التأثيرات الاقتصادية لوباء كورونا!

بقلم/ م.تيسير محيسن



لا أحد يدري على وجه اليقين ما الذي تخفيه الأيام بخصوص عواقب انتشار وباء كورونا على السياسة والاقتصاد والمجتمع في مختلف بقاع الأرض. ملايين البشر باتوا قيد الإقامة الجبرية في بيوتهم، ضحاياه من الموتى تجاوزوا حاجز المائة ألف ومن المصابين اقتربوا من حاجز المليونين، نصف مليار إنسان في طريقهم إلى المجاعة، مزيد من العاطلين عن العمل..إنه الركود الأسوأ منذ 1929.


قلنا في مقال سابق أن التأثيرات الاقتصادية للوباء تعتمد على المدة الزمنية التي سوف تستغرقها عمليات التغلب عليه والتعافي منه. في الواقع، نحن غير قادرين على تحديد كيف ومتى سيحدث ذلك. لقد كشفت الأزمة هشاشة الأنظمة وحدود المعرفة والقوة.


دعونا نسلط الضوء قليلا على الضرر الاقتصادي الناجم عن الوباء في البلدان النامية. يرى خبراء أنه بينما يمثل فقدان الأرواح الجانب الأكثر مأساوية؛ فإن التأثير على المدى الطويل يتمثل في الركود الاقتصادي الذي لم يأت بعد.


ولما كانت اقتصادات هذه الدول أقل استخداما للتكنولوجيا، وأكثر اعتمادا على العنصر البشري، فإن تدابير الوقاية والسلامة تشكل قيدا عليها ما يورثها الكثير من التداعيات: ضعف النمو، شحة الأموال المتاحة لأولويات التنمية، إعاقة مكافحة الفقر المدقع. في غضون ذلك، تتعطل سلاسل التوريد وتنتشر حمى الشراء، ويرافقها ظاهرتا الاكتناز والاحتكار. كل ذلك يؤدي إلى تذبذب أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي يضر الطبقة الوسطى والقطاعات الفقيرة في المجتمع. هذا ويواجه العمال وخصوصا أولئك الذين يعملون بأجر يومي، أو يزاولون أعمالا متدنية الأجور أزمة دخل حادة. وإذا ما استمر الوباء حتى أوائل الصيف، فلن يتمكن العمال من تغطية نفقاتهم، أو قد لا يحصلون على فرص مواتية للتعويض عن مصدر دخلهم المفقود.


في الواقع، على البلدان النامية أن تتحرك بسرعة من أجل اتخاذ خطوات سياسية ملموسة لحماية شعوبها والحد من الضرر لاقتصاداتها؛ وعلى وجه الخصوص تعزيز الإنفاق على الصحة، تعزيز شبكة الأمان (التحويلات النقدية والخدمات الطبية المجانية للضعفاء والفقراء) دعم القطاع الخاص (الائتمان قصير الأجل أو الإعفاءات الضريبية أو الإعانات)، مواجهة اضطرابات السوق المالية (خفض أسعار الفائدة وضخ السيولة)


تحتاج هذه البلدان، الفقيرة منها خاصة، خطة إنقاذ اقتصادي بموازنة لا تقل عن 2.5 تريليون دولار لوقف الوباء ومنع الانهيار الاقتصادي العالمي. وينصح البعض باتخاذ التدابير التالية: تعليق وإلغاء ديون البلدان النامية، زيادة المساعدة من الدول الغنية لدعم الدول الأكثر فقراً، والوفاء بالتزامها بنسبة 0.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي.


أعلنت مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن حزم دعم مالي لمساعدة هذه البلدان على التغلب على الأزمة الصحية والحد من الأضرار الاقتصادية (حوالي 12 مليار) وذلك على مرحلتين: الأولى تعزيز النظم الصحية وتقليل الضرر على الناس والاقتصاد، الثانية: التركيز على الآثار الاقتصادية والاجتماعية.


يشكل وباء الفيروس التاجي مصدر قلق للفلسطينيين عموما، ولسكان قطاع غزة على وجه الخصوص. فالقطاع من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية (وبالتالي قد ينتشر الوباء كالنار في الهشيم لا قدر الله)، ويعاني منذ سنوات طويلة من حصار خانق وشبه فصل عن باقي المناطق الفلسطينية. هذا ويشهد أزمات مركبة سواء في البنية التحتية أو الخدمات الأساسية أو في القدرة على توليد فرص عمل لائقة ومستدامة. يعتمد حوالي 80% من سكانه بشكل دائم على المساعدات الإنسانية، وتتجاوز نسبة العاطلين عن العمل 50%، وهي من أعلى النسب على مستوى العالم، 72% للنساء و70% للشباب ولا سيما من خريجي الجامعات.


دفعت هذه الظروف المعيشية الهشة الكثيرين لتبني استراتيجيات سلبية للتكيف مع الوضع الراهن من قبيل تقليل استهلاك الأغذية وتنوعها، مما تسبب في سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي الذي بلغت نسبته 40% في العام 2019. واستناداً لتقرير الاحتياجات الانسانية الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية، فإن واحد من كل شخصين، أي ما يزيد عن مليون شخص في القطاع يعد فقيراً، من بينهم ما يزيد على 400 ألف طفل.


طبقا لأحدث الدراسات والتقارير فإن أثر أزمة كورونا على القوى العاملة في قطاع غزة بدأت تتضح معالمها؛ حيث: تكاد تصل البطالة إلى حوالي 75%، أكثر من 15% من أصحاب الاعمال استغنوا عن 75 % من عمالهم، أكثر من 80% من أصحاب الصالات والمطاعم والمقاهي استغنوا عن العمال بشكل كامل، تراجعت الحركة على المنطقة الصناعية بواقع 40% عن الحركة المعتادة. كما سجل ارتفاع على أسعار المنتجات وخاصة المنتجات الغذائية بنسبة 10-15%، وثمة توقع أنها قريبا سوف تنفذ من الأسواق إذا ما استمرت الأزمة؛ إذ توجد تعقيدات في سلسلة التوريدات للعقود المستقبلية للواردات من الصين والاتحاد الأوروبي. هذا وتعتبر أكثر القطاعات الإقتصادية تضررا قطاع السياحة والمطاعم الشعبية، الملبوسات والنسيج، المقاولات والحرف المرتبطة بها، النقل والمواصلات، التعليم الخاص.


طبقا لتقديرات سلطة النقد الفلسطينية ثمة سيناريوهان: الأول استمرار الأزمة لمدة أربع شهور، والثاني استمرارها لمدة ستة شهور، في كل الأحوال سوف يتأثر الاقتصاد الفلسطيني سلبا لا محالة. من المحتمل ظهور أزمة سيولة، وركود اقتصادي


الاقتصاد الفلسطيني يعمل في ظل بيئة شديدة المخاطر والتحديات تسببت خلال السنوات الماضية بمجموعة من الأزمات والصدمات، السياسية والاقتصادية، على حد سواء، كان آخرها أزمة إيرادات المقاصة الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي في العام 2019. وفقا لسلطة النقد أيضا، يمكن رصد خمسة مصادر رئيسية لمخاطر محتملة يمكن أن تنتقل للاقتصاد الفلسطيني بشكل عام والقطاع المصرفي بشكل خاص، وهي: الاستثمارات الخارجية، معدلات الفائدة، أسعار الصرف، أسعار النفط والمواد الأولية، وتدفقات الدخل والتحويلات الجارية في ميزان المدفوعات.



من الدروس البليغة للجائحة، أنه كان بإمكان الحكومات تجنب الأزمة وتأثيراتها الاقتصادية السلبية لو أحسنت مواجهتها صحيا واجتماعيا من حيث الإنفاق والتخطيط المسبق والأوفر، اليوم تضطر هذه الحكومات الى دفع ما بين 6 الى 28 % من الناتج المحلي كحزم للإسعاف والمساعدات.



يقول المستشار الاقتصادي للرئيس الفلسطيني "ثمة تحدي كبير، فهل يمكن تحويل هذا التحدي إلى فرصة؟ وذلك من خلال التخطيط لمعالجة التبعات الاقتصادية الطارئة والتأسيس لحل متكامل لمعضلات الاقتصاد المتراكمة وذلك ضمن رؤية وطنية شاملة، عنوانها الاعتماد على الذات"، هل التخطيط يكفي حقا مثلما يقترح السيد المستشار. لا أظن! ولكن دعونا نفحص ذلك في مقالات تالية.




اشترك في القائمة البريدية