مع استمرار جائحة كورونا: هل تهتز أركان الأمن الإنساني؟

بقلم/ م.تيسير محيسن

 

وُجهت رسالةٌ إلى قادة العالم من علماء وسياسيين وشركات تحثهم على اتخاذ إجراءات لمنع تحول وباء كورونا إلى أزمة غذائية وإنسانية عالمية. مع انقطاع سلاسل التوريد، يخشى أن أزمة غذاء تلوح في الأفق. مع ذلك، يرى بعض الخبراء أن نقص الغذاء على نطاق واسع غير مرجح في المدى القريب، ويعتمد الأمر على ما هو غير معروف؛ إلى متى يستمر تفشي الوباء، وعدد البلدان التي تتأثر به، وطبيعة السياسات والاجراءات التي ستتخذها الحكومات للاستجابة للأزمة.

بينما لازال العالم يبحث عن لقاح، بدأت تداعيات الوباء تظهر على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل مكان تقريبا. في عجالة سوف نفحص تأثير الوباء على إمدادات الغذاء، ضمن السيناريوهات التالية: الحد من تفشي الوباء وعودة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها، الثاني القضاء على الفيروس بتطوير لقاح مناسب، أما الثالث، استمرار الوباء في الانتشار والتعايش معه لفترة طويلة.

يندرج قطاع الغذاء ضمن البنية التحتية الحيوية، إلى جانب الرعاية الصحية وخدمات الطوارئ، ولكن تظل له الأولوية باعتباره شرط "البقاء" مصداقا لقوله تعالى "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". أظهر وباء كورونا أهمية استعادة مفهوم "الأمن الإنساني" وركائزه السبعة (الغذائي والصحي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والبيئي والشخصي). حيث تبين إلى أى مدى تغولت سياسات وممارسات النظم الليبرالية الجديدة وأنظمة الاستبداد على هذه الركائز، علاوة على المجاعة التي يعاني منها ملايين البشر (كورونا ربما يقذف بنصف مليار إنسان إلى أتون الجوع).

اليوم، اتخذت بعض الحكومات قرارا بإعادة فتح الاقتصاد وتخفيف القيود على الحركة، في محاولة لإعادة التوازن بين "الاقتصاد" و"الصحة" ذلك أن العواقب الاقتصادية للوباء يمكن أن تؤذي عددا أكبر من الناس أكثر من المرض نفسه. إن التركيز على جانب واحد فقط من هذه الثنائية لن يخدم "الحرب" ضد الفيروس.

في بداية الجائحة استحوذت الصحة العامة ومدى ملائمة الأنظمة الصحية لمواجهتها على الحيز الأكبر من النقاش والاهتمام والإجراءات. مع مرور الوقت بدت التدابير المتخذة تؤثر سلبا على مناحي الحياة الأخرى. إن مما زاد الأمر تعقيدا الصراعات المشتعلة وكذلك الصدمات المناخية بالإضافة إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، الذي من المتوقع أن يتحول إلى ركود اقتصادي في ظل الوباء الحالي وفي القلب منه أزمة الغذاء. حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن عدد الذين يعانون من الجوع الحاد ومن سوء التغذية آخذ في الارتفاع، وقد يتضاعف ليصل 265 مليونا، بسبب التداعيات الاقتصادية للوباء. من المعروف أن أكثر من 38 مليون شخص يواجهون انعدام أمن غذائي حادا في دول تشهد نزاعات يتركزون في منطقة الشرق الأوسط وآسيا.

يعتقد بعض الخبراء أن البلدان الأكثر فقرا والتي تعاني انعداما للأمن الغذائي سيكون للوباء أثر فادح على اقتصادها أكثر من بقية البلدان، ومن المرجح أن تشهد انتشارا واسعا للوباء ومعدلات أعلى من الإصابات والوفيات.

فلسطينيا، يؤرخ لبداية الاهتمام بالأمن الغذائي منذ عام 2000 ارتباطا بحدثين: الأول اندلاع الانتفاضة الثانية وتزايد الحاجة الماسة للغذاء. الحدث الثاني صدور الإعلان العالمي عن الحق في الأمن الغذائي والحصول على غذاء آمن وكاف ومستمر على مدار العام. وقبل الخوض في تداعيات كورونا على الأمن الغذائي، لعله من المفيد التذكير أنه طبقا للبيان الختامي لمؤتمر القمة العالمي للأغذية (1996)، يتحقق الأمن الغذائي عندما يتمتع الناس كافة وفي جميع الأوقات بفرص الحصول والوصول إلى أغذية كافية وسليمة ومفيدة لتلبية احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية من أجل حياة صحية ومنتجة وموفورة النشاط.

تفيد الاحصائيات أن حوالي 69% يعانون من انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة،  منهم 47% يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، و22% بشكل معتدل. للأوبئة عموما تأثيرات سلبية على الأمن الغذائي والتغذوي؛ خاصة بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن والفقراء. تعد فلسطين من بين الدول التي شهدت نسبة عالية من انعدام الأمن الغذائي، بسبب الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية خلال عام 2019. وما يفاقم الأزمة، التي تعود أساسا إلى الحصار والاعتداءات المتكررة والزيادة السكانية وقلة الموارد؛ التركيبة الهشة للنظام الاقتصادي، التغير المناخي الذي يؤثر على الرزنامة الزراعية، التلوث البيئي، أزمة المياه من حيث الكم والنوع، الزحف العمراني على حساب المساحة الزراعية. من المرجح أن وباء كورونا سوف يزيد الأمر سوءا؛ فقد بدت تظهر مؤشرات أولية واتجاهات وميول غير مسبوقة بفعل الوباء والإجراءات المتخذة لمكافحته والحد من انتشاره؛ من ذلك:


  • سقوط ما لا يقل عن 53 ألف أسرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في وهدة الفقر بعد فقدان مصدر دخلها (سبل عيشها) بسبب كورونا. من ذلك، تأثر سبل العيش الزراعية، من حيث انخفاض أسعار المنتجات الزراعية بعد توقف تصديرها لإسرائيل والخارج، علاوة على صعوبة الحصول على المدخلات الزراعية والأعلاف.

  • يخشى أنه في حال أقدمت إسرائيل على الإغلاق الشامل أن يتأثر الموسم الزراعي الثاني (أوائل أغسطس) من حيث السماح بدخول المستلزمات (البذور، معقمات التربة، الأسمدة الكيميائية، والمبيدات بكافة أنواعها،....). يذكر أن القدرة الإنتاجية لمصانع المستلزمات الزراعية انخفضت إلى 40%، ما أدى إلى إرتفاع أسعارها وأسعار توصيلها في ظل الضائقة التي يعاني منها التجار والمزارعون على حد سواء. من المرجح أن تكون خسارة قطاع الثروة الحيوانية فادحة بسب عدم القدرة على إستيراد الأعلاف أو تخزينها أو الوصول إليها. من المعروف أن حاجة القطاع من المستلزمات الزراعية تبلغ 21 مليون $ (7 إنتاج نباتي، 14 إنتاج حيواني)


في إطار الجهود المبذولة لمواجه هذه الأزمة المحتملة ولمنع تحول أزمة كورونا إلى أزمة غذاء حقيقية، ثمة تدابير واستراتيجيات للتكيف والمواجهة: أولا؛ تعزيز شبكات الأمان لصغار المنتجين من المزارعين وصاحبات المشاريع الصغيرة وأنماط مختلفة من الحماية الاجتماعية تشمل الطرود الغذائية والتحويلات النقدية، الخدمات الطبية المجانية، الاستثمار في جهود التعافي المبكر والاعفاء الضريبي. ثانيا؛ تشجيع الزراعة الحضرية (الحدائق المنزلية والاقتصاد المنزلي)، تأسيس بنوك البذور البلدية وتطويرها، تشجيع صناعة الكمبوست المحلي من مخلفات المزرعة والمنزل، الاستمرار في مراقبة أسعار الغذاء عن كثب وتعزيز الإشراف على السوق. ثالثا؛ تشجيع ودعم المزارعين على مواصلة العمل في مزارعهم (خاصة الأعمال التي ممكن أن تستمر دون أن تتأثر بالوباء) وذلك باتخاذ إجراءات الوقاية والسلامة ومنها تطوير صيغة ملائمة لاستراتيجية "التباعد الاجتماعي" داخل الأسرة وداخل المزرعة وتمكينهم من الوصول إلى السوق دون مخاطرة.

 

 

اشترك في القائمة البريدية