال هذه المبادرة استطاعت لجان الحماية المجتمعية وبجهودها التنسيقية مع العديد من المؤسسات الاهلية العاملة في القطاع الصحي ان تنظم لقاءات وورش عمل توعوية في المجال الصحي، استهدفت عدد كبير من أهالي المنطقة من الرجال والنساء والأطفال، وتنوعت هذه اللقاءات والورش لتشمل توعية أهالي المنطقة بكافة الامراض وطرق الوقاية منها، مما كان لها الأثر الكبير على الأهالي، الى جانب تشبيك المستفيدين من خلال هذا الجهد بالمؤسسات وحصولهم على خدمات صحية تراعي ظروفهم واوضاعهم، تكاد تكون تلك الخدمات بالمجان.
وضمن مبادرة محاربة المخدرات وعقار الترامدول في منطقة الزيتون، استطاعت لجنة الحماية المجتمعية في منطقة الزيتون ان تحقق نجاحات رائعة تمثلت في احراز تقدم في مجال محاربة المخدرات في منطقة الزيتون من خلال عدد من الأنشطة ركزت على الجانب التوعوي لأفة المخدرات وتأثيرها على الشباب والمجتمع، وعقدت لجنة الحماية المجتمعية بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم والإدارة العامة لمكافحة المخدرات سلسلة من اللقاءات التوعوية في مجالس العائلات، وفي مقرات المؤسسات القاعدية وفي المدارس، وحضر هذه اللقاءات عدد كبير من الرجال والنساء والشباب، وتم ارشاد الأهالي وتوعويتهم من ضرورة متابعة أبنائهم وابعادهم عن رفاق السوء، وما يمثلونه من خطر على الأبناء وتوريطهم في وحل المخدرات، كما ركزت أيضا اللقاءات على أثار الوقوع في الإدمان على المخدرات من الناحية الاقتصادية والمجتمعية والأخلاقية، كما وجهت هذه اللقاءات الأهالي الى ضرورة التوجه الى الجهات المختصة في حال وجود حالات من الإدمان لديهم، ليتم علاجهم واخراجهم من مشكلة الإدمان واعادتهم الى أوضاعهم الطبيعية والى حضن العائلة والمجتمع.
خلقت هذه المبادرة نوع من التواصل المجتمعي مع أعضاء لجنة الحماية المجتمعية في المنطقة والأهالي، ولعبت لجنة الحماية دور إيجابي في تشبيك الأهالي خاصة الذين لديهم أبناء وقعوا في الإدمان على المخدرات مع الجهات المختصة، ليتم متابعتهم وعلاجهم.
المبادرة الثالثة تناولت حل مشكلة معاناة الطلاب في الوصول الى المرافق التعليمية في منطقة جحر الديك من خلال أنشطة تناولت تحسين المنظومة التعليمية وتفعيل مجالس أولياء الأمور، إضافة لحل مشكلة لطالما عانى منها طلاب المدراس في منطقة جحر الديك من الوصول الى المرافق التعليمية، ويوجد في المنطقة ثلاث مدارس مدرستين حكوميتين ومدرسة تابعة لوكالة الغوث، وتعمل المدارس الحكومية بنظام الفترتين، بينما تعمل مدرسة وكالة الغوث بنظام الفترة الواحدة، وهذه المدارس لا تكفي لاستيعاب كافة الطلبة من المراحل التعليمية المختلفة، مما يضطرهم للذهاب الى مدارس أخرى في منطقة البريج وغزة، حيث تبعد المدارس عن أماكن سكناهم مسافة من 3-5 كيلو، ونتيجة لأوضاع اسرهم المعيشية الصعبة يضطر معظمهم للمشي على الاقدام يومياً هذه المسافة، الامر الذي يجعلهم يعانون يومياً من حرارة الصيف الشديدة ومن البرودة القارصة شتاءً. ما يؤثر على تحصيلهم العلمي.
هذه المبادرة وبجهود من لجنة الحماية المجتمعية في منطقة جحر الديك تمكنت من خلال أنشطتها ان توفر مواصلات لعدد يقارب ال 80 طالب، من خلال توفير عدد (2) باص لنقل الطلاب اثناء ذهابهم وايابهم من مناطق سكناهم الى مدارسهم في منطقتي غزة والبريج، وكنوع من الضغط على الجهات المعنية ولفت انتباههم لهذه القضية، تم وضع يافطات على الباصات كتب عليها شعارات ( الحق في الامان – الحق في التعليم)، كما اجرت لجنة الحماية المجتمعية لقاءات تنسيقية مع وكالة الغوث في اطار حل مشكلة الوصول الى المرافق التعليمية، ووعدت وكالة الغوث مع بدء العام الدراسي 2021 بحل المشكلة من خلال اتباع نظام العمل بفترتين، الامر الذي سيعمل على حل المشكلة واستيعاب كافة الطلاب الذين يعانون من مشقة الوصول الى مدارسهم.
اما المبادرة الرابعة والتي حملت عنوان "تعزيز التأهب لحالات الطوارئ في منطقة الشجاعية" باعتبار ان شرق منطقة الشجاعية قد تعرض سابقاً ولا يزال يتعرض الى مخاطر بشرية نتيجة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي العدوانية من اجتياحات وحروب طالت المنطقة ودمرت كل ما فيها من بيوت واراضي زراعية، ومنشئات اقتصادية، ولا تزال منطقة الشجاعية عرضه لتلك المخاطر باعتبارها منطقة حدودية.
لذلك هدفت المبادرة المجتمعية الى تمكين الأهالي من التعامل مع تلك المخاطر لاسيما في وقت الازمات ورفع القدرة الاستجابية لدى الأهالي في التعامل معها. والتخفيف من اثارها وحدتها.
وضع أعضاء لجنة الحماية المجتمعية جملة من الأنشطة من بينها القيام بتدريب الأهالي على التعامل مع الازمات اثناء وقوعها وتدريبات عملية في (الاخلاء السليم، علوم الإطفاء، الإسعافات الأولية، الحملات وطرق نقل المصابين، ومناورات عملية لطلاب المدارس وطرق اخلائهم اثناء وقوع الخطر، الى جانب ورش عمل مع الأهالي وفي المدارس الحدودية في المواضيع ذات الصلة.
لم تتمكن لجنة الحماية المجتمعية من استكمال أنشطتها والوصول الى أهدافها بسبب تزامن معظم أنشطتها مع انتشار وباء كورونا، حيث أغلقت المدارس، ومنعت كافة الأنشطة المجتمعية التي تستهدف التجمعات وذلك بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية بإعلان حالة الطوارئ، وتمكنت لجنة الحماية المجتمعية من تلقي تدريبات نظرية وعملية مع الدفاع المدني حول المواضيع المذكورة قبيل قرار اعلان حالة الطوارئ.
تعتبر لجان الحماية المجتمعية المشكلة من قبل الإغاثة الزراعية انطلاقة مجتمعية جديدة لإحداث التغيير في المجتمعات الفقيرة والمهمشة، لما تتمتع به من روح طوعية عالية وانتماء لمجتمعاتها.